وجّهت أوساط عسكرية في تل أبيب، انتقادات لاستراتيجية "التحصين" التي يتّبعها الاحتلال الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، والتي تقوم على بناء الجدران الإسمنتية ومنظومات العوائق المادية على طول الحدود مع الدول العربية والمناطق الفلسطينية المحتلة.
وفي تحقيق نشره، اليوم الأحد، موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال قائد عسكري إسرائيلي يشرف على تأمين الحدود مع لبنان، إن وجود الجدران والأسيجة الحدودية يؤثر نفسياً على ضباط وجنود جيش الاحتلال، ويقلّص من دافعيتهم خلف الحدود. وأضاف العقيد يهودا فان، قائد لواء "769"، الذي يتولى تأمين الحدود مع لبنان: "الدولة التي تحيط نفسها بالجدران، تكرّس الانطباع بأنها والمجتمع الذي تضمه يعيشان في خوف". وأضاف: "العامل الرئيس وراء استراتيجية التحصين هو الخوف، الخوف شعور غير موضوعي يحركه العيش تحت تهديد دائم، وعندما يشعر شعب ما بأنه مهدد، فإن الخطوة الأولى التي يقدم عليها هي التحصين، على اعتبار أن ذلك يقلص الشعور بالفزع".
وأشار إلى أن الاعتماد على استراتيجية التحصين يكرس الانطباع بأن إسرائيل تُقدم على ذلك من منطلق الشعور بالضعف، وليس استناداً إلى الإحساس بالقوة والمنعة. وانتقد بشكل خاص التكلفة المادية العالية لاستراتيجية "التحصين" مقابل جدواها الأمنية المحدودة.
وشبّه القائد العسكري الجدران والتحصينات التي تحيط إسرائيل نفسها بها حالياً بخط "بارليف" الذي بناه الجيش الإسرائيلي شرق قناة السويس، لمنع الجيش المصري من مفاجأة إسرائيل، مشيراً إلى أن الرهان على خط بارليف ثبت أنه غير واقعي في النهاية.
ولكي يدل على عدم جدوى الاستثمار في استراتيجية التحصينات، أشار إلى حقيقة أن المستوطنين في منطقة غلاف غزة يبدون حالياً مستويات كبيرة من القلق والفزع، من قيام "حماس" بإطلاق البالونات المتفجرة، على الرغم من أنها وسيلة بدائية ورخيصة، مشيراً إلى أن التحصينات والجدران لم تكن ذات جدوى في منع هذه البالونات.
وأقرّ بأن أحد أهم الأسباب التي تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى الاستثمار في بناء التحصينات على الرغم من كلفتها العالية، هو حقيقة إدراكها أن المستوطنين اليهود لم يعودوا مستعدين لدفع ثمن تواجدهم في المستوطنات المواجهة للحدود. ولفت إلى أن مواصلة الاستثمار في بناء الجدران يدل على عدم جاهزية إسرائيل للحرب ودفع تكلفة الانتصار فيها، إلى جانب أن وجود هذه الجدران يقلص بشكل كبير من قدرة الجيش على العمل خلف الحدود، وفي قلب أرض العدو، في حال استدعت ذلك المتطلبات الأمنية.
من جهته، قال معدّ التحقيق الصحافي يوآف زيتون، إن التوسع في تدشين الجدران يضر بمكانة إسرائيل وسمعتها، ويكرّس عزلتها وانفصالها عن محيطها.
ولفت التحقيق إلى أن استراتيجية التحصين الإسرائيلية تستند إلى شبكات طويلة من الجدران والعوائق المادية فوق الأرض وتحتها، وداخل البحر المتوسط، مشيراً إلى أن إسرائيل دشنت في الأعوام الماضية جدراناً بطول 500 كيلومتر على طول الحدود مع الدول العربية. ونوه التحقيق إلى أن إسرائيل تركز حالياً على بناء جدار ومنظومات وعوائق مادية على الحدود مع لبنان، بعد أن شرعت في بناء منظومات مماثلة على الحدود مع سورية والأردن، لافتاً إلى أن إسرائيل أنجزت قبل خمس سنوات بناء 210 كيلومترات من الجدران والعوائق على طول الحدود التي تفصل إسرائيل عن صحراء سيناء.
ولفت إلى أن إسرائيل تواصل بناء منظومة جدران وعوائق مادية على طول الحدود مع قطاع غزة، بعد أن أنجزت بناء جدار طويل في عمق الضفة الغربية وفي محيط القدس المحتلة.
وحسب التحقيق، فإن إسرائيل عمدت إلى بناء جدار تحت الأرض في عمق البحر، عند الطرف الشمالي للحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، لتقليص فرص تسلّل عناصر وحدة الكوماندوس البحري التابعة لـ"كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس".
وأشار التحقيق إلى أن إسرائيل لم تكتف ببناء الجدران على طول الحدود مع القطاع، بل عمدت إلى بناء جدران حول المستوطنات اليهودية التي تقع شرق وشمال قطاع غزة، لتقليص قدرة المقاومين الفلسطينيين على التسلل وتنفيذ عمليات داخلها.
وأكد التحقيق أن السير بالقرب من الحدود على الجبهات المختلفة، يكرّس شعوراً بالعيش داخل حصن، لافتاً إلى أن تدشين التحصينات والجدران، ومنظومات العوائق المادية المختلفة، لم يثبت جدواه في كثير من الأحيان، لا سيما في ظل استخدام الصواريخ والقذائف، مشيراً إلى أن مستوطناً قُتل في حادثة إطلاق قذيفة من غزة داخل مستوطنة "إيرز"، الواقعة شمال القطاع، على الرغم من أن هذه المستوطنة محصنة بمنظومة جدار وعوائق مادية.