"الطرف الثالث" في العراق... لماذا تخفي الحكومة هويته؟

27 نوفمبر 2019
نحو 350 قتيلاً بين المتظاهرين منذ أكتوبر(أحمد الربيع/فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت الحكومة العراقية تصر على رواية "الطرف الثالث" الذي يقتل المتظاهرين ويستخدم الذخيرة الحية، وتذكر ذلك مع كل حصيلة جديدة للضحايا تصدر عن منظمات حقوقية أو عن المستشفيات العراقية في جنوب ووسط البلاد وبغداد.

ورغم سقوط ما يقارب 350 قتيلاً من بين المتظاهرين منذ اندلاع التظاهرات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدا عن قرابة 19 ألف مصاب، فإن السلطات العراقية لم تقدم للمحاكمة أو التحقيق أيا من قوات الأمن والأجهزة التي دفعت بها للشارع لمواجهة التظاهرات، وهو ما يمكن اعتباره عاملا إضافيا في استفزاز المتظاهرين وغضبهم.

وتتصدر بغداد والبصرة وكربلاء وذي قار وميسان مدن التظاهرات من حيث عدد الضحايا وحجم القمع الذي تمارسه قوى الأمن فيها.

وينفي وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، أن يكون هذا "الطرف الثالث" الذي يقتل المتظاهرين محاولة للهرب من اتهام قوات الأمن، أو تنصلا من الاعتراف بالذنب، وفقا لما ينقل عنه عضو بلجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مضيفا أن من يقتل المتظاهرين ليست قوات الأمن بمختلف تسمياتها، بل هناك فعلا طرف آخر يريد ترهيب المتظاهرين بطريقته.

وبحسب المصدر ذاته، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "الطرف الثالث الذي يخشى ساسة العراق وقادة أحزاب البلاد والمسؤولون الحديث عنه، هو الفصائل المرتبطة بإيران، وأبرزها كتائب حزب الله والنجباء وسرايا الجهاد والخراساني، وهي التي تشكل العمود الفقري في قوات ما يعرف بـ(أمنية الحشد)".

وأكد أنهم "متورطون فعلا بعمليات قنص وقتل متظاهرين، وحتى عمليات حرق وتخريب، لحرف التظاهرات عن سياقها، وهذا الكلام لا يجرؤ أحد على قوله بالتأكيد"، مؤكدا أنهم أيضا يقفون وراء عمليات خطف عدد كبير من الناشطين في الفترة الأخيرة.

وختم بالقول "لكن هذا لا يعني أن من يقتل المتظاهرين ليس قوات الأمن أو الجيش، بل على العكس الأغلب سقط من الضحايا على يد القوات العراقية النظامية، لكن الطرف الثالث نعم موجود وواقعي وهو الطرف المرتبط بإيران".

وكانت منظمة العفو الدولية قد كشفت، في تحقيق لها، عن وجود إصابات مروعة وقاتلة تعرض لها المحتجون في العراق بسبب قنابل تشبه القنابل المسيلة للدموع، اخترقت جماجم المتظاهرين بشكل لم يشاهد من قبل، مؤكدة في تحقيق لها، أن هذه القنابل يتم إطلاقها على المتظاهرين من أجل قتلهم وليس لتفريقهم. ودعت المنظمة السلطات العراقية فوراً وشرطة مكافحة الشغب وقوات الأمن الأخرى في بغداد للتوقف عن استخدام هذا النوع من القنابل القاتلة والتي لم يسبق لهما مثيل.

"العربي الجديد" تواصل مع محتجين في بغداد، وقال أحدهم إن العنف والقمع الذي تمارسه القوات الحكومية مع المتظاهرين لم يهدأ كما أنه لم يتغيّر، إذ لا تزال قوى الأمن تستخدم الرصاص الحي في تفريق الشباب المنتفض في ساحة الخلاني، وفي كل مرة يتم تفريق المحتجين يسقط قتلى، فيما بيَّن آخر أن الاعتقالات التي وعد رئيس الحكومة بتقنينها وتقليلها لم تتوقف، وما زال عشرات المتظاهرين مغيبين في سجون سرية تتبرأ منها كل أجهزة الحكومة الرسمية، ما يؤكد نفاذ عمل الفصائل المسلحة والمليشيات الداعمة للدولة، وهي الطرف الثالث الذي يمارس العنف، وتتنصل كل الأحزاب والكيانات السياسية والشخصيات العراقية العامة من الاعتراف بدورها.

وخلال الأيام الماضية، وثقت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق استخدام العنف المفرط من قبل القوات الأمنية في بغداد وذي قار والبصرة، كما طالبت الحكومة بمنع استخدام العنف المفرط بكافة أشكاله ضد المتظاهرين السلميين كونه يعد انتهاكًا صارخًا لحق الحياة والأمن والأمان وبضرورة الالتزام بقواعد الاشتباك الآمن وإحالة القائمين بذلك إلى القضاء، مشيرة في بيان أصدرته أخيراً إلى أنه "تمّ تسجيل العشرات في بغداد والبصرة، وذي قار وكربلاء".

من جهته، أشار السياسي العراقي رحيم الدراجي، إلى أن "الطرف الثالث موجود، وهو أمر يؤكده المحتجون في الساحات الشعبية، وكذاك قيادات سياسية وأمنية، ولكن لحد الآن لم تتمكن الحكومة العراقية من كشفه، وهذه الحكومة التي لم تتمكن خلال الشهرين الماضيين من معرفة القناصين الذين قتلوا العراقيين، واستهترت بالدماء واختطفت العشرات من المدونين والناشطين، لا تستحق البقاء في الحكم، ويجب استبدالها"

وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الطرف الثالث هو مهرب لجأت إليه الحكومة العراقية من أجل تبرير جرائم قتل المتظاهرين بواسطة القوات النظامية، وبالتالي فإن دماء القتلى من المحتجين ستذهب بلا فائدة".


ويتحدث ناشطون، كما بعض الصفحات على "فيسبوك" التي يديرها محتجون عراقيون، عن تورط "الحشد الشعبي"، إلا أن القيادي بالحشد علي الكرعاوي، ذهب في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الطرف الثالث هو أميركي وإسرائيلي بأموالٍ خليجية، ولا علاقة للحشد الشعبي الذي لطالما كان حصنا للعراق وقارع الإرهاب وقاتل تنظيم (داعش)، بأن يتورط بقتل العراقيين، بل على العكس، فالتظاهرات فيها الكثير من أبناء الحشد الذين يطالبون بوطنٍ محترم وحياة كريمة"، وفقا لقوله.

واعتبر أن "اتهام الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الإسلامية بأنها تقمع المحتجين، ما هو إلا ترهات وكلام مسموم يهدف لزرع التفرقة بين العراقيين، بل إنه لا يستحق الرد".

وتطالب التظاهرات بحلّ الرئاسات الثلاث وإجراء انتخابات مبكرة في البلاد تحت إشراف أممي، وتشكيل محكمة عليا مختصة بقضايا الفساد منذ عام 2003 ولغاية الآن، وتعديل الدستور وسنّ قانون جديد للانتخابات.