يتواصل سقوط القتلى والجرحى وتدمير المناطق السكنية وتهجير آلاف العائلات، جراء القصف العشوائي من قبل القوات النظامية على البلدات والمدن الواقعة ضمن ما سُمي "المنطقة العازلة" في ريف إدلب الجنوبي وريفي حماة الشمالي والغربي، التي تمّ التوافق عليها بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة سوتشي في سبتمبر/أيلول الماضي، وسط مخاوف من أن يكون ما يجري تمهيداً لتسليم هذه المناطق للنظام ضمن التوافقات التركية الروسية.
وقُتلت امرأتان وأصيب عشرات المدنيين، أمس الثلاثاء، نتيجة قصف نفّذته قوات النظام ومليشيات تابعة لها، على مدينة خان شيخون، جنوب إدلب، شمال غربي سورية، في حين استهدف الطيران الحربي بالقنابل الفراغية شرقي المدينة.
وقال مصدر من الدفاع المدني في إدلب، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قوات النظام المتمركزة في قرية أبو دالي استهدفت بقذائف المدفعية منازل المدنيين في مدينة خان شيخون، ما أسفر عن مقتل سيدتين وإصابة أكثر من 20 مدنياً. وأوضح المصدر، أنّ حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع نظراً لوجود حالات حرجة بين المصابين وكثرة عددهم، إضافة إلى توقّف معظم المشافي في المنطقة عن العمل بسبب قلّة الدعم والنقص الشديد في الأدوية والمعدات الطبية.
وأضاف المصدر أنّ 56 مدنياً بينهم 25 طفلاً و14 امرأة قُتلوا، وجرح 108 آخرون منهم 30 طفلاً وعشر نساء، نتيجة قصف قوات النظام المدفعي والصاروخي، إضافة إلى غارات الطائرات الحربية على إدلب في الأسبوعين الأخيرين. كذلك أشار إلى أنّ قوات النظام استهدفت مدناً وبلداتٍ وقرىً في محافظة إدلب بـ687 قذيفة مدفعية وصاروخية و68 صاروخاً عنقودياً و18 صاروخ أرض - أرض، إضافة إلى 26 غارة لطائرات حربية.
كما استهدفت القوات النظامية قرية السكيك جنوب إدلب، بقذائف المدفعية، أمس، بدون ورود معلومات عن سقوط خسائر بشرية، حتى مساء أمس.
من جهته، قال عضو مجموعة "منسقو الاستجابة في سورية" طارق الإدلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، "تتوسع نقاط القصف وتزداد يوماً بعد آخر، والبلدات التي يتم استهدافها بشكل ثابت مازالت تقصف يومياً، كما أنّ نسبة النزوح في ازدياد يومي، وهناك حركة نزوح ضخمة، فهناك بلدات نزحت بشكل كامل، في وقت يتواصل تدميرها وتدمير بنيتها التحتية".
اقــرأ أيضاً
ولفت الإدلبي إلى أنّ "هناك عائلات حاولت العودة إلى مناطق سكنها، كحال بعض العائلات في بلدة قلعة المضيق، جراء حدوث استقرار نسبي لنحو يومين، لكن القوات النظامية عادت أمس الأول لاستهدافها، ما دفع السكان إلى النزوح مجدداً"، مشيراً إلى أنّ "الوضع الإنساني بشكل عام يزداد سوءاً، مع توسّع دائرة المتضررين جراء توسع المناطق المستهدفة".
وأوضح أنّ "القوات النظامية بدأت حملتها الأخيرة بداية شهر فبراير/شباط الحالي، إذ استهدفت 99 قرية وبلدة موزعة على أرياف محافظات حلب وإدلب وحماة، من أصل 212 قرية وبلدة ومدينة، تتواجد ضمن المنطقة منزوعة السلاح الممتدة من بلدة بداما بريف إدلب الغربي، وصولاً إلى قلعة المضيق بريف حماة الشمالي، وانتهاءً في منطقة ريف حلب الغربي والجنوبي الغربي"، مبيناً أنه بحسب إحصاءات المجموعة ليوم الأحد الفائت، قتل "98 مدنياً وجرح أكثر من 432 آخرين" جراء هذه الاستهدافات.
ولفت الإدلبي إلى أنّ "عدد النازحين من المنطقة جراء الحملة الأخيرة، وصل حتى يوم الأحد الماضي إلى أكثر من 8314 عائلة (متوسط عدد أفراد العائلة في سورية 5 أشخاص)، من منطقة تأوي نحو 557817 نسمة"، موضحاً أنّ هؤلاء النازحين "توزعوا على أكثر من 86 قرية وبلدة ومدينة ومخيماً، ضمن المناطق الداخلية للشمال السوري، وصولاً إلى الحدود السورية التركية". وأشار إلى أنّ "غالبية النازحين بحاجة إلى خيام ومواد العزل، إضافة إلى مساعدات إنسانية مستعجلة، تؤمّن لهم الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، خصوصاً أن غالبيتهم يعانون من الفقر".
وأعرب الإدلبي عن وجود "مخاوف لدى الأهالي من تكرار سيناريو تهجير ما عرف مطلع العام الماضي بمنطقة شرق السكة، حيث تمّ تهجير أكثر من 92 ألف عائلة كانوا يقيمون بنحو 300 قرية، انتهت بسيطرة النظام عليها، وأن يصبح أمل العودة إلى مناطقهم في حلب بعيد المنال، جراء سياسة الاعتقالات والإخفاء القسري، والمبالغ المالية المرتفعة التي يتم ابتزاز العائدين بها".
إلى ذلك، تُقدّر نسبة الدمار في البنية التحتية والأحياء السكنية في المنطقة "بأكثر من 47 في المائة، وهي مرجحة للارتفاع أكثر"، بحسب الإدلبي، الذي أوضح أنّ هذه المعلومات تم توثيقها بتقرير رسمي صدر عن "مجموعة منسقي الاستجابة" أخيراً.
يُشار إلى أن يوم أول من أمس الإثنين قُتل تسعة مدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، نتيجة قصف مدفعي وصاروخي وجوي، استهدف قرى وبلدات خارجة عن سيطرة النظام في ريفي إدلب وحماة. وبعد ذلك أعلنت "مديرية التربية الحرة" في حافظة حماة، في بيان رسمي لها، تعليق العمل في المدارس الواقعة في الريفين الغربي والشمالي يومي الثلاثاء والأربعاء، بهدف الحفاظ على سلامة الطلاب نظراً لسوء الأوضاع الأمنية والقصف المكثّف من قبل قوات النظام.
ويأتي هذا القصف على الرغم من تأكيد الدول الضامنة على استمرار العمل باتفاق سوتشي الذي تمّ توقيعه في سبتمبر الماضي، ونصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح ووقف إطلاق النار.
اقــرأ أيضاً