عاد ملف استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في سورية، إلى واجهة الأحداث مع إعلان منظمة دولية متخصصة، تشكيل فريق تحقيق لتحديد الجهة المسؤولة عن مقتل مئات السوريين خلال هجمات بغازات سامة، وهو ما يثير مخاوف روسية من تبعات أي تحقيق مستقل يثبت استخدام النظام لهذه الأسلحة، إذ إن ذلك يفتح الباب واسعاً أمام تقديم رموز هذا النظام إلى محاكمات دولية. وكانت وكالة "رويترز"، قد نقلت منذ أيام عن مصادر مطلعة قولها، إن "فريقاً جديداً شكلته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الجهة التي استخدمت ذخائر محظورة في سورية، سيحقق في أنباء عن وقوع تسع هجمات كيميائية في سورية، منها هجمات في بلدة دوما". وحددت المنظمة حالياً الأماكن التي ستجري فيها أول تحقيقاتها خلال السنوات الثلاث المقبلة. وأيدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاقتراح الذي قادته بريطانيا لتشكيل الفريق المؤلف من عشرة أعضاء في حين عارضه النظام وحلفاؤه، على رأسهم روسيا وإيران.
وشكك ممثل روسيا الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ألكسندر شولغين، يوم الجمعة بتقرير المنظمة، فادّعى أن "هناك تناقضاً في تقرير منظمة حظر الأسلحة الذي قدمته في مارس الماضي، الذي خلص إلى أن تحليل العينات الطبية والبيئية التي حصلت عليها البعثة خلال تفتيشها المنطقة أظهر استخدام مادة الكلور". ولطالما حاولت روسيا تبرئة النظام السوري من استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، محاوِلة تحميل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المسؤولية، رغم أن الوقائع الميدانية دامغة بتورط النظام، الذي يتحدث دائماً عن "مسرحيات" استخدام الكيميائي من قبل عناصر الدفاع المدني.
واستخدمت قوات النظام على مدى سنوات الثورة، الأسلحة المحرمة دولياً مرات عدة، ما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، أبرزها مجزرة الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق (ومعضمية الشام بالغوطة الغربية في اليوم ذاته في 21 أغسطس/آب 2013)، التي أودت بحياة نحو 1500 مدني.
ولجأ النظام إلى السلاح الكيميائي مرات عدة في غوطة دمشق الشرقية وحي جوبر الدمشقي، خصوصاً عندما تتعرض قواته لهزائم على يد فصائل المعارضة السورية إبان سيطرتها على المنطقة، الذي انتهت مطلع العام الماضي. وارتكب النظام مجزرة كيميائية في مدينة خان شيخون بريف إدلب بتاريخ 4 إبريل 2017، ومجزرة مماثلة في مدينة دوما في 7 إبريل 2018، لإجبار فصائل المعارضة على الانسحاب من المدينة. ودان المجتمع الدولي هذه المجازر، ولكن فعلياً بقي الجناة من دون أي مساءلة حتى الآن، فاكتفى مجلس الأمن الدولي بإصدار القرار رقم 2118 الذي دان الهجمات الكيميائية وصدر في 28 سبتمبر/أيلول 2013، أي بعد خمسة أسابيع من ارتكاب مجزرة الغوطتين. وعقب استخدام النظام للأسلحة الكيميائية في دوما العام الماضي، استهدفت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في منتصف إبريل 2018 بنحو 110 صواريخ، مقار عسكرية للنظام قال التحالف الغربي إنها تستخدم لتصنيع السلاح الكيميائي.
واعترفت العواصم المهاجمة بأن أهداف الضربة كانت محدودة، لأنها لم تكن تنوي منها إلا إضعاف القدرة الكيميائية لنظام الأسد وليس إسقاطه، وهو ما حصل بحسب إعلانات الدول الثلاث. وطاولت الضربات مواقع عسكرية مهمة أبرزها مركز البحوث العلمية في برزة، التابع لوزارة الدفاع السورية، ويُعتبر مركزاً يتم فيه تطوير قدرات قوات النظام عسكرياً، كما يُعتقد أنه من المراكز التي تتم فيها عمليات تطوير السلاح الكيميائي السوري.
كما طاول القصف أيضاً مطار المزة العسكري، في جنوب غربي العاصمة دمشق، ومواقع عسكرية للنظام السوري في مناطق القلمون الشرقي، ومطار الضمير العسكري، إضافة لاستهداف "اللواء 105"، وهو من أهم المواقع العسكرية التابعة للحرس الجمهوري قرب دمشق. وكانت الولايات المتحدة اتفقت مع روسيا عقب استخدام الأسد للسلاح الكيميائي في عام 2013، على تسليم النظام السوري ترسانته من الأسلحة الكيميائية، ولكن استخدامه هذا السلاح لاحقاً يؤكد أنه لم يسلم كل ما يمتلكه من هذا السلاح. وفي سياق محاولاته طمس الأدلة التي تدينه، عمد النظام إلى نبش قبور الضحايا في أكثر من مجزرة في الغوطة الشرقية بأسلحة كيميائية، ومنها مقبرة زملكا، التي دُفن فيها ضحايا مجزرة 21 أغسطس 2013، لـ"إخفاء آخر الدلائل" حول المجزرة.