وطالما نبّه أهالي سيناء، بما في ذلك في تصريحات لـ"العربي الجديد"، من المخططات التي تنفذ على أرضهم وتشير إلى وجود أهداف سرية لها، وأنها تمهيد لتنفيذ خطة ما، وهذا ما أكدته الأيام، من وجود نية لربط سيناء بقطاع غزة على الأقل في الاتجاه الاقتصادي، كالكهرباء، والسياحة، والتنقل، والتجارة.
ووفقاً للمعلومات الواردة من البيت الأبيض، فإن الدول المانحة والمستثمرين سيساهمون بنحو 50 مليار دولار، بينها 28 مليار دولار تذهب للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وتسعة مليارات دولار لمصر، و7.5 مليارات دولار للأردن، وستة مليارات دولار للبنان، حيث تأمل إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تكون دول الخليج بين أكبر المانحين، فيما يتم إيداع المبالغ التي تُجمع في صندوق يؤسس لدعم اقتصاديات الأراضي الفلسطينية والدول الثلاث، ويديره بنك تنمية متعدد الجنسيات، ومجلس محافظين يحدد المخصصات بناء على مقترحات المشاريع.
وبحسب ما تسرب من الخطة فإنه سيجري تمويل 179 مشروعاً للتنمية الاقتصادية، بينها 147 مشروعاً في الضفة الغربية وغزة و15 في الأردن و12 في مصر وخمسة مشاريع في لبنان. وتشمل المشاريع البنية التحتية والمياه والكهرباء والاتصالات ومنشآت سياحية وطبية وغيرها. والنقطة الأهم أنه سيجري تخصيص عشرات الملايين من الدولارات لعدة مشاريع تهدف لتحقيق اتصالات أوثق بين قطاع غزة وسيناء من خلال الخدمات والبنية التحتية والتجارة، فيما سيجري تحديث خطوط الكهرباء بين مصر وغزة لزيادة إمدادات الكهرباء. كما تقترح الخطة بحث سبل استغلال أفضل للمناطق الصناعية القائمة في مصر لتعزيز التجارة مع غزة والضفة الغربية وإسرائيل، لكنها لم تحدد هذه المناطق. والمقترحات الإضافية لمصر تشمل دعم توسعة موانئ وحوافز تجارية لمركز التجارة قرب قناة السويس وتطوير المنشآت السياحية في سيناء القريبة من البحر الأحمر.
وشرح أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، ما يجري الحديث عنه في أوراق خطة الإملاءات على أرض الواقع. وقال إن "تمهيد الطريق أمام الصفقة بدأ عند إعطاء الفرصة لنمو التنظيم الإرهابي (ولاية سيناء) في سيناء، من خلال السياسة الخشنة التي تعامل بها النظام المصري مع أهالي سيناء، وما تبع ذلك من ردود أفعال على هجمات التنظيم، بإلحاق الضرر بالمواطن، بما يشمل إنهاء الوجود السكاني والزراعي في مناطق واسعة من سيناء، تلك القريبة من الحدود مع قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948". وأشار إلى أنه تم "استكمال ذلك، عبر الضغط على كل سكان شمال سيناء، بقطع إمدادات المياه والكهرباء والاتصالات، والمواد الغذائية والمحروقات. ودفعت هذا الإجراءات عشرات آلاف المواطنين إلى الخروج منها اضطرارياً، في ظل صعوبة استكمال الحياة جراء الواقع الاقتصادي والأمني والاجتماعي الذي بات يسيطر على المحافظة".
وأضاف الشيخ القبلي أن "تسلسل الأحداث بدأ بإشعال القتال بين التنظيم الإرهابي والأمن، ومن ثم رد الفعل بالتدمير، ومن ثم الحصار المطبق، وصولاً إلى مرحلة الإعمار، التي لم يتوارد الشك لأبناء سيناء بأنها من أجلهم. وكان واضحاً أن من دمر منازل المواطنين وجرف مزارعهم لن يبني لهم ما يوفر الرفاهية. وهنا الحديث عن توسيع مطار العريش ومينائها، وبناء أنفاق السويس، ومد خطوط الكهرباء الجديدة باتجاه مدينتي رفح والشيخ زويد برغم تهجير غالبية سكانها، بالإضافة إلى مد خطوط مياه وبناء محطات تحلية كبيرة لمياه البحر، خصوصاً في مدينة الشيخ زويد. وجميع ما سبق بات جزءاً معلناً من الشق الاقتصادي لصفقة القرن، وستتضح تفاصيله بشكل كامل ومفصل في مؤتمر البحرين".
وأشار الشيخ القبلي إلى أن "مخاوف الأهالي مردها الأساسي نظرة النظام المصري لهم، واعتبارهم مواطنين زوائد على الدولة، وهذا ما يثبته التعامل على كافة الأصعدة مع أبناء سيناء، سواء في وظائف الدولة، أو الاستحقاقات الأساسية لأبناء سيناء كمواطنين مصريين، فإلى الآن لا تزال تتواصل معضلة الرقم القومي الذي لا تعطيه الدولة للآلاف من أبناء سيناء، وعدم امتلاكهم لأي أوراق رسمية تمكنهم من التحرك كبقية مواطني مصر، أو الحصول على الخدمات الحكومية بالشكل المطلوب. وحتى أن من يحمل بطاقة شمال سيناء، يقع تحت مجهر الأمن والتفتيش والإهانة في أي مكان في الجمهورية، بالإضافة إلى أن سيناء لا تزال تدفع الثمن من أعمار ودماء أبنائها، فالآلاف قتلوا وأصيبوا نتيجة الأحداث الممتدة منذ العام 2013، عدا عن الآلاف الذين ما زالوا في السجون العسكرية دون تهمة أو حتى محاكمة، وبالتالي فإن أهالي سيناء لا يستبعدون أن تضحي بهم الدولة في أي مخطط دولي مقبل، في مقابل الحصول على مردود سياسي ومادي يعود بالنفع على النظام الحالي".
وفي ما يخص ورشة المنامة، قال مصدر دبلوماسي مصري إن الجانب الأكبر من المشاركين سيتمثل في رجال أعمال عرب، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الأمور تتجه في مصر إلى مشاركة نائب وزير المالية للسياسات المالية الدكتور أحمد كجوك. وكانت مصادر أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن هناك محاولات لإقناع الأردن بالتجاوب مع تلك المبادرات، والمشاركة بشكل إيجابي في ورشة المنامة، فيما كشفت المصادر المصرية أن القاهرة أبلغت الجانب الأميركي استعدادها التام للشروع في تنفيذ المنطقة الاقتصادية على الحدود مع قطاع غزة، في الوقت الذي تكون فيه الإدارة الأميركية والجانب الإسرائيلي عازمين على التنفيذ الجدي. كما كشفت أن افتتاح أنفاق قناة السويس، التي تربط شرق القناة بغربها، في هذا التوقيت كان من بين العوامل التي ساقها النظام المصري للجانب الأميركي بشأن التنفيذ الفعلي للبنود الاقتصادية المتعلقة بقطاع غزة تحديداً ضمن الخطط الأميركية.
وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام المصري أكد الالتزام بتطبيق صفقة القرن على أرض الواقع، بل كان أكثر الأطراف التزاماً بتنفيذها، وهذا ما ظهر جلياً في سيناء خلال الأعوام الماضية، إذ إن المشاريع الكبرى التي يجري تنفيذها في سيناء، منذ أكثر من عامين، تؤكد بما لا شك فيه، أنها مقبلة على مرحلة الإعلان عن ارتباطها الوثيق بالصفقة، إلى أن أتت هذه اللحظة في مؤتمر البحرين. فمشاريع التطوير للبنى التحتية، كالكهرباء والماء والمطار والميناء، وكذلك تطوير معبر رفح البري، سواء عبر توسعة المباني أو تطوير أداء العمل، بالإضافة إلى فتح خط التجارة الدائم بين غزة ومصر عبر المعبر، بواسطة شركة تتبع لجهاز المخابرات الحربية التي كان يرأسها (الرئيس عبد الفتاح) السيسي، وينوب عنه فيها حالياً نجله محمود، تشير إلى أن ذلك ليس مرده إلى رضى من النظام المصري على سيناء وأهلها، أو حتى قطاع غزة، بقدر ما هو التزام مصري أمام أطراف دولية بتنفيذ ما يطلب منه لتسهيل تنفيذ صفقة القرن".
وأضاف الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لتواجده في سيناء، أن "أهالي سيناء شعروا منذ اللحظة الأولى لبدء الأحداث في سيناء أن المخطط القديم الجديد المتعلق بضم قطاع غزة لسيناء أو العكس، بات قريباً، ولطالما حذروا من ذلك، ولكن لم يجدوا آذاناً صاغية لتحذيراتهم ومناشداتهم بإيقاف قطار الصفقة الذي يمر بسيناء". مع العلم أن ما تسرب من الخطة حتى الآن كشف عن مشاريع عدة لربط أوثق بين قطاع غزة وسيناء.
وذكّر الباحث نفسه أن "النظام المصري برر كل نشاطاته تحت مظلة محاربة الإرهاب، بالرغم من أنه المسؤول الأول عن انتشار وقوة الإرهاب في سيناء، من خلال رفض كل التدخلات والوساطات التي جرت في بداية الأزمة في عامي 2013 و2014، لإنهاء حالة الظلم الواقع على أبناء سيناء، في مقابل تحجيم التنظيم". وأشار إلى "أن النظام المصري واصل رفضه لكل المبادرات التي صدرت من سيناء نفسها، واستكمل سياسته الخشنة بحق الأهالي، والتي كان مردها تنفيذ مخططات دولية على أرض سيناء، في مقابل دعم سياسي لنظام السيسي، وكذلك دعم مادي سخي".