أدوار المثقف والبحث العلمي محور "المركز العربي" في المغرب

20 مارس 2015
حضر المؤتمر نخبة من الباحثين والأساتذة الجامعيين (العربي الجديد)
+ الخط -

انطلقت أعمال أكبر مؤتمر عربي متخصص للعلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في دورته الرابعة، أمس الخميس، مستمراً لثلاثة أيام، في مدينة مراكش، بحضور نخبة من الباحثين والأساتذة الجامعيين.

وتمحورت الأوراق البحثية التي قدمت، حول موضوعين لهما حساسية كبيرة في السياق العربي الراهن، أولهما يتعلق بأدوار المثقفين في التحولات التاريخية، والثاني بالجامعات والبحث العلمي في الوطن العربي.

وشملت جلسة افتتاح المؤتمر محاضرتين تأسيسيتين في موضوعي المؤتمر، إذ ألقى الدكتور عزمي بشارة، المدير العامّ للمركز، محاضرة في الموضوع الأول للمؤتمر "أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية"، فيما حاضر، رئيس جامعة "محمد الخامس" في الرباط سابقاً، الدكتور حفيظ بوطالب الجوطي، في الموضوع الثاني عن "الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي".
ميّز المفكر العربي، عزمي بشارة، بين نمطين سلوكيين للمثقف العربي تجاه الوضع العربي الراهن، إذ تحولت انتفاضات التغيير والثورات من أجل الحرية إلى حروب أهلية في الدول الهشَّة؛ إمّا بسبب جماعاتها الأهلية القوية أو تسرب قوى متطرفة إليها، فاختار النمط الأول من المثقفين الدفاع عن الوضع القائم، فيما اختار الثاني الوقوف مع الثورة في وجه الاستبداد.

وأوضح بشارة، أن المثقف الذي اختار الدفاع عن الوضع القائم، فعل ذلك انطلاقاً من اقتناع مفاده أن الحروب الأهلية التي تغرق فيها بعض الدول العربية التي شهدت محاولة للتغيير، يتحمل مسؤوليتها أولئك الذين قاموا "بمحاولة غير واضحة لتغيير الوضع القائم".

ويرى بشارة أن هذا النمط من المثقفين لا يلتفت إلى "سبب هشاشة الدولة، ولا يحلّل مسؤولية خيار النظام القمعي عن تحول الثورات إلى عنف"، وهو الأمر الذي يمكن "التوصل إليه بالتحليل العقلاني حتى قبل الإدانة الأخلاقية".

وأضاف أن المثقف الذي ينحاز إلى هذا الموقف "إنما ينسحب من دوره الترشيدي العقلاني"، بل إن الأخطر من ذلك "غياب التضامن مع تطلع الشعوب لإنهاء حالة الظلم، وتجنب إدانة النظام الحاكم بوصفه المسؤول عن حالة الظلم والفساد"، وبوصفه، أي النظام الحاكم، "مسؤولاً عن تبعات الخيار الأمني القمعي". حالة مثل هؤلاء المثقفين أنّهم "يتهربون من مسؤولية الموقف، بتوجيه الاتهام إلى من تطلعوا إلى التغيير".

أمّا النوع الثاني من المثقفين فهم أولئك الذين "وقفوا مع الثورة ضد الاستبداد والفساد"، ويرون تبعاً لذلك أن "الأنظمة التي تسد أفق التغيير وتلجأ للعنف" مسؤولة عن "تدهور الثورة"، وتحولها في عدد من الدول التي تتسم بالهشاشة، إلى "منزلقات الفوضى والعنف والتطرف".

وفي هذا السياق، أشار المفكر العربي، إلى أن مثقف الثورة هذا هو نفسه يتبنى مواقف ناقصة، إذ إنه في الوقت الذي "يكتفي بشرح الأسباب الموضوعية للفوضى والتطرف"، فهو "لا يرى أن الأفراد الأحرار الذين ثاروا على النظام مسؤولون أيضاً عن أفعالهم وعن أخطائهم كذلك"، ومن هنا فإن المثقف المدافع عن الثورة قد يتحول "إلى تبرير تلك الأخطاء"، بدل الإسهام في "تفسيرها".

التحذير من العصبيات

من جهة ثانية، رأى بشارة أن قدرة المثقف على "اتخاذ مسافة نقدية من العصبيات القائمة" في أي مجتمع، تعتبر من أهم الشروط للقيام بدوره النقدي، العقلاني والأخلاقي معاً.

وأشار بشكل واضح إلى الحروب الأهلية التي بدأت تجتاح بعض الدول العربية التي عرفت محاولات ثورية، ثم تدهور الوضع فيها إلى الأسوأ، بسبب عصبيات قبلية أو طائفية مذهبية، وحتى حزبية أيديولوجية. وقال بشارة، إن "العصبيات التي تعني انحيازاً مسبقاً تتناقض مع أحكام العقل، ومع أحكام الأخلاق في الوقت ذاته".

جامعات المستقبل

في المحور الثاني، أبرز الجوطي، الفارق الشاسع بين ما حققته الجامعات العالمية من تطور بفضل تكامل البحث العلمي فيها مع الابتكار، فأضحت قائدة للاقتصاد العالمي، فيما تعاني الجامعات العربية من وضعية هشة وتعقيدات في التدبير.

وقال الجوطي إن الجامعات العالمية تطورت بشكل جعلها اليوم تمزج بين ثلاث وظائف كبرى، هي التكوين الجامعي (تلقين المعرفة والقيم والمهارات)، والبحث العلمي، ثم الابتكار.

ولفت إلى أن "الابتكار لا يعني الاختراعات التكنولوجية فحسب، بل أضحى يطلق على كل الإبداعات الجديدة وغير المسبوقة في التنظيم والخدمات والتدبير والاجتماع".

جامعات عربية هشة
أمام هذه التطورات الكبرى على المستوى العالمي، قال الجوطي إن الجامعات العربية لا يمكنها أن تظل محتفظة بدورها التقليدي فحسب، بل عليها "الانخراط في تأهيل الاقتصاد والتنمية ودعم تنافسية المقاولات"، ولكي تستطيع فعل ذلك، تحتاج الجامعات العربية إلى تبنّي مهام جديدة لها مثل التكوين المستمر، والبحث التعاقدي، وتقديم الاستشارات والخبرات، وتطوير روح وبنيات الابتكار والبحث.

وأوضح الجوطي أن "الجامعات العربية، توجد في وضعية هشة"، بل "غير متأكدين من أنّها تستطيع فرض نفسها على المستوى العالمي أو أن تنافس الجامعات لا من الدرجة الثانية، ناهيك عن الجامعات من صنف الدرجة الأولى.

وتلت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية، جلسات علمية أخرى في موضوعي المؤتمر متوازية في الوقت نفسه، ويستمر المؤتمر ثلاثة أيام، يتحدث فيه مفكرون وباحثون عرب، ومن المقرر أن ينهي المؤتمر أعماله بحفل توزيع الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية.

وتعدّ هذه المرة الأولى التي ينظم فيها المؤتمر في المغرب، وسبق أن عقدت دورته الثالثة في تونس العام الماضي، في حين نُظمت دورتاه الأولى والثانية في الدوحة بقطر؛ حيث المقر الرئيس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ويعتزم القائمون على المؤتمر في المركز العربي تنظيم المؤتمر نفسه في دول عربية أخرى، وبحضور أوسع.

اقرأ أيضاًالمؤتمر الثاني لـ"المركز العربي": مقاربات عربية لمئوية الحرب العالمية الأولى

المساهمون