إسرائيل وهاجس حزب الله: هل يفتح حرباً لاستعادة شرعيته؟

03 سبتمبر 2016
إسرائيل تدرج حزب الله باعتباره "التهديد" الأساسي (الأناضول)
+ الخط -
اعتبرت غالبية التقديرات الإسرائيلية المتعلقة بالمواجهة المحتملة مع حزب الله في جنوب لبنان، على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، أن انشغال الحزب وتورطه في الأزمة السورية إلى جانب نظام بشار الأسد، تشكل عامل ردع له من إطلاق مغامرة عسكرية شاملة مع "إسرائيل".
واستندت هذه التقديرات الصادرة عن معاهد مختلفة، وعن شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" وقادة جيش الاحتلال، إلى أن حزب الله الذي فقد (وفقاً لهذه التقديرات) ما لا يقل عن 1500 من عناصره، لن يخاطر بشن حرب على جبهتين، لا سيما أنه بات يدرك حجم الدمار والخسائر التي قد تسببها مثل هذه المواجهة مع إسرائيل.

وعلى الرغم من ذلك، ظلت تقديرات كافة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدرج حزب الله باعتباره "التهديد" الأساسي (ليس وجودياً) لإسرائيل من الجبهة الشمالية، بعدما زال خطر الجيوش النظامية. وتتعامل الأجهزة مع هذا "التهديد" بكل جدية، بفعل الخبرات التي اكتسبها الحزب خلال مشاركته في القتال في سورية، تحت إرشادات قوات عسكرية نظامية، سواء تلك الإيرانية، أو القوات الروسية.

ويشير المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن دراسات جديدة تعيد النظر في نظرية "التفاؤل" حيال قدرات الردع لدى إسرائيل. وينقل عن هذه الدراسات الأمنية أن الأمر كان يتعلق بخطأ في التقديرات الإسرائيلية، وتحديداً التقدير المفرط بالتفاؤل الذي أبداه رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق، دان حالوتس، في ديسمبر/كانون الأول 2005 بشأن متانة وقوة الردع الإسرائيلية.

ويشكك هرئيل اليوم من جديد بمتانة تقديرات الأجهزة التي تعظّم من قوة الردع الإسرائيلية من جهة، وتطمئن إلى أن حزب الله لن يغامر بمواجهة جديدة. ويتساءل في تحليل نشره يوم الجمعة في "هآرتس": هل هناك احتمال بأن تكرر إسرائيل الخطأ من جديد في تقديراتها عند تحليلها وقراءتها لصورة الواقع في الجبهة الشمالية؟ ويضيف أن "الاعتقاد السائد في غالبية أوساط الاستخبارات الإسرائيلية يفيد بأن هناك احتمالاً كبيراً ومعقولاً للغاية بأن يستمر الهدوء على الحدود مع لبنان. لا داعي إذن للقلق طالما أن حزب الله غارق في معارك إنقاذ نظام الأسد، وطالما أن عرابيه في إيران يفضلون أن يركز جهوده في سورية"، على حد وصفه.


وفي ما يتعلق بمتانة الردع الإسرائيلي، يقر هرئيل بوجود مواقف وتقديرات مختلفة. ويشير إلى أن هناك ميلاً للافتراض بأن حزب الله يخشى من دورة قتال إضافية مع إسرائيل، وكذلك بفعل الأضرار التي حصدها عام 2006، ولأن التنظيم يدرك حجم التحسين الذي طرأ على القدرات القتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك الوقت.

لكن هرئيل يستدرك بأن "تعريف مفهوم الردع هو تعريف زئبقي، لا يمكن تحديده إلا بأثر رجعي، بعد وقوع المواجهة وليس قبلها". والسبب يتمثل في أن ما تحقق من تكريس لردع معين يمكن أن ينتهي في كل لحظة، وهذا يفرض على القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل أن تفحص مجدداً فرضياتها الأساسية في الجبهة الشمالية، وفق الكاتب. ومع إقراره بأن القتال في سورية يتصدر اليوم أولويات حزب الله، ويتكبد بسببه خسائر باهظة في الأرواح، إلا أن استمرار الهدوء السائد على الجبهة الشمالية يخلق لحزب الله مشكلة. لأن من شأن هدوء كهذا أن يشكك ويطعن في صحة سريان المبرر الرئيسي للحزب بمواصلة حمل السلاح، بعد عملية حل المليشيات الأخرى في لبنان وتسليم أسلحتها (بعد انتهاء الحرب الأهلية 1975-1990)، وهو ما يتمثل بالدفاع عن لبنان من الخطر الإسرائيلي.

ويمضي هرئيل في هذا التوجه للوصول إلى القول: "لذلك من الصعب أن نلغي كلياً إمكانية خروج حزب الله عن سياسته الحالية نتيجة لإحدى وضعين اثنين: الأول هو تورطه في ضائقة سياسية داخلية في لبنان، والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو وقوع سلسلة من العمليات المرتكزة على خطأ في الحسابات والتقديرات المتبادلة بينه وبين إسرائيل". ويتابع مراسل "هآرتس" أن مثل هذا الأمر كاد أن يحصل في يناير/كانون الثاني 2015، بعدما تم اغتيال نجل عماد مغنية وجنرال إيراني في هضبة الجولان. ورد حزب الله بعد الحادثة بعشرة أيام، بإطلاق صاروخ أدى إلى مقتل ضابط وجندي من لواء جفعاتي في مزارع شبعا. وفي تلك الظروف كان يمكن لمثل هذا الكمين أن ينتهي بمقتل 10 إلى 12 جندياً إسرائيلياً، وبالتالي كان للضغط السياسي الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو أن يقود إلى رد عسكري قوي.

ويشير هرئيل إلى أن الاتفاق النووي مع إيران أعطى إسرائيل "مهلة" وحررها من المواجهة المباشرة والفورية مع طهران. وهو ما أتاح لها، في ظل محدودية الخطر الذي يشكلانه كل من حركة حماس وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فرصة لتنسيق التوقعات ووضع الخطط في كل ما يتعلق بشكل المعركة التي يمكن أن تندلع مستقبلاً مع حزب الله، وفق الكاتب الذي اعتبر أن الأجهزة الأمنية تواجه الأسئلة التالية: ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه منها؟ وهل ستكتفي بضربات جوية؟ هل ستضرب هذه المرة البنى التحتية الاستراتيجية للبنان (التي امتنع أولمرت خلال حرب 2006 على لبنان عن ضربها بفعل ضغوط الإدارة الأميركية)؟ وهل سيتم إرسال قوات برية وإلى أي عمق داخل لبنان؟ وبأي ثمن؟ هذه تساؤلات ينبغي الرد عليها والاستعداد لها منذ الآن مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال اندلاع مواجهة عسكرية حتى لو لم يرغب الطرفان بذلك، بحسب المراسل العسكري في صحيفة "هآرتس".

ويستند هرئيل في هذه النقطة إلى دراسة للباحث الإسرائيلي في معهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط، نداف بولك، نشرها الشهر الماضي، حول تورط حزب الله في سورية، واعتمد في كتابتها على مقابلات كثيرة مع خبراء ورجال استخبارات من إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان. وبحسب الكاتب خرج بولك باستنتاجات أقل تفاؤلاً من التقديرات الإسرائيلية التي عددت بالتفصيل الثمن الذي دفعه حزب الله، مقابل المكاسب التي قال الباحث إن الحزب حققها بدوره من هذه المواجهة.

وبحسب بولك فقد تطور حزب الله على مدار السنوات الأخيرة، من تنظيم يجيد حرب العصابات إلى تنظيم عسكري شبه نظامي، وبات اليوم لاعبا إقليميا مهما وشريك لا يستغنى عنه في الحلف السوري-الإيراني. وهو يعتقد أن الحزب جاهز لمواصلة القتال في سورية، مضيفاً أنه على الرغم من أن قوته استنزفت فيها لكن "لم يتم تركيعه بعد". ويقول بولك إن التقديرات الإسرائيلية المتفائلة لجهة التقليل من قوة حزب الله تعيد إلى الأذهان فرضيات إسرائيلية مشابهة طرحت قبل حرب 2006، والتي ثبت فيها أن الحزب قادر على الصمود. وتخلص الدراسة إلى الاستنتاج أن من الواضح أن حزب الله لا يريد الآن حرباً مع تل أبيب، لكن هذا لا يعني أنه لا يستطيع الصمود في حرب على جبهتين وفي نفس الوقت.
المساهمون