الباقورة والغمر... الأردنيون يريدون استعادة أرضهم من إسرائيل

04 ابريل 2018
أردنيون ضد التطبيع (صالح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -
من بنود معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية، الموقّعة عام 1994، ملف منطقتي الباقورة والغمر الأردنيتين، اللتين، بموجب المعاهدة، شرّعتا الباب لما اصُطلح على تسميته "انتفاع إسرائيل منهما"، على أن تنتهي مفاعيلها في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. غير أن ذلك لا يعني عودة المنطقتين "أوتوماتيكياً" إلى السيادة والمنفعة الوطنية الأردنية، إذ تتطلب عودتهما إجراءات قد تمتد سنوات، لكنها تبدأ بإخطار الحكومة الأردنية نظيرتها الإسرائيلية رغبتها بإنهاء "الانتفاع" قبل تاريخ انتهائه بعامٍ كاملٍ، حتى لا يتم التجديد تلقائياً لفترة مماثلة.


في هذا السياق، شهدت الأسابيع الماضية، نقاشاً واسعاً حول الباقورة والغمر، بدأ شعبياً وامتد إلى مجلس النواب الذي نقله بدوره إلى الحكومة التي أعلنت على لسان وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في 25 مارس/آذار الماضي، أن "القضية قيد الدراسة، لاتخاذ قرار يحقق المصالح الأردنية".
من جهته، كشف وزير الزراعة، خالد حنيفات، خلال مقابلة تلفزيونية في الأول من إبريل/نيسان الحالي، أن الحكومة "اتخذت قراراً سابقاً بعدم تجديد حق الاستعمال للإسرائيليين"، في استمرار  للتضارب بين تصريحات المسؤولين الحكوميين حول القضية، ما دفع نحو عشرين نائباً أمس الثلاثاء إلى طلب عقد جلسة مناقشة عامة حول مستقبل السيادة الأردنية على المنطقتين.  




وتوسع النقاش مع اقتراب 26 أكتوبر المقبل، الموعد النهائي لإخطار الجانب الإسرائيلي برغبة الحكومة الأردنية، في حال توفرها، بإنهاء الاتفاق حول المنطقتين، تمهيداً لاستعادتهما. وتبلغ مساحة الأرض في الباقورة 830 دونماً، وفي الغمر أربعة آلاف دونم تقريباً.

في هذا الصدد، أكد خبير القانون الدولي، أنيس فوزي قاسم، لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوة الحاسمة لاستعادة المنطقتين تتمثل بإخطار الجانب الأردني للإسرائيلي رغبته بإنهاء الاتفاق". وتلزم نصوص المعاهدة الواردة في الملحق 1(ب)، الخاص بالباقورة، والملحق 1(ج) الخاص بالغمر "دخول الطرفين في مشاورات حول المنطقتين، في حال أبلغ أحد الطرفين الطرف الآخر نيته إنهاء العمل بالملحق".

ويشير قاسم إلى "غموض يلف إجراءات المشاورات/ المفاوضات، المنصوص عليها في الاتفاقية"، ويبين "المشاورات/ المفاوضات غير محددة بسقف زمني، ما يعني احتمال استمرارها فترة طويلة، يبقى خلالها الوضع القائم على حاله".



وتحدد المعاهدة "التفاوض" سبيلاً لحل المنازعات الناتجة عن تطبيق المعاهدة أو تفسيرها، على أن يعتمد "التوفيق أو التحكيم" حلاً في حال فشل المفاوضات. ويقول قاسم إنه "إذا فشلت المفاوضات بين الطرفين على المنطقتين، ستحال القضية إلى التحكيم. والتحكيم فيه غموض كبير لناحية مكان التحكيم وعدد المحكمين والقانون المطبق".

لكن رغم التعقيدات والغموض، وطول فترة التفاوض المتوقعة أو إجراءات التحكيم، يعتقد قاسم بقدرة الحكومة الأردنية على الوصول لـ"نتيجة مشرفة"، معلقاً الأمر على "وجود قرار سياسي باستعادة المنطقتين". وكان الإسرائيليون قد احتلوا في عام 1950 نحو 1390 دونماً في منطقة الباقورة، الواقعة في الغور الشمالي للمملكة، من دون تحرّك الأردن لاستعادتها عسكرياً.

وطرحت قضية الأراضي المحتلة في الباقورة على طاولة المفاوضات عام 1994، وخلالها ادّعى الجانب الإسرائيلي أن 830 دونماً من أرض الباقورة "ملكية إسرائيلية خاصة". ملكية اعترف فيها الجانب الأردني، ومهّدت لتلبيته للرغبة الإسرائيلية بشمولها بنظام "انتفاع"، انتقص من السيادة الأردنية عليها.

ووصف الإسرائيليون الباقورة خلال المفاوضات بـ "المعجزة الإسرائيلية"، تعبيراً عن تمسكهم بالاحتفاظ بالأرض التي أقاموا عليها مشاريع زراعية متطورة، كما أوردها رئيس الموساد الأسبق أفرايم هاليفي، في مذكراته التي نشرها تحت عنوان "رجل في الظلال"، وهو كان ضمن الوفد الإسرائيلي المفاوض.

وبيّن الباحث في شؤون معاهدة السلام عبد الحكيم جعابو، أنه "وفقاً لنصوص المعاهدة فإن الباقورة تقع تحت السيادة الأردنية، لكن الواقع العملي يبين تنازل المفاوض الأردني عن تلك السيادة". وتمنع المعاهدة على الأردن "تطبيق تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة على مستعملي الأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض. كما يلتزم الأردن، تطبيقاً للمعاهدة، بعدم فرض ضرائب تمييزيّة أو رسوم تمييزيّة على الأرض أو الأنشطة فيها، وكذلك يسمح بدخول ضبّاط الشرطة الإسرائيليين، بزيّهم العسكري وبأسلحتهم، إلى تلك الأراضي".

أما منطقة الغمر، في منطقة وادي عربة جنوب البحر الميت، فاحتلتها إسرائيل ضمن مئات الكيلومترات الأخرى أعقاب هزيمة 1967. وبرزت أهمية الغمر بالنسبة للإسرائيليين، بعد أن سمح للمستوطنين بزراعتها، ما جعل منها ملفاً شائكاً على طاولة المفاوضات، في ظل تمسك المفاوض الإسرائيلي بالاحتفاظ بالأرض، التي أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أنها "أرض أردنية مملوكة لخزينة الدولة".



أمام إصرار المفاوض الإسرائيلي، وافق المفاوض الأردني على احترام "حقوق استعمال إسرائيلية خاصة تتعلق بالأرض"، لمدة 25 عاماً، وفيما اعترف المعاهدة بخضوع المنطقة للسيادة الأردنية، تعهد الأردن بالتعامل فيها على غرار تعامله مع منطقة الباقورة.

ونصّت المعاهدة على أن "في الباقورة حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية". وهي حقوق يعيدها المسؤولون الأردنيون إلى عام 1926. ولا يوفر رئيس الوزراء الأردني الأسبق، رئيس الوفد الأردني المفاوض عبد السلام المجالي، فرصة إعلامية إلا ويذكر بـ"الملكية الخاصة"، في معرض تبريره لمنح إسرائيل حق "الانتفاع" الذي يصطلح عليه معارضو المعاهدة بـ "التأجير"، ويرون فيه "سلوكاً تفريطياً".

وتثير مسألة "الملكية الإسرائيلية الخاصة" حساسية الشرق أردنيين، خصوصاً أنها تحمل في ثناياها اتهامات مبطنة بإقدامهم على بيع أراضٍ للعصابات الصهيونية، حتى قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل". ويستبعد جعابو أن "يكون الأردنيون أقدموا على بيع الأرض"، ويتساءل رداً على الادعاء بأن البيع موثق بدائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد، شمالي المملكة: "لماذا لا تكشف الحكومة عن تلك العقود؟". ويعبّر عن استغرابه: "كيف سمح بتسريب أراض للعدو بشكل يخالف القوانين الأردنية آنذاك؟".

وانحاز جعابو للرواية التي أعادت تسريب الأراضي للإسرائيليين إلى "شركة كهرباء فلسطين"، حين منح الانتداب البريطاني لمالك الشركة بنحاس روتنبرغ، في عام 1926، حق امتياز في منطقة الباقورة لإقامة مشروعه. وقال "كان أمام المفاوض الأردني فرصة لدحض الادعاءات الإسرائيلية وإبطال حقوق الملكية الإسرائيلية الخاصة، بالاعتماد على عقد امتياز شركة كهرباء فلسطين". واستبعد أن "يكون سلوك المفاوض الأردني ناتجاً عن جهل بقدر ما هو ناتج عن تفريط، ما جعله ينظر بعين الشك إلى جدية الحكومة في العمل على استرجاع منطقتي الباقورة والغمر".

ويشترط عقد الامتياز "عدم تنازل صاحب الامتياز عن هذه الأرض أو بيعها لأي جهة، على أن تعود ملكيّة أيّ مساحة تزيد على حاجة المشروع إلى الحكومة الأردنيّة، وأن تعود ملكيّة الأرض للحكومة الأردنيّة حال انتقال ملكيتها لأيّ جهة أخرى". كما يبين خالد الحباشنة في كتابه "العلاقات الأردنية الإسرائيلية في ظل (معاهدة السلام)"، مؤكداً أن "نسخة عقد الامتياز محفوظة في دائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد". وخالف روتنبرغ، وهو صهيوني متحمّس شارك في تأسيس عصابات "الهاغاناه" عقد الامتياز وباع الأراضي التي حصل على حقّ استغلالها إلى "الوكالة اليهوديّة" التي باعتها بدورها إلى شخصيات إسرائيلية، حسبما أورد الحباشنة في كتابه.