تزايد الهجمات في دول الساحل: هشاشة أمنية وضعف في التدابير

19 مايو 2019
الهجمات الإرهابية تفاقمت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة(فرانس برس)
+ الخط -


تصاعدت وتيرة العنف في دول الساحل الأفريقي، وخصوصاً في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، بعد فترة من الحراك الإقليمي والدولي لتأمين الأموال من أجل مواجهة خطر الإرهاب والتطرف في المنطقة، التي تصاعد العنف وعمليات الخطف فيها، بسبب تزايد انتشار الجماعات المسلحة، مستفيدة من هشاشة الوضع الأمني، وضعف التدابير المتخذة من طرف بعض بلدان المنطقة لمواجهة شبح الإرهاب الذي يترصدها.

ورأى مراقبون أن قوة "مجموعة الساحل 5"، التي تم إعلانها في قمة باماكو في 2017، لا تزال تعاني من ضعف شديد في الموارد والوسائل. وحتى إن تجاوزت تلك المعاناة، فإنه لا يتوقع أن تضيف ما عجزت عنه قوة "بارخان" الفرنسية، والقوات الأممية الموجودة في شمال مالي. واعتبر تقرير، تم إعداده لمؤتمر ميونخ الأمني السنوي، الذي عقد في فبراير/ شباط الماضي، أن تصاعد الهجمات العنيفة، المرتبطة بالجماعات المتشددة في دول "مجموعة الساحل 5"، التي تضم بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر وتشاد، يعكس حجم القدرات المتزايدة لهذه الجماعات وقدرتها على التواصل. وأشار التقرير إلى أن ثلاثة أرباع المعارك التي وقعت مع قوات الأمن في عدة دول في منطقة الساحل الأفريقي خلال 2018، بادرت بها هذه الجماعات.

وكشف تقرير للأمم المتحدة صدر أخيراً، أن التدهور الأمني والاقتصادي في منطقة الساحل الأفريقي وصل إلى مستوى غير مسبوق، مشيراً إلى أن الهجمات الإرهابية في النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، تفاقمت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، إذ تم تسجيل أكثر من 100 هجوم خلال الشهر الماضي، أدت إلى مقتل أكثر من 300 شخص. وتؤكد الأمم المتحدة أن معدلات النزوح الداخلي ارتفعت خمسة أضعاف خلال عام واحد، إذ تشرّد أكثر من 330 ألف شخص، كما فرّ 100 ألف شخص إلى البلدان المجاورة.

وقال الصحافي الموريتاني المتابع للشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك، إن منطقة الساحل تواجه منذ بداية عام 2019، تزايداً في هجمات الجماعات المسلحة، وخصوصاً في مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، مشيراً إلى أن منطقة الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كانت من أبرز المواقع التي استهدفتها الجماعات المسلحة. وأكد ولد السالك في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب ارتفاع وتيرة العنف في منطقة الساحل تعود إلى ضعف التدابير المتخذة من طرف هذه البلدان، لمواجهة خطر الجماعات المسلحة على المستوى العسكري، وعلى المستوى الاقتصادي والتنموي أيضاً، لأن المناطق الفقيرة تمثل أرضية خصبة لانتشار الجماعات المسلحة". ورأى أن "مواجهة تمدد الجماعات المسلحة يجب أن تتم على صعيدين، عسكري وتنموي"، مشيراً إلى أنهما "المحوران اللذان تقوم عليهما استراتيجية مجموعة دول الساحل الخمس، التي أُسست في موريتانيا في عام 2014".


وأوضح ولد السالك أنه "على المستوى العسكري، تم تشكيل قوة مجموعة الساحل المشتركة، خلال قمة في العاصمة المالية باماكو عام 2017، وتتكون من 5 آلاف جندي بمعدل 1000 جندي من كل بلد، لكن هذه القوة تكاد تكون ولدت ميتة، أو لنقل ولدت وهي تعاني. كما أنه ليس بمقدور البلدان المُشكلة لهذه القوة تمويلها، والتعهدات التي التزم المانحون الدوليون بها لا تزال مجرد حبر على ورق". وتابع: "ما لم تجد هذه القوة الموارد لتمويلها، سيكون أداؤها ضعيفاً ومحدود التأثير. ثم إن هناك إشكالية، إذ إنه وحتى إن وجدت الموارد والإمكانيات، فالسؤال هو ما الذي يمكن أن تقوم به هذه القوة وقد عجزت عنه القوات الأممية والفرنسية؟ كما أن المحور الآخر، وهو لا يقل أهمية عن العسكري في مواجهة الجماعات المسلحة، أي التنموي، يجب أن يتم من خلال تنمية المناطق المستهدفة من قبل هذه الجماعات".

وكانت العاصمة الموريتانية نواكشوط، احتضنت قبل أشهر قمة لتعبئة الموارد المالية لتنمية مشاريع "مجموعة الساحل 5". وقد تعهد المانحون بتقديم أكثر من ملياري يورو، لكن هذه التعهدات بقيت حبراً على ورق. وأشار الصحافي فتاح ولد محمد المختار إلى أن تعزيز "الوضع الأمني في دول الساحل، والغرب الأفريقي بشكل عام، مرهون باقتناع المجتمع الدولي، ومستوى استعداده، لأنه الوحيد القادر على توفير التمويل. وما لم يقتنع المجتمع الدولي بضرورة تعزيز الوضع الأمني والتنموي في هذه البلدان، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه، بل إن المجموعات المسلحة ستتزايد، لأن الأرضية تساعدها على ذلك". وأضاف ولد محمد المختار لـ"العربي الجديد"، أن "استعداد المجتمع الدولي، واقتناعه بتعزيز الأوضاع الأمنية والتنموية في دول الساحل، مرهون بمصالحه"، معتبراً أنه "إذا لم يدرك أن مصالحه ستتضرر، فلن يأخذ المسألة على محمل الجد". وأشار إلى أن "المتابع للوضع الأمني في منطقة الساحل والغرب الأفريقي سيلحظ اهتمام الجماعات المسلحة بدول جديدة لم تكن محلّ استهداف من قبلها، لكنها مجاورة لبلدان مستهدفة من طرف هذه الجماعات. يتعلق الأمر مثلاً بجمهورية بنين، التي تم فيها أخيراً اختطاف سائحين فرنسيين قرب الحدود مع بوركينا فاسو، وتوغو أيضاً المحاذية لبوركينا فاسو من الشرق، التي أعلنت السلطات فيها أخيراً تفكيك خلايا إرهابية". وقال: "هذا يشي بتمدد وانتشار الجماعات المسلحة في مناطق الساحل وغرب أفريقيا، وقد تشمل قائمة الاستهداف لاحقاً بلداناً أخرى في المنطقة، ما لم يوضع حد لها".