عملية "درع الشمال" تفشل في تحقيق أهدافها السياسية

14 يناير 2019
أعلن الاحتلال كشف 6 أنفاق لـ"حزب الله"(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
تزامن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأحد، عن إنهاء عملية "درع الشمال" التي أطلقها في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مع قرب إنهاء رئيس الأركان الجنرال غادي أيزنكوط، ولايته الرسمية، غداً الثلاثاء، علماً أنه كان يفترض أن تنتهي في سبتمبر/ أيلول وتم تمديدها من قِبل حكومة بنيامين نتنياهو بفعل التوتر الذي ساد على الجبهة الجنوبية لدولة الاحتلال مع قطاع غزة.
وفيما اعتبرت الصحف الإسرائيلية هذا الإعلان بمثابة مكافأة لرئيس الأركان، يبدو أن المكاسب السياسية التي هدفت إسرائيل إليها لم تتحقق كلياً. صحيح أن الاحتلال استطاع على مدار ستة أسابيع تفادي عمليات إدانة لنشاطه العسكري على الحدود مع لبنان، وباختراق سيادة لبنان، مع التلويح بقصف أهداف داخل الأراضي اللبنانية إذا لزم الأمر، إلا أنه فشل عملياً في توظيف العملية لاستصدار إدانة دولية لـ"حزب الله"، أو تجنيد دعم، باستثناء الأميركي، يمكن أن يؤسس عليه في حال شن عدوان مستقبلي على لبنان، تحت ذريعة خرق الأخير للقرار الدولي 1701 الذي أنهى عملياً ورسمياً العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.

وأعلن جيش الاحتلال أنه تمكّن مع إنهاء حملة "درع الشمال" من كشف "ستة أنفاق هجومية" حفرها "حزب الله" من داخل الأراضي اللبنانية، لا سيما من بلدتي رامية وكفركلا، وإبطال مفعول هذه الأنفاق، باستثناء النفق الذي أعلن عنه أمس، بادعاء أنه لم يكن قد بلغ درجة عملياتية تُشكّل خطراً على إسرائيل.
ومع أن الحملة لاقت انتقادات واسعة، وبالأساس من أحزاب المعارضة الإسرائيلية وحتى مصادر عسكرية بفعل قرار الجيش إطلاق تعبير حملة على العمليات، ليتضح لاحقاً أنها مجرد عمليات "هندسية" وحفريات، إلا أنها أدت في أيامها الأولى إلى رفع حدة التوتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل، لكن ليس لدرجة الوصول إلى حالة حرب.

وكشفت طبيعة الحفريات والأعمال التي قام بها جيش الاحتلال كذب نتنياهو، الذي سبق العمليات وإطلاقها بالادعاء بأن الأوضاع على الجبهة الشمالية حساسة، وهي التي دفعت الكابينت في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى ترجيح كفة التوصل إلى قرار وقف إطلاق نار مع الفصائل الفلسطينية في غزة، بزعم التفرغ لمواجهة التحديات على الحدود الشمالية.
ويتضح اليوم أن مجمل الأنفاق التي تحدث عنها الاحتلال هي ستة أنفاق، زعم الاحتلال أنه تمكّن من إبطال خطرها، وبالتالي تجنيب الإسرائيليين خطر تحقق السيناريوهات التي تحدثت عن خطة "حزب الله" لاحتلال مناطق وأجزاء من الجليل ولو لساعات في المواجهة العسكرية المقبلة. وفي هذا السياق، شكّل إطلاق العمليات تأكيداً لتحذيرات سكان المستوطنات الإسرائيلية الحدودية، الذين اشتكوا منذ العام 2016 من سماعهم أصوات عمليات الحفر تحت منازلهم، ولا سيما في مستوطنتي زرعيت والمطلة، مثلما شكّل الكشف عن هذه الأنفاق رداً إسرائيلياً استباقياً لاحتمالات لجوء "حزب الله" إلى تفعيل هذه الأنفاق فعلاً وفق مخططات يدعي الاحتلال أن إيران وضعتها من أجل استخدام هذه الأنفاق لنقل الجنود والعتاد لحرب برية في الجليل.


وعلى الرغم من فشل العملية في تحقيق هدف إدانة "حزب الله"، إلا أنها منحت حكومة الاحتلال فرصة في تسويق دعايتها ضد الحزب وإيران، والتأسيس لمبرر يلقي بمسؤولية المواجهة المقبلة في حال اندلاعها ونتائجها على الحكومة اللبنانية و"حزب الله". وبرز ذلك في الجولة التي نظّمها نتنياهو لمجموعة من السفراء الأجانب الذين يخدمون في إسرائيل في السادس من ديسمبر/ كانون الأول إلى المناطق التي كشف فيها عن الأنفاق الأولى. كما فتحت العملية أمام حكومة الاحتلال باب عودة الحديث عن التنسيق بين إسرائيل وروسيا، من خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الثامن من ديسمبر، وما تبع ذلك من توجّه وفد عسكري إسرائيلي إلى موسكو. وأسفرت المحادثات التي أجراها هذا الوفد في موسكو عن توجيه روسيا رسالة تحذير للحكومة اللبنانية من مغبة خرق القرار الدولي 1701، بحسب مصادر إسرائيلية.
واعتُبر هذا التحذير من موسكو، وفق المصادر الإسرائيلية، بمثابة إنجاز إسرائيلي يؤكد إمكانيات مزيد من التنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب، ليس فقط في الشأن السوري، بل أيضاً في الساحة اللبنانية، علماً أن إسرائيل كانت قد أعربت في الأشهر الأخيرة من العام 2018 عن قلقها مما وصفته بازدياد الاهتمام الروسي بما يجري في لبنان.

كذلك، مكّن "اكتشاف" جيش الاحتلال ستة "أنفاق هجومية" نتنياهو، أمس، من إعلان تمكّن حكومته من إبطال خطر هذه الأنفاق وردة فعل "حزب الله"، طيلة فترة عمليات البحث عن الأنفاق، خصوصاً بعدما كانت إسرائيل قد أبدت بداية مخاوف من رد محتمل للحزب على عملية "درع الشمال".
إلى ذلك، أبرزت الصحف الإسرائيلية، أمس، بشكل ملحوظ، تساؤلات عن سبب صمت الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، طيلة فترة العملية، ورددت التقارير المتضاربة التي نُشرت بشأن صحة نصرالله وأثر ذلك في موقف الحزب خلال هذه الفترة.

ويمكن إجمال عمليات "درع الشمال" باعتبارها حققت للاحتلال إنجازاً في مواجهة "حزب الله" يتمثّل بادعاء الاحتلال أنه تمكّن من هدم البنى التحتية لخطط "احتلال الجليل" التي كان الحزب قد تحدث عنها في العامين الأخيرين، عبر خطابات مختلفة. واستغل الاحتلال، بحسب تقديرات مختلفة، وضع "حزب الله" في لبنان، ولا سيما بعد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان في مايو/ أيار من العام الماضي. ويبدو أن إسرائيل كانت قد أطلعت الولايات المتحدة على العمليات قبل بدئها خلال لقاء نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بروكسل، قبل إطلاق عمليات "درع الشمال" بأيام قليلة.

المساهمون