التظاهرات العراقية: المرجعية والمنتفضون يردّون على خامنئي

01 نوفمبر 2019
تتزايد أعداد المتظاهرين بشكل لافت (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
مع دخول التظاهرات العراقية شهرها الثاني منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا أن كل وعود وقرارات السلطة حتى اليوم لم تُرضِ المتظاهرين، الذين ازدادت أعدادهم في الشوارع، أمس الجمعة، مع توسع خارطة المحافظات المشاركة في الحراك، بالتوازي مع رفض التدخّلات الخارجية، ولا سيما من إيران وتحديداً من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان قد وصف التظاهرات بالشغب، ليأتيه الرد أمس من جهتين، المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني الذي رفض تدخل "أي جهة دولية أو إقليمية بإرادة العراقيين في طلب الإصلاح"، والشارع مع إحراق صور خامنئي وزعيم "فيلق القدس" قاسم سليماني في بعض التظاهرات، وترديد شعارات مناوئة للتدخّل الخارجي.
في المقابل، لا يبدو أن أمام السلطة العراقية المزيد لتقدّمه للشارع، وسط توقّعات بأن استمرار التظاهرات وفي حال سقوط ضحايا إضافيين، قد يدفع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي لإعلان استقالته في خطوة ارتجالية من دون العودة لشركائه أو البرلمان.

وأنهت التظاهرات العراقية شهرها الأول على رقعة أوسع وبمشاركة أكبر من مختلف العراقيين، فيما بلغت حصيلة الضحايا، حتى عصر أمس الجمعة، 250 قتيلاً ونحو 11 ألف مصاب عدا عن 2500 معتقل، بحسب لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، منذ الأول من أكتوبر ولغاية أمس، لكن مصادر طبية تحدثت عن حالتي وفاة جديدتين لمتظاهرين في بغداد وذي قار متأثرين بجروح أصيبا بها في الأيام الماضية.

التظاهرات التي رفعت في بدايتها شعارات مطلبية وخدمية، من قبيل الوظائف والخدمات وتوفير السكن والتعليم والخدمات الصحية، سرعان ما تطورت إلى أن تكون أكثر شمولاً وبشكل غير مسبوق، بالدعوة إلى إسقاط نظام المحاصصة الطائفية والحزبية وإنهاء النفوذ الأجنبي، والمقصود به إيران بطبيعة الحال، وتعديل الدستور الذي رسّخ حالة الانقسام الطائفي الحالية في العراق وتشكيل محكمة عليا لملفات الفساد، عدا عن انتخابات مبكرة وحل الحكومة والبرلمان. وبدا أن هذه التظاهرات التي أعادت، بحسب مراقبين، الهوية الوطنية العراقية العابرة للطوائف والمكونات لأول مرة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، أجبرت الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد على المضي قدماً في عرض حزم إصلاحات وقوانين جديدة ووعود مختلفة، لكنها لم ترتقِ لمطالب الشارع الذي لا يثق كثيراً بالوعود التي تصدر من المنطقة الخضراء.

وحتى الآن أطلقت الحكومة العراقية ثلاث حزم "إصلاحية" ووعود وقرارات مختلفة، بلغت في مجملها 71 قراراً مختلفاً، عدا عن 12 قراراً أصدرها البرلمان، وخمسة قرارات لمجلس القضاء الأعلى وثلاثة لرئاسة الجمهورية تضمّنت وظائف ومنحاً مالية وتوزيع قطع أرض سكنية وتقديم متورطين بالفساد، وإلغاء امتيازات كبار المسؤولين وتخفيض مرتباتهم، وأخيراً وعود بتعديل الدستور وكذلك مفوضية جديدة للانتخابات ومحكمة عليا لفتح كل ملفات الفساد في العراق، إلا أن أياً من تلك الوعود والقرارات لم تنجح في حسر التظاهرات ولو بالحد الأدنى.

ولم يظهر، حتى مساء أمس، أي تجاوب من قبل المتظاهرين مع خطاب الرئيس العراقي برهم صالح، فوعوده، الخميس، باستقالة رئيس الحكومة بعد توفر البديل وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة وسنّ قانون جديد للانتخابات، جوبهت بردود غاضبة من قبل المتظاهرين الذين استعاروا الشعار اللبناني الأشهر في التظاهرات لكن باللهجة العراقية وهو "كلهم يعني كلهم"، في إشارة إلى أن المشكلة ليست برئيس الوزراء بل بكل الطبقة الحاكمة وأحزابها.

وشهدت تظاهرات الأمس تضاعفاً ملحوظاً في أعداد المتظاهرين التي وصلت في بغداد إلى عشرات الآلاف في ساحة التحرير وحدها، عدا الساحات الأخرى، كالطيران والنسور والمرابطين، على جسري الجمهورية والسنك على نهر دجلة.
وفي بغداد وذي قار وميسان، جنوبي العراق، جرى إحراق صور لخامنئي وسليماني، وترديد شعارات مناوئة للتدخّل الخارجي، اعتُبرت رداً على تصريحات خامنئي التي وصف فيها التظاهرات العراقية بالشغب وطالب الحكومة بإنهائها. كما شهدت مدن البصرة وبابل والنجف وواسط والقادسية والمثنى ومدن أخرى في جنوب ووسط البلاد، تظاهرات واسعة حملت هذه المرة شعارات تغازل القوى الأمنية وتؤكد سلمية التظاهرات، وأخرى هجومية على إيران وأحزاب وشخصيات عراقية مختلفة، وسط حضور لافت للعنصر النسوي بشكل غير مسبوق في جنوب العراق وبغداد.

المرجع الديني الأعلى في النجف، علي السيستاني، أشار بدوره في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله في كربلاء أحمد الصافي، إلى أنه "لا يحق لأي جهة دولية أو إقليمية أن تتدخل بإرادة العراقيين في طلب الإصلاح"، وذلك في ما بدا كرد مباشر على كلام خامنئي.
وقال أحمد الصافي، وهو ممثل المرجعية في كربلاء، إن "اصطدامات جديدة مؤلمة ومؤسفة بين الأحبة المتظاهرين والمعتصمين وبين رجال الأمن وغيرهم، أسفرت عن سفك مزيدٍ من الدماء البريئة وتعرض أعداد كبيرة من الجانبين لإصابات مختلفة، وتزامن ذلك مع الاعتداء بالحرق والنهب على العديد من الممتلكات العامة والخاصة". ولفت إلى أن "المرجعية الدينية تجدد التأكيد على موقفها المعروف بإدانة التعرض للمتظاهرين السلميين وكل أنواع العنف غير المبرر، وضرورة محاسبة القائمين بذلك، وتشدّد على الجهات المعنية بعدم الزجّ بالقوات القتالية بأيّ من عناوينها في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية، خشية الانجرار إلى مزيد من العنف"، فيما دعت إلى "احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم من خلال إجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق". وختم بالقول "ليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجّه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم".


وتعليقاً على ذلك، قال الخبير والباحث الإسلامي في النجف، علي الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن خطبة السيستاني كانت رداً على خامنئي، "الذي أوصى بقمع الشغب الذي يقصد به المتظاهرين"، مضيفاً "المرجع السيستاني غاضب من سيل الدم اليومي للمتظاهرين على يد القوات الأمنية، وفي الوقت نفسه يقدّر أسباب خروج المحتجين، والخطبة الأخيرة تمثل دعماً لا محدوداً وتأييداً للتظاهرات، كما هي رد على مسألة زج الحشد الشعبي على خط مواجهة التظاهرات"، معتبراً أن "المراجع الدينية الأخرى في النجف، مثل محمد سعيد الحكيم وإسحاق الفياض وبشير النجفي، يشاركون السيستاني في موقفه الحالي".

مقابل ذلك، تبدو السلطة في أزمة. ورداً على سؤال عن الخطوة المتوقعة من السلطة بعد فشل خطاب صالح في تخفيف التظاهرات أو فتح نافذة للتهدئة، قال مسؤول عراقي رفيع في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنه "لم يبقَ شيء لم يتم تقديمه للشارع في هذا الشهر". وأضاف "مساء الخميس طلبت أطراف عدة من (زعيم التيار الصدري) مقتدى الصدر التدخّل لوضع هدنة أو منح الحكومة فرصة إثبات صدق نواياها، لكنه رفض حتى التعاطي مع الطلب، واعتبر نفسه ليس وصياً على الشارع إنما مواطناً مثله مثل الآخرين، والجميع يعلم أن ذلك غير صحيح"، مشيراً إلى أن "استمرار التظاهرات وفي حال تجدد سقوط ضحايا قد يدفع رئيس الحكومة لإعلان استقالته في خطوة ارتجالية من دون العودة لشركائه أو البرلمان ورئيس الجمهورية، وهو السيناريو الأقرب للحصول اليوم، إذا استبعدنا مقدرة البرلمان عبر الكتل المعارضة لعبد المهدي على إقالته بالتصويت عليه هذا الأسبوع".
وكشف المسؤول عن "مساعٍ لعقد اجتماع جديد عند الساعة الواحدة من ظهر اليوم، بين الرئاسات الثلاث لبحث الأزمة، خصوصاً بعد موقف المرجعية الأخير الذي اعتُبر سقوطاً لآخر الآمال بإصدار إشارة للمتظاهرين لمنح الحكومة فرصة، وهو ما لم يحصل ولا أحد يعتقد أنه سيحصل".

على صعيد البرلمان، لا تزال كتلة "سائرون" التابعة لمقتدى الصدر تمثّل حالة المعارضة التي أفرزتها "تظاهرات أكتوبر"، وهي في صدد استجواب عبد المهدي بشأن تطورات المشهد البرلماني. قال عضو "سائرون" رعد المكصوصي، لـ"العربي الجديد"، إن "عدداً من الكتل السياسية عازمة على استجواب عبد المهدي في مجلس النواب، من أجل الوقوف على الخروقات التي وقعت خلال الشهر الماضي، ومحاسبة المتورطين بقتل المتظاهرين، إضافة إلى فتح ملفات أخرى معه تتعلق بمطالب المتظاهرين".

وعن تعهدات صالح، التي أطلقها الخميس، اعتبر عضو مجلس النواب يوسف الكلابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "خطاب صالح لم يكن موفقاً ليتناسب مع أزمة المرحلة، وأن كل مسؤولي البلاد يدافعون عن مناصبهم، وهذا ما يراقبه الشعب العراقي والمتظاهرون"، موضحاً أن "صالح يدافع عن منصبه، وتنصّل في خطابه الأخير من ملف تعديل الدستور وبعض فقراته، ومن بعض المعلومات التي يعلمها جميع المسؤولين، مثل قضية القتلة المتورطين بمذبحة المتظاهرين، فالحكومة لديها التقارير الكاملة التي تكشف هوياتهم، وكان الأجدر برئيس الجمهورية التحقيق المكثف بهذا الشأن لا سيما أنه حامي الدستور، وليس الحديث عن ملفات مستهلكة مثل قبول عبد المهدي تقديم استقالته في حال توفر البديل".

أما الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي، فرأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات الأخيرة والتي ما زالت جارية، مثّلت ضربة مفاجئة وشبه قاضية لإيران في العراق، إذ إن إيران كانت تظن أن العراق بات ضمن ممتلكاتها الشخصية، خصوصاً مع تكثيف الإعلام الإيراني في العراق والسيطرة على المؤسسات الثقافية واتساع سيطرة ساسة (الحشد الشعبي) على مقدرات الدولة، وبذلك فهي مصدومة الآن جراء خروج المتظاهرين وحرقهم صور شخصيات بارزة في إيران، وفي مدن غير متوقعة مثل كربلاء والنجف". وأشار إلى أن "إيران عليها أن تستوعب أن كل جهودها منذ أكثر من 12 سنة تنهار وأن الأموال التي صُرفت على تأهيل المناصرين لها والأحزاب، قد انتهت عبر تظاهرات العراقيين"، معتبراً أن "طريق العراقيين نحو المدنية والدولة الديمقراطية كنموذج تونس على أقل تقدير ما زال طويلاً، لكن يمكن القول وبثقة إن العراقيين وضعوا أقدامهم على الطريق الصحيح بلعن الطوائف ورفع الوطن لا صور الزعامات".