انتخابات موريتانيا... سباق للتموضع في سباق الرئاسة 2019

01 سبتمبر 2018
دعا عبد العزيز إلى "تصويت كثيف" لحزبه (فرانس برس)
+ الخط -
تنطلق في موريتانيا، اليوم السبت، الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية التي دُعي إليها أكثر من 1.4 مليون ناخب مسجّل، والتي تشكّل اختباراً جدياً لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، قبل أقلّ من سنة على الانتخابات الرئاسية في منتصف عام 2019 المقبل، وسط مشاركة واسعة لأحزاب المعارضة ومدوّنين وحقوقيين وشباب من خلفيات عدة. ومن المتوقّع صدور أولى نتائج هذه الانتخابات مطلع الأسبوع المقبل. وإذا ما أجريت دورة ثانية، فستكون في 15 سبتمبر/أيلول من الشهر الجاري.

ويغيب المراقبون الدوليون عن الانتخابات التي يتنافس فيها نحو 100 حزب سياسي، أبرزها حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم"، وحزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (تواصل) الإسلامي، وتحالف "المنتدى الوطني للديمقراطية" (ائتلاف يضم أكثر من عشرة أحزاب معارضة)، إضافة إلى تحالف "حزب الصواب القومي"، وحركة "إيرا" الحقوقية. وتشير التوقعات إلى حضور قوي لأحزاب معارضة أخرى، أبرزها حزب "تكتل القوى الديمقراطية" الذي يترأسه زعيم المعارضة السابق، أحمد ولد داداه، وحزب "التحالف الشعبي التقدمي" برئاسة مسعود ولد بلخير. لكنّ الحملة الانتخابية التي انتهت مساء الخميس الماضي، لم تثر حماسة الموريتانيين، والمهرجانات الانتخابية لم تستقطب الكثير من الأشخاص، على الرغم من الطابع الحاسم للانتخابات، سواء للسلطة أو للمعارضة.

مسار هام ومعقّد

تعتبر الانتخابات الحالية في موريتانيا مهمة في تحديد مسار البلاد، حيث يحتدم التنافس فيها بين الحزب الحاكم، وأحزاب الأغلبية الداعمة للنظام من جهة، وأحزاب المعارضة الراديكالية والإسلاميين، وبعض القوى السياسية الأخرى الطامحة للتغير من جهة أخرى.

ودعا محمد ولد عبد العزيز (61 عاماً)، الجنرال السابق الذي وصل إلى الحكم بانقلاب في 2008، ثم انتخب في 2009 وأعيد انتخابه في 2014، إلى "تصويت كثيف" لحزبه الاتحاد من أجل الجمهورية، "للاستمرار في طريق الإنجازات العظيمة والتصدي لسوء الإدارة"، واصفاً قادة المعارضة بأنهم "لصوص" و"مثيرو شغب"، فيما طلب المعارض التاريخي أحمد ولد داداه، من الموريتانيين القيام بـ"الانتفاضة الضرورية لاجتثاث نظام الدكتاتورية والإفلاس المعمم".

إلى ذلك، رأى الباحث الموريتاني أحمد شوقي ولد محمد فال، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "إحراز أغلبية برلمانية في الانتخابات الحالية يشكّل أهم محطات المسار السياسي الحالي للقوى المتنافسة، إذ يعتبر تحقيق ذلك في ظلّ انتخابات معقدة، أهم ضمان للتأثير في المشهد السياسي المقبل، لتمرير القوانين والتحكّم في الأداء التشريعي".

ويسعى النظام الموريتاني ممثلاً في الحزب الحاكم، إلى الحفاظ على أغلبية برلمانية تسمح له بتعديل الدستور وتمرير مشاريع القوانين، بينما تنافس المعارضة مجتمعة لكسب الرهان وتعديل الكفة لصالحها، من خلال الحصول على أغلبية برلمانية، وتغلغل واسع في المجالس الجهوية والبلدية.

واعتبر ولد محمد فال أنّ "تنظيم الانتخابات البرلمانية والبلدية في موريتانيا قبيل أقلّ من سنة على تنظيم الانتخابات الرئاسية، يزيد من حدّة التنافس ويجعل النظام أمام امتحان صعب لخوض معركة حاسمة مع كتل هامة في المعارضة".

وما زال الغموض يخيم على نوايا ولد عبد العزيز المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في 2019. فعلى الرغم من تعهّده مراراً بعدم السعي لتعديل عدد الولايات الرئاسية المحدّد باثنتين، لم يتوصّل رئيس الدولة إلى تبديد شكوك المعارضة التي تؤججها التصريحات العلنية لوزرائه وأنصاره. وفي هذا السياق، لفت ولد محمد فال إلى أنّ "تراجع الرئيس عن تصريحاته السابقة بعدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، واحترام دستور البلاد، وتلويحه بعدم التخلّي عن الرئاسة، وتولّيه قيادة الحملة الدعائية للحزب الحاكم، كلّها تشكّل رسائل مؤثرة لمجمل الطيف السياسي، من شأنها أن تزيد من قوة التنافس في مرحلة حاسمة، يعدّ الفائز فيها من يحرز أغلبية برلمانية، تسمح له بتمرير تعديل دستوري، أو رفضه بشكل مطلق".

 


مخاوف من حدوث تزوير

وأبدت أحزاب المعارضة الموريتانية تخوّفها من حدوث تزوير وتلاعب من قبل النظام في الانتخابات، رغم أنّ هناك أحزابا أخرى رأت أنّ إمكانية التزوير باتت غير ممكنة، بسبب تمثيل قوى معارضة عدة في عضوية اللجنة المستقلة للانتخابات، وتزايد نسبة الوعي بين الناخبين، ووجود ممثلين لمعظم الأحزاب المشاركة في مكاتب التصويت. وانتقد "حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (تواصل) المعارض، غياب المراقبين الدوليين، على الرغم من الدعوات التي وجهتها المعارضة في هذا الصدد، ولم تتم الاستجابة لها من طرف النظام.

ونفى قادة حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم (خلال الحملة الدعائية للانتخابات)، أي مزاعم لحدوث تزوير، معتبرين أنّ المعارضة "تشعر بالهزيمة المبكرة"، لكنّ الواقع يؤكد وجود تنافس كبير بين النظام ومعارضيه، وسط حديث لبعض المراقبين عن سيطرة القوى المعارضة على العاصمة نواكشوط، ومنافستها بشكل قوي في كبرى المدن الأخرى.

خريطة التنافس وملامح القوى المشاركة

ويشارك في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية في موريتانيا، 98 حزباً سياسياً، تتوزع جميعها بين الموالاة والمعارضة، مع وجود كتل سياسية أخرى شبه مستقلة، تطمح هي الأخرى لإيجاد موطئ قدم لها في المشهد السياسي الساخن، وسط ترقّب حذر لما سيسفر عنه الصراع المحتدم بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة المناهضة لنظام ولد عبد العزيز.

وفي هذا السياق، رأى الصحافي المتابع للشأن السياسي في موريتانيا، أبوبكر ولد أحمدو الإمام، أنّ أهمّ تحالف معارض في هذه الانتخابات هو تحالف "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" الذي يرشح رئيس حزب "تواصل" الإسلامي السابق، محمد جميل ولد منصور، لرئاسة المجلس الجهوي لمدينة نواكشوط. ويضمّ هذا التحالف أحزاباً معارضة قوية مثل (تواصل، قوى التقدم، المستقبل، عادل، حاتم، والحركة من أجل إعادة التأسيس). وتأتي أهمية هذا التحالف من كون العاصمة معقلاً أساسياً لأنصار وجماهير المعارضة، مما يمنحه حظوظاً وافرة.

وأضاف ولد أحمدو الإمام، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ أهم ما يميّز هذا التحالف هو أنه "يضم الأعمدة الفقرية لأبرز الحركات السياسية في البلد (حركة الكادحون، الإسلاميون، حركة الحر المناهضة للاسترقاق)، بالإضافة إلى جناح وازن من أجنحة الحركات الزنجية التي ترفع شعار تمثيل ذوي ضحايا أحداث نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بينما يمثّل حزب "حاتم" جناحاً من حركة الناصريين العروبية، ويترأّسه صالح ولد حننا، قائد أبرز المحاولات الانقلابية على الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

وأكّد ولد أحمدو الإمام أنّ حزب "عادل" من أهم هذه التشكيلات أيضاً، ويمثّل نواة صلبة لبقايا نظام الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. لكن ما ينغّص هذا التحالف، بحسب الصحافي نفسه، هو أنّ قوى معارضة وازنة ليست طرفاً فيه، كحزب "تكتل القوى الديمقراطية" بزعامة ولد داداه، والذي يشارك منفرداً في الانتخابات، وكذلك أحزاب المعارضة المحاورة وعلى رأسها حزب "التحالف الشعبي التقدمي" الذي يترأّسه مسعود ولد بلخير.

ورأى ولد أحمدو الإمام أنّ "المعارضة الموريتانية لا تعيش في الوقت الحالي أفضل مراحلها، فقد عرفت العديد من الانقسامات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتشكّلت من جديد في كتل سياسية مثل المنتدى، مجموعة الثمانية، المعارضة المحاورة، كتلة الوفاق". لكنه يستدرك بأنّ "حالها ليس نشازًا، إذ تعيش الموالاة أيضاً انقسامات مشابهة، وتزايدت وتيرة انقساماتها مع إعلان قوائم ترشيحات حزب الاتحاد الحاكم في الانتخابات الحالية، ما دفع بقادة كبار في الحزب إلى الانسحاب الصامت ودعم مرشحين من أحزاب أخرى بعضها محسوب على المعارضة". وختم ولد أحمدو الإمام بالقول "إن الانقسامات في صفوف الموالاة أدّت إلى تكرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة العام المقبل".

تردٍ اقتصادي وتراجع للحريات

وترى المعارضة الموريتانية وبعض المنظمات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني أنّ واقع الحريات في البلد، شهد تراجعاً كبيراً في الآونة الأخيرة، إذ اعتقل النظام عدداً من معارضيه، وزجّ بعدد من المرشحين للانتخابات الحالية وراء القضبان، ومن أبرزهم عضو مجلس الشيوخ المنحل، محمد ولد غده، والمرشح البرلماني بيرام ولد الداه ولد أعبيدي.

وتنفي السلطة كل تلك التهم الموجهة إليها، وتعتبر أن البلد يتجه للأفضل على مستوى حرية التعبير وعلى الصعيد الاقتصادي، مشددةً على استعادة النمو "بنسبة 3 في المائة في 2017" وعلى "مؤشر فقر بنسبة 31 في المائة، في مقابل أكثر من 40 في المائة في 2008"، بينما تنتقد المعارضة ما تصفه بالتراجع الكبير للقدرة الشرائية، وتزايد المديونية التي تناهز 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لموريتانيا، التي يبلغ عدد سكانها أقل من أربعة ملايين نسمة.

وشهدت موريتانيا، خلال العام الحالي، موجة جفاف تسببت في نفوق آلاف رؤوس الماشية، وسط امتعاض واسع بين الرعاة من تعاطي الحكومة مع الجفاف، وتقاعسها عن دعمهم بما يكفي من الأعلاف لمواشيهم خلال فترة الصيف. وأثّرت موجة الجفاف على حياة الموريتانيين الذين يعتمد قسم كبير منهم على الثروة الحيوانية، حيث تقدّر "وزارة البيطرة الموريتانية" الثروة الحيوانية في البلاد بأكثر من 23 مليون رأس.