تحريك الجبهات السورية: الفصائل تفاجئ النظام وتتقدّم في ريف حماة

12 يوليو 2019
عناصر من الفصائل في قرية الحماميات(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
نجحت فصائل سورية في كسر المعادلة القائمة في ريف حماة ومحيطه منذ نحو شهر، عبر هجوم، ليل الأربعاء، استطاعت خلاله السيطرة على قرية الحماميات وتلها الاستراتيجي، مفاجئةً قوات النظام التي حاولت استعادة المنطقة بهجوم معاكس، لم تنجح في تحقيق أي نتائج فيه، بل تكبّدت خسائر كبيرة. وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 71 عنصراً من الجانبين، 41 عنصراً من قوات النظام و30 مقاتلاً من الفصائل، في اشتباكات اندلعت ليلاً. ولا يبدو أن التطورات العسكرية في شمال غربي سورية ستقتصر على هذا التطور، بل إن المعطيات توحي بأن جولات أخرى من القتال قد تكون مقبلة، وسط أنباء عن قيام النظام ومليشيات موالية له بحشد قواتها في المنطقة، فيما لا يبدو أن الخلافات بين تركيا وروسيا حول الملف السوري قد حُلت.

وسيطرت الفصائل العسكرية المنضوية ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، مساء الأربعاء، على قرية الحماميات وتلها الاستراتيجي، شمال غرب مدينة حماة، بعد اشتباكات مع قوات النظام والمليشيات المساندة لها، أوقعت عشرات القتلى والجرحى. وتضم غرفة عمليات "الفتح المبين" "الجبهة الوطنية للتحرير" و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) و"جيش العزة" و"أنصار التوحيد".
وأوضح المتحدث العسكري باسم "هيئة تحرير الشام"، أبو خالد الشامي، لـ"فرانس برس"، أن الهجوم بدأ مساء الأربعاء "على مواقع النظام" في الحماميات، قبل التمكّن من السيطرة على القرية وتلها الاستراتيجي. ويُعدّ هذا التل، وفق المتحدث باسم فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، ناجي مصطفى، "استراتيجياً جداً، لأنه يشرف على طرق إمداد" قوات النظام.

وحاولت قوات النظام التي فوجئت، كما يبدو، بالهجوم عليها في الحماميات، شنّ هجوم معاكس لاستعادة القرية، لكنها مُنيت بخسائر جديدة، من دون أن تحقق نتائج. وقالت الفصائل العسكرية المهاجمة، إنها صدّت الهجوم على القرية وتلها الاستراتيجي ودمرت دبابة جديدة لقوات النظام، مؤكدة أنها تُعدّ لهجوم جديد على أهداف ومواقع أخرى لقوات النظام شمال حماة. بالتزامن مع هذه المعارك، كثّفت طائرات النظام الحربية، والطائرات الروسية، قصفها على قرية الحماميات ومناطق أخرى في ريف حماة الغربي والشمالي. وقالت مصادر محلية إن طائرات حربية روسية قصفت قرية الحماميات بشكل متكرر، إضافة إلى مدن وبلدات اللطامنة وكفرزيتا ومورك شمالي حماة، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 7 آخرين في اللطامنة.

وتتيح سيطرة الفصائل على البلدة وتلها، رصد مناطق استراتيجية خاضعة للنظام في ريف حماة الشمالي الغربي، ورصد التحركات في كل من بلدات الشيخ حديد وكرناز والمغير. وتعتبر كرناز أكبر المناطق القريبة من مدينة السقيلبية، الخاضعة للنظام، وهي بمثابة الخط الدفاعي المهم لمنطقة محردة وريفها، وتحيط بها ثلاث قواعد عسكرية لقوات النظام هي المغير والحماميات وبريديج، إلى جانب حاجز قرية الصخر.
وتحتل هذه المنطقة أهمية استراتيجية، باعتبارها صلة الوصل بين الريف الشمالي لحماة ومنطقة سهل الغاب في الريف الغربي، فضلاً عن كونها منطلقاً للقصف المستمر باتجاه المناطق الخاضعة للمعارضة، ولا سيما اللطامنة وكفرزيتا.

ويُعتبر هذا التطور الأبرز من نوعه منذ أكثر من شهر في المنطقة، بعدما كانت الفصائل قد سيطرت، خلال هجوم معاكس في 6 يونيو/حزيران الماضي، على ثلاثة مواقع استراتيجية في عمق مناطق النظام، وهي: الجبين، وتل ملح، ومدرسة الضهرة، بعد أن قررت الفصائل تغيير أسلوبها العسكري، وفتح معركة على محور جديد لقوات النظام بدلاً من مواجهته بشكلٍ مباشر في كفرنبودة أو سهل الغاب، الأمر الذي أربك خطط النظام وروسيا.


وتستقر الخارطة العسكرية اليوم في ريف حماة على سيطرة قوات النظام في الريف الغربي على قرى الحويز والشريعة وباب الطاقة، مع وجود اشتباكات متقطعة هناك، خصوصاً على جبهات المشاريع والحويز. أما في الريف الشمالي، فإن قوات النظام تسيطر على الكركات والقصابية والحميرات، في حين تسيطر الفصائل على حرش القصابية وحرش الكركات باتجاه الشمال. كما تمكّنت قوات النظام من الاحتفاظ ببلدة كفرنبودة، إثر تبادل السيطرة عليها مع الفصائل التي تسيطر بدورها على الصخر والهبيط، على الرغم من محاولات النظام المتكررة للتقدّم نحوهما.

وكانت معارك ريف حماة الشمالي بدأت عملياً مطلع شهر مايو/أيار الماضي مع سيطرة قوات النظام، في الثامن منه، على بلدة كفرنبودة، وفي اليوم التالي على بلدة قلعة المضيق والكركات وتل هواش في ريف حماة الغربي. وفي مطلع شهر يونيو الماضي، سيطرت هذه القوات على قرية القصابية في ريف إدلب الجنوبي، الأمر الذي دفع الفصائل إلى إعلان النفير العام، وشنّ هجوم معاكس، في 6 يونيو، سيطرت خلاله على الجبين، وتل ملح، ومدرسة الضهرة، وهو ما دفع قوات النظام إلى وقف هجومها، ومراجعة استراتيجيتها العسكرية بغية الحؤول دون تمكّن الفصائل من تحقيق مزيد من التقدم في عمق مناطق النظام وحاضنته الشعبية في ريف حماة الغربي، بعد أن نقلت الفصائل المعارك إلى أراضي حاضنة النظام، وليس ضمن المناطق التي سيطرت عليها أخيراً قوات النظام مثل كفرنبودة والتي تعتبر مناطق محسوبة على المعارضة، وقد تعرضت لتدمير شبه كامل نتيجة المعارك العنيفة فيها.

ويمكن قراءة هجوم الفصائل الأخير في الحماميات، كمظهر من الصراع بين روسيا التي تسعى إلى تحقيق تقدّم على الجبهات بأي ثمن، وتركيا التي تعمل على منع ذلك من خلال ما تقدمه من دعم للفصائل، وهو أمر مرتبط بتطورات مفاوضات أستانة واللجنة الدستورية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل الاستراتيجي العميد أحمد رحال، إن "كل الملفات مرتبطة ببعضها البعض، وهناك محاولات لاستخدام الأوراق المتاحة"، مشيراً إلى أن هجوم ريف اللاذقية قبل يومين كان "ورقة بيد الفصائل للقول إنها قادرة على فتح جبهات والتأثير في مواقع أخرى، وما يحدث اليوم في الحماميات هو ضمن حالة الاستنزاف التي تحاول روسيا الهروب منها، بعد أن أخلّت بالتزاماتها في سوتشي وأستانة".

واعتبر رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن روسيا "في ورطة كبيرة اليوم، بعد أن أخلّت بتعهداتها مع تركيا التي أدارت الأزمة بحرفية عالية من خلال عدم إعلان العداء لروسيا، لكن مع دعم الفصائل". وأكد أن "الضربات التي يتلقاها النظام على جبهات القتال، تشير إلى أن لدى الفصائل أوراقا أخرى قادرة على توظيفها في المعركة". وأضاف أن هذه التطورات "مرتبطة بشكل أو بآخر بالتحركات السياسية المتداخلة مع بعضها البعض، إذ تشهد الأيام الأخيرة تكثيفاً لأوراق الضغط بهدف استخدامها على طاولة المفاوضات"، معرباً عن اعتقاده بأن "زمام المبادرة اليوم بيد فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، بينما روسيا تحاول الخروج بحفظ ماء الوجه، فيما تنذر الأيام المقبلة بمفاجآت أخرى".

من جهته، رأى فاتح حسون، قائد "حركة تحرير الوطن" والعضو السابق في الوفد المفاوض في أستانة، أن "ربط المعارك العسكرية بالتحركات السياسية غالباً يكون قوياً في حال الصراع بين الدول، لكن في حالة المعارك التي تحدث في الشمال السوري لا يظهر هذا الربط، لأنها معارك دفاع بين قوتين غير متكافئتين في القوى والوسائط، فمنذ انقلاب نظام الأسد ميدانياً ومن ورائه روسيا على اتفاق سوتشي حول إدلب واتفاقية خفض التصعيد، تدور هذه المعارك بين كر وفر، وتُستخدم فيها التكتيكات العسكرية المختلفة، وتُفتح معارك جانبية وأخرى محورية لمساندتها".

وفي تفسيره لتحرك الفصائل الأخير، قال حسون، وهو من ضباط الجيش الحر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "بعد الاستطلاع الدقيق والمتنّوع، تبيّن وجود ضعف لدى قوات النظام ومن يساندها في جبهة الحماميات، فكان الهجوم المباغت والذي نجح في تحقيق أهدافه"، مضيفاً أن هذا الهجوم "لا يرتبط بحالة أو حراك خارجي سياسي، بل يرتبط بهدف لا يمكن التنازل عنه، وهو حماية المدنيين من إجرام نظام الأسد وداعميه؛ إيران وروسيا". وأكد أن هذه "المعارك والكمائن لن تتوقف حتى يذعن النظام للمطالب المرحلية لقوى الثورة والمعارضة السورية، بأن تعود قواته إلى حدود منطقة خفض التصعيد "إدلب الكبرى" المتفق عليها في أستانة، من دون أن تغفل هذه القوى مطالبها الاستراتيجية التي لا تتحقق إلا بإسقاط النظام".

من جهة أخرى، يشير مراقبون وخبراء عسكريون إلى أن هجوم الفصائل الأخير، سواء في ريف حماة أم في ريف اللاذقية الشمالي، ربما استهدف إحباط وإرباك هجمات جديدة كان النظام يخطط للقيام بها، إذ أشارت معلومات إلى أن هناك حشوداً قادمة من الحرس الجمهوري والفرقة 14 ومن بعض الألوية في دمشق كاللواء 121 واللواء 91، لتعزيز الجبهات، والتحضير لعمل عسكري جديد من قبل الروس والنظام في الشمال السوري.