مناورة نتنياهو- ليبرمان: استغلال التحرك المصري لإسقاط المبادرة الفرنسية

01 يونيو 2016
عارض نتنياهو كل مسعى للتسوية مع الفلسطينيين(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -
لم توقع التصريحات "السلمية"، أمس الأول الإثنين، لكل من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه الجديد، أفيغدور ليبرمان، أحداً في إسرائيل بشباكها، بل قوبلت بتشكيك واضح ومعلن، ليس فقط من الخصوم في معسكر اليسار، مثل النائبة شيلي يحيموفيتش من "المعسكر الصهيوني"، وإنما أيضاً في صفوف معلّقين في الصحف الإسرائيلية، وحتى باحثين في مراكز أبحاث إسرائيلية مختلفة.
فقد عارض نتنياهو حتى قبل ضم ليبرمان إلى حكومته الجديدة، وخلال حكومته السابقة، كل مسعى إقليمي أو دولي للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وكرر، في الأسابيع الأخيرة، معارضته للمبادرة الفرنسية، ناهيك عن تكرار شروطه للحل الدائم التي يرفضها الطرف الفلسطيني. وفي هذا السياق، اعتبر المعلق السياسي في "معاريف هشفواع"، بن كاسبيت في مقال له، أمس الثلاثاء، أنه لا داعي للتأثر بتصريحات ليبرمان ونتنياهو بما فيها تلك التي أعلن فيها، الإثنين لأول مرة، وجود "نقاط إيجابية في مبادرة السلام العربية". وأضاف كاسبيت أنه على الرغم من التزام نتنياهو أمام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أن ليبرمان ليس كما يقال عنه وأنه ملتزم بالاستقرار الإقليمي، لكن فرص تنفيذ نتنياهو لتعهداته في خضم محاولات الحراك الإقليمي، في الأسابيع الأخيرة، بما فيها خطاب الرئيس المصري، ودعوته عقد قمة تجمع نتنياهو وعباس في القاهرة، ضعيفة.
ولفت كاسبيت إلى أن نتنياهو، وخلال مفاوضاته ليبرمان للدخول إلى الحكومة، أطلعه على أن "إعصاراً سياسياً" دولياً يهدد إسرائيل، وهو يقوم حالياً بدفع كل مبادرة إقليمية ودولية لمواجهة هذا "الإعصار"، عبر تقديم ثمن كلامي لا غير من دون خطوات فعلية. وخلص كاسبيت إلى القول، إنه لن ينتج من هذه التصريحات كثيرٌ.


وإذا كان بن كاسبيت يتحدث بمنطق المعلّق السياسي، فإن مقالاً نشره باحثان في مركز أبحاث الأمن القومي، أكد أنه على الرغم من الحراك الدولي والإقليمي الذي بدأ أخيراً، ومن شأنه أن يطرح أمام إسرائيل فرصاً لتحسين وضعها الاستراتيجي على ضوء التطورات الحاصلة في العالم العربي، إلا أن إسرائيل تعارض بشدة أي تدخّل دولي وفق الخطوط العريضة للمبادرة الفرنسية.
مع ذلك أشار الباحثان، شلومو بروم وعنات كورتس، إلى أنه من الصعب جداً الافتراض أن تكون الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الجديدة، أكثر مرونة من الحكومة السابقة في ما يتعلق بالقضايا المصيرية والحاسمة المتعلقة باستئناف العملية السلمية. مع ذلك سيواجه نتنياهو صعوبة في رفض الدعوة المصرية لعقد لقاء ثلاثي في القاهرة، وذلك بفعل التعاون المتزايد بين إسرائيل ومصر تحت قيادة السيسي. لكن السؤال المطروح هو، هل سيشترط السيسي عقد اللقاء المقترح في القاهرة، بالتوصل إلى تفاهمات واتفاق بين الأطراف الثلاثة، وعندها فإن مثل هذا اللقاء لن يُعقد، خصوصاً إذا رفضت إسرائيل مسبقاً التفاوض على أساس المبادرة العربية؟
وخلص الكاتبان إلى القول، إن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الجديدة ستفوّت على ما يبدو فرصة التقدّم نحو حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بسبب الوضع الداخلي في إسرائيل وبفعل ضعف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "ويعني هذا أن مصر ودولاً عربية أخرى في الخليج ستواصل تعاونها مع إسرائيل ولكن على نطاق محدود".
في المقابل، تطرق الكاتب إيلي أفيدار في "معاريف هشبواع"، إلى ردود الفعل من دول عربية "سنّية معتدلة" في الخليج وفي الأردن ومصر، والتي تمثّلت بالأساس بعدم التعقيب سلباً على ضم ليبرمان إلى الحكومة، خلافاً للموقف الفلسطيني المتأثر بالعلاقات بين ليبرمان ومحمد دحلان، وفق أفيدار، معتبراً أن هذه الردود تؤشر إلى أن هذه الدول لا تنظر بالضرورة بشكل سلبي إلى ضم ليبرمان للحكومة، بل إن بعضها يعتبر أن ليبرمان قادر على توثيق التعاون السري بينها وبين إسرائيل، بفعل قدرته على كتمان أمر اللقاءات السرية التي يمكن أن يعقدها مع قادة ومسؤولين عرب في دول الخليج.
ويتضح من سعي نتنياهو، أمس الأول، للثناء على "نقاط في المبادرة العربية"، أنه يراهن على حراك إقليمي، إعلامي ودبلوماسي عام، يقوم على افتعال نوع من التحرك، عبر الاتصالات المرتقبة مع مصر بشأن اقتراح الرئيس المصري عقد قمة ثلاثية، بما يدل على "جدية" نتنياهو والتزامه المعلن بحل الدولتين. وسيخلق هذا الأمر وهماً بوجود تحرك فعلي، مع أن التحرك المرتقب يُقصد منه أولاً ضمان صد المبادرة الفرنسية، وكسب الوقت لحين انتهاء الانتخابات الأميركية، بشكل يحول دون توجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما بما بقي له من أيام في البيت الأبيض نحو إطلاق تحرك أو ممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو، وتخفيف حدة الانتقادات الدولية لحكومة نتنياهو بعد ضم ليبرمان إليها. وسيستثمر نتنياهو الاقتراح المصري وتصريحاته بشأن التزامه بحل الدولتين، لأقصى درجة، مردداً شرط الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل "وطناً قومياً لليهود"، وبالإعلان عن نهاية الصراع، ليرتد بعدها إلى تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل المبادرة المصرية في حال تم عقد لقاء ثلاثي في القاهرة، لرفض الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل وطناً قومياً لليهود.