بريطانيا: سيناريوهات ما بعد الانتخابات

26 ابريل 2015
يبدو دور "الحزب الثالث" بارزاً (أولي سكارف/فرانس برس)
+ الخط -
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في بريطانيا في السابع من مايو/أيار المقبل، تتعدّد السيناريوهات المُنتظر أن تفرزها صناديق الاقتراع، وما إذا كانت ستعود بالبلاد إلى حكم الأغلبية أم لا، أو تستمرّ موجة الحكومات الائتلافية. كما تبرز نقطة مهمة في مرحلة ما بعد الانتخابات، وتكمن في إمكانية موافقة حزب "المحافظين"، إذا فاز بأغلبية غير حاسمة، على تشكيل ائتلاف مع حزب "الاستقلال" اليميني، فضلاً عن ماهية خيارات حزب "العمال" إذا فاز بأغلبية ضئيلة.

يُرجّح ثلاثة أكاديميين، كريس هانريتي من جامعة إيست أنجليا، وبنيامين لودرديل من كلية لندن للاقتصاد، ونيك فيفيان من جامعة درم، أن تفرز الانتخابات "برلماناً معلقاً"، بأغلبية غير حاسمة، لـ "العمال" أو "المحافظين". وتشير التوقعات إلى احتمال فوز "المحافظين" بنسبة 33.8 في المائة من الأصوات، وحصول "العمال" على 31.9 في المائة من الأصوات. وفي هذه الحالة، من المرجح أن يضطر كل من الحزبين إلى تشكيل حكومة ائتلاف، مع أي من الكتل البرلمانية الأخرى.

ويمنح النظام السياسي البريطاني، حين يُنتخب "برلمان معلق"، الأولوية لتشكيل الحكومة إلى الحزب الفائز، وإذا تعذّر عليه تشكيل حكومة ائتلافية، يُمكنه عندها تشكيل حكومة "أقلية" مدعومة من كتل أخرى. وإذا قرر الحزب الفائز الاستقالة، يُعهد إلى الكتلة البرلمانية التي تحلّ في المرتبة الثانية في الانتخابات، تشكيل "حكومة أقلية" أو "حكومة ائتلاف"، وإذا فشلت في ذلك، يبقى الخيار الأخير في حلّ البرلمان، وتنظيم انتخابات عامة جديدة.

ولا تبدو استطلاعات الرأي الأخيرة، بعيدة عن التوقعات، وتشير إلى إمكانية حصول "المحافظين" على 33 في المائة من مقاعد مجلس العموم الـ650، في مقابل 34 في المائة لـ "العمال". بالتالي فإن على الفائز تشكيل "حكومة ائتلافية" مع الحزب الثالث في البرلمان، خصوصاً أن الرأي العام البريطاني بات أكثر ميلاً لفكرة "حكومة ائتلاف".

اقرأ أيضاً: ضعف مشاركة وتمثيل الأقليات في الانتخابات البريطانية 

وفي ظلّ الغموض الانتخابي، تبرز سيناريوهات عدة، ومنها أن تفضي نتائج التصويت عن "برلمان معلّق"، يحصل فيه "المحافظين" على العدد الأكبر من الأصوات، من دون الحصول على غالبية الـ51 في المائة من مقاعد مجلس العموم، وهي النسبة المطلوبة للحصول على الأغلبية المطلقة، وبالتالي تكليف الحزب بتشكيل الحكومة.

ويعني هذا أن على "المحافظين" اختيار شريك آخر لتشكيل ائتلاف حكومي. في هذا السيناريو يتوقع أن تكون استراتيجية "المحافظين" المفضّلة عبر اختيار الحزب الأقرب لسياساته. بالتالي لن يُشكّل المحافظين ائتلافاً مع "العمال"، لأن الحزبين على خصومة سياسية لا تسمح لهما بالتعايش في حكومة ائتلافية تمنح أياً منهما الحكم بشكل فعال. أما الخيارات الأخرى المتاحة، فتكمن في تحالف "المحافظين" مع حزب جديد، كالحزب "الوطني الاسكتلندي"، أو حزب "الخضر"، أو الحزب "الديمقراطي الليبرالي"، أو حزب "الاستقلال" اليميني.

ويستبعد المراقبون أن يتحالف "المحافظين" مع "الوطني الاسكتلندي"، لا سيما بعد إعلان زعيمة الحزب نيكولا ستورجون، في مناظرة تلفزيونية، أنها "لن تتحالف مع المحافظين أبداً، بل ستسعى بكل جهدها لترى نهاية حكومة ديفيد كاميرون".

وعدا "الوطني الاسكتلندي"، لا يوجد سبب للاعتقاد بإمكانية تحالف "المحافظين" مع حزب "الخضر"، لعدم وجود أرضية مشتركة بين قيم "المحافظين" في يمين الوسط وقيم "الخضر" في أقصى اليسار. كما يبدو مستبعداً عودة "المحافظين" للتحالف مع الحزب "الديمقراطي الليبرالي"، نظراً للتراجع المتوقع للأخير، ومع ذلك لا يُمكن استبعاد هذا السيناريو بشكل مطلق، نظراً لمحدودية البدائل الأخرى المفتوحة أمام "المحافظين".
ويظلّ السيناريو الأقرب للتحقق، هو تحالف "المحافظين" مع حزب "الاستقلال"، لأن الأخير هو الأقرب أيديولوجياً لهم من أي حزب آخر، في ظلّ تشاركهما في قضايا عدة، منها الهجرة، وتوزيع الثروة، وخلق فرص العمل من خلال التخصيص، وعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. أما الملفات الخلافية بينهما، فيُمكن التوصل إلى "تسوية" حولها في إطار برنامج عمل مشترك.

ومن شأن ائتلاف "المحافظين" وحزب "الاستقلال" تحقيق المزيد من القوة للطرفين، ضمن حكومة ائتلاف ذات ميول يمينية، خصوصاً أن الحزبين تنافسا على "اليمينية" في بريطانيا، وان كان سراً بالنسبة إلى "المحافظين". والدليل أن من انشق عن "المحافظين"، انضمّ إلى "الاستقلال". ويرى البعض أن "الاستقلال" خرج أصلاً من خاصرة "المحافظين"، وهذه ملاحظة لا تُفوّت على رئيس الحكومة الحالية، المحافظ، ديفيد كاميرون.

لكن مثل هذا الائتلاف، دونه عقبات، كون "المحافظين" مترددين بعض الشيء في عقد شراكة مع "الاستقلال"، بسبب ضعف سيطرة زعيم الحزب نايجل فراج، على قيادات حزبه، التي غالباً ما تُعبّر عن آراء يمينية متطرفة، في قضايا حساسة مثل المهاجرين، وحقوق المثليين، والموقف المناهض للاتحاد الأوروبي، ما قد يؤثر سلباً على شعبية "المحافظين" مستقبلاً. ومع أن الإشارات الواضحة الصادرة عن الحزبين، تُشير إلى ميل "المحافظين" للتحالف مع "الاستقلال"، إلا أنهم "يخجلون" من الإعلان عن هذه الرغبة حالياً، حتى لا ترتد سلباً عليهم.

على الجانب الآخر من المعادلة، يبدو احتمال فوز "العمال" بالأغلبية غير الكافية لتشكيل الحكومة إلا بالتحالف مع شريك آخر، وهنا تبدو خيارات زعيمه إد ميليباند، محصورة بين "الوطني الاسكتلندي" بالدرجة الأولى، ثم حزب "الخضر".

وعلى الرغم أن ميليباند رفض عرضاً صريحاً للتحالف قدمته له ستورجون، خلال مناظرة تلفزيونية، إلا أن هذا الاحتمال غير مستبعد، بل يبدو الأقرب للتحقق، لا سيما وأن الحزبين يعملان لإخراج "المحافظين" من الحكم.

ومع أن "الخضر" يبدو الأقرب سياسياً إلى "العمال"، إلا أن التحالف معه غير مجدٍ نظراً لأنه لم يحظَ في البرلمان الماضي، إلا بنائبٍ واحدٍ، قد يخسره في هذه الانتخابات، وفي أحسن الأحوال قد يحافظ عليه وربما يحصل على مقعدين آخرين.

ومع ميل "العمال" للتحالف مع "الوطني الاسكتلندي"، الذي يحظى بشعبية عالية في اسكتلندا، إلا أن أركان "العمال" لن يجاهروا بإمكانية عقد تحالف مع حزب "انفصالي" يسعي إلى تفتيت الاتحاد البريطاني وتحقيق"استقلال" اسكتلندا.

اقرأ أيضاً: أحزاب بريطانيا تسعى إلى تقليص أعداد المهاجرين

المساهمون