في عام 2011، استبشر المصريون برؤية الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال في قفص السجن. وانتشى المصريون بحبس كل من وزير الداخلية حبيب العادلي، الذي كان يقبض أرواح المصريين في السجون والمعتقلات ويضيق على حياة الناس ويلاحق الناشطين والمعارضين، وكبار رجال الأعمال، كأحمد عز. لكن لم تطُل هذه الفرحة طويلاً، فقد تعثر المسار الجديد، وتحرر مبارك ونجلاه والعادلي من سجنهم، ويقضي أحمد عز وقته في شرم الشيخ، بينما وجد رئيس منتخب مثل محمد مرسي نفسه في السجن، وكثيرون من الفاعلين في حراك يناير/ كانون الثاني 2011 يجدون أنفسهم ملاحقين في كل شبر من أرض مصر.
بقدر اختلاف السياق المصري وفواعله مع السياق الجزائري، فقد كان من الضروري أن يتم استدعاء الحالة المصرية هذه، حين تتقاطع فرحة المصريين تلك مع سعادة الجزائريين واعتدادهم بمنجز كبير حققه الحراك الشعبي هذه الأيام، وهم يشاهدون صور الرجل، الذي كان يعرف بـ"رب الجزائر"، مدير الاستخبارات الأسبق محمد مدين (الجنرال توفيق) وأحد صناع "عشرية الدم" في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب المدير السابق للجهاز نفسه بشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة أحد صناع عشريتي العهد البوتفليقي سيئ الذكر، يقتادون إلى المحكمة العسكرية والسجن بتهم التآمر على الدولة والجيش، ناهيك عن سجن عدد من كبار رجال الأعمال، كانت أسماؤهم تملأ الدنيا وتشغل الناس.
عدم الإفلات من العقاب أمر جيد، ويشفي بعضاً من غليل الجزائريين من نكبات وخراب سياسي واقتصادي تسبب بها هؤلاء وغيرهم كثر، لكن السؤال الذي يطرحه استدعاء الظرف المصري مثلاً، هو كيف يمكن حماية هذا المسار ومنع تكرار الحالة تلك؟ لأنه وفي الحقيقة، وبقدر ما انتشى الجزائريون لحبس صناع الدم والخراب، فإن الكثير من الجزائريين لا يريحهم أن يكون تحرك العدالة بمهماز الجيش وبدعوات متكررة من قائد الأركان لمحاسبة "رؤوس العصابة"، أو من أي طرف كان، فالعدالة يجب أن تأخذ مجراها حيث يجب وكيفما يفرض القانون. من المؤكد أن تقاطع المصلحة بين الحراك الشعبي وقيادة الجيش ـ التي شعرت أنها كانت مستهدفة في "مؤامرة الدولة العميقة"ـ ساعد في ملاحقة هذه الشخصيات التي تمثل سرّ النظام منذ تسعينيات القرن الماضي ودولته العميقة وذراعه الأمني والمالي. وما تحقق منجز كبير للحراك الشعبي لا يزايد أحد عليه، وتم بفعل استمرار التعبئة الشعبية، طرد العصابة من الحكم ومحاسبتها في 22 فبراير/ شباط الماضي، لكن يتعين على الجزائريين أيضاً منع حدوث 30 يونيو مصري آخر في الجزائر، تعود فيه الثورة المضادة بكل ألق.
إصرار الجزائريين على عدم الاكتفاء بنصف ثورة ونصف منجز أمر مطمئن حتى الآن، لكنه لن يحصن المسار الفتي الذي ما زال يعيش مخاضه من يونيو مصري، من دون بناء ديمقراطي حقيقي ينبثق عن دستور يعيد توزيع الصلاحيات بشكل متوازن، ولا يتيح أي فرصة لإعادة إنتاج الدكتاتورية الناعمة والحكم بالوكالة، وتأخذ فيه العدالة مسافة مستقلة عن أية تأثيرات كانت، ويستعيد فيه الفاعل السياسي والمدني قدرة الرقابة على إدارة الشأن العام.