دفع الرفض الشعبي وضعف الترحيب السياسي بتشكيلة فريق الحوار الوطني في الجزائر، إلى دعوة السلطة لمراجعة هذه التشكيلة، واقتراح أسماء لشخصيات ذات وزن سياسي ومدني لإدارة الحوار الوطني، تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة التي لم يُحدد تاريخها بعد.
وأعلنت جمعية العلماء المسلمين (أبرز المرجعيات الدينية في الجزائر)، اليوم الأحد، عن اقتراح مجموعة جديدة من الشخصيات، لقيادة الحوار الوطني، الذي يستهدف الخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد.
وتضم القائمة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي ووزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي، والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس، ووزير التربية السابق علي بن محمد، ورئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم، والداعية الإسلامي محمد الهادي الحسني، والناشط الحقوقي البارز مصطفى بوشاشي.
وضمت القائمة أيضاً القائد العام السابق للكشافة الإسلامية الجزائرية والدبلوماسي السابق أحمد بن نعمان، إطار سابق ورئيس المجلس الدستوري السابق السعيد بوشعير، المحامية المعروفة فاطمة الزهراء بن براهم، القيادي السابق في حزب "جبهة التحرير الوطني" صالح حكيمي، ومنسق الزوايا الدينية في منطقة القبائل ياسين بوعاش، إضافة الى رئيس البرلمان السابق عبد الكريم يونس الذي يرأس حالياً فريق الحوار الذي شكله رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الخميس الماضي.
وتبدو هذه القائمة أكثر توازناً وقدرة على إدارة الحوار السياسي، بحكم الثقل السياسي والرصيد النضالي لمجموع الشخصيات السياسية والمدنية والمرجعيات الدينية التي تضمها، مقارنة بالفريق الذي شكلته السلطة، والذي يواجه رفضاً سياسياً وشعبياً سيعقّد من مهامه، ويدفع بوجود احتمالات أكبر لفشله في اقناع كثير من القوى السياسية بمقابلة أعضائه، ناهيك عن التعاون معه.
وعزت "جمعية العلماء المسلمين" تقدمها باقتراح القائمة الجديدة بـ"اشتداد التأزم الوطني أمام تعدد المقترحات والمبادرات، ما يهدد بإطالة الأزمة السائدة، وإدراكاً منها لخطورة الوضع"، معتبرة أن هذه شخصيات "ذات تجربة وكفاءة ومصداقية، كفيلة بأن تقوم بدور فاعل في دفع عجلة الحوار، والإسهام في تقريب وجهات النظر، والتعجيل بإيجاد مخرج يمكن من إرساء دعائم مستقبل الدولة الوطنية المنشودة".
وكان رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، قد أعلن الخميس الماضي تكليف ست شخصيات بمهمة إدارة الحوار الوطني، وهم رئيس البرلمان السابق كريم يونس والخبيرة الدستورية فتيحة بن عبو والخبير الاقتصادي اسماعيل لالماس والنقابي عبد الوهاب بن جلول والأكاديمي عز الدين بن عيسى والعضو السابق في المجلس الدستوري بوزيد لزهاري. ومن المقرر أن يعقد هذا الفريق اليوم الأحد أول اجتماع له، سيخصص للاتفاق على بنود القانون الداخلي للهيئة وكيفية عملها وبرنامج لقاءاتها المرتقبة مع القوى السياسية والمدنية. ورفض الفريق عقد أول اجتماع له في فيلا تابعة للرئاسة وُضعت تحت تصرفه، وقرر عقده في منزل أحد أعضاء الفريق.
من جهته، اقترح "منتدى الحراك الشعبي الأصيل" الذي يجمع عدداً من المثقفين والناشطين، الإسراع في "توسيع عضوية اللجنة إلى شخصيتين أو ثلاث من الشخصيات ذات الثقل والتأثير والامتداد الشعبي الواسع، لتعويض ما اعتبره الضِعة والضَعف من الثقل السياسي والتاريخي والمهني الذي تعاني منه هيئة الحوار، ولتدارك هذا النقص بالتواصل مع شخصيات وازنة لإدارة الحوار ممن لهم سمعة وكفاءة وثقل علمي ومهني".
واعتبر المنتدى أن لجنة الحوار المُعينة "تبقى لجنة متواضعة الأسماء، خفيفة الرصيد النضالي، لا تعكس كل ألوان الطيف السياسي للحراك، ولا التمثيل المناطقي أو الجهوي للبلاد، بل بعضها غير معروف تماماً لا عند النخب ولا بين أوساط الشعب".
كما طالب المنتدى السلطة بـ"ترحيل حكومة بدوي وتشكيل حكومة كفاءات وطنية وازنة تعكس ألوان الحراك الشعبي وتبرز ثقله الفكري والسياسي والشعبي والتقني بما يعوض عن الفقر الذي ظهرت به هذه اللجنة، والسهر على اختيار أفضل الكفاءات للهيئة الوطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات مع الشروع الفعلي في تعديل وإتمام قانون الانتخاب الحالي".
وكشف الناشط والباحث الأكاديمي نصر الدين جابي، والذي كان ضمن قائمة الشخصيات المقترحة لإدارة الحوار الوطني، في بيانٍ، أنه انسحب من عضوية فريق الحوار قبل الإعلان عنه، بسبب عدم التوافق مع أعضاء الفريق على بعض الاشتراطات المسبقة للقبول مهمة إدارة الحوار، تتعلق بـ"سيادية هيئة الحوار في كل ما يتعلق بتشكيلها وقراراتها وأسلوب عملها، قبل انضمامي الرسمي لها، وعدم تلقي أيّ حوافز أو امتيازات مالية، وكذا المبادرة بإطلاق سراح الناشطين المعتقلين،" مشيراً الى أنه كان هناك اتفاق أن يلتقي رئيس البرلمان السابق ورئيس فريق الحوار المفترض (حينها) رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، على أن ينطلق الفريق في عمله بعد قبول السلطات بإجراءات التهدئة المتفق عليها، مشيراً الى أنه تفاجأ بلقاء أعضاء الفريق الستة برئيس الدولة دون الاتفاق على الشروط المسبقة. وقال إن "ما حصل في الواقع كان بعيداً عن هذا التصور، فقد ضمت وجوه الى الهيئة دون علمنا، وذهب كل أعضائها لرئاسة الجمهورية لمقابلة رئيس الدولة يوم الخميس صباحاً وهو ما كنا قد تحفظنا عنه".
قائمة ضمانات
إلى ذلك، دعا حزب "طلائع الحريات" الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، قوى المعارضة السياسية الى الاتفاق على بنود محددة وصياغة "قائمة ضمانات" يتوجب توفرها والمطالبة بها، قبل مباشرة أي حوار سياسي، فيما أعلن حزب معارض عن رفضه التعاون مع فريق الحوار، معتبراً أنه مناورة سياسية من السلطة.
ونشر الحزب بياناً أكد فيه دعوة "المعارضة السياسية والمجتمع المدني بكل مكوناته، لضرورة الاتفاق حول الضمانات الواجب المطالبة بها، من أجل الاحترام التام، شكلاً ومضموناً، للتعهدات المعبر عنها في خطاب رئيس الدولة في الثالث من يوليو".
وطالب الحزب بـ"تكليف هيئة الحوار الوطني نفسها ووحدها بمهمة إنشاء الهيئة المستقلة المكلفة بتحضير وتنظيم والإشراف ومراقبة الاستحقاق الرئاسي وتعديل القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي، وتوسيع مهمة هيئة الحوار الوطني لتشمل الشروط الواجب توفرها لضمان مصداقية الاقتراع، ما يشمل الشروط السياسية التي سيعتبرها الحوار الوطني ضرورية من أجل الاستجابة للتطلعات والمطالب الشرعية للشعب الجزائري، خطوة صحيحة يمكن أن تكون لها إيجابيات للبلد".
وفي الثالث من يوليو الحالي، أعلن بن صالح عن جملة تعهدات سياسية في إطار مبادرة حوار وطني تديره هيئة الحوار ستكون لها سلطة معنوية وكامل الحرية في استدعاء المكونات السياسية والمدنية والشعبية الى الحوار، وفي مناقشة كامل القضايا المرتبطة بآليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، بصياغة قانون خاص للهيئة المستقلة للانتخابات ووضع مخرجات الحوار الوطني في صلب تعديل قانون الانتخابات قصد ضمان الشروط اللازمة لانتخابات، وتعهد بعدم تدخل المؤسسة العسكرية.
ولمح بيان حزب بن فليس إلى ضرورة استغلال قوى المعارضة لتخلي النظام عن إدارة الحوار لصالح هيئة مستقلة، واعتبر أن "النظام السياسي القائم تراجع عن التحكم في سير وتسيير الحوار الوطني، والتزامه بأن لا يكون طرفاً في الحوار الوطني والتزام بالحياد التام طوال مجرى هذا المسار، يعد عاملاً مهماً نحو انفراج الأزمة".
وفي سياق ردود الفعل السياسية المتحفظة على تشكيلة فريق الحوار الوطني، أرجأ الحزب اتخاذ موقف بشأن التعاون مع الفريق من عدمه إلى ما ستتخذه السلطة من إجراءات وتدابير تهدئة تفسر حقيقة نواياها، برغم العلاقة السياسية بين بن فليس ورئيس فريق الحوار، رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، حيث عملا معاً في قيادة الحزب الحاكم قبل خلافهما الشهير مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نهاية العام 2003.
من جهتها، اعترضت "جبهة القوى الاشتراكية" بشكل كامل على قائمة الشخصيات الستة التي تم تعيينها لإدارة الحوار الوطني. وأكد بيان نشره الحزب أن "الأسماء الستة ليست لها أي تزكية، وهي مسؤولة عن إجراء حوار مزيف لفرض انتخابات رئاسية لصالح النظام وحده، لكون صناع القرار في السلطة يحاولون مرة أخرى كسب الوقت لصرف المواطنين عن مطلبهم الرئيسي، وهو حقهم في تقرير المصير".
وأوضح بيان الجبهة، وهي أقدم أحزاب المعارضة السياسية، أن " فريق الحوار لا يمكنه بأي حال من الأحوال إخفاء المناورات الاستبدادية للنظام التي من خلالها يهدف إلى خداع الرأي العام الوطني والدولي. ويؤكد (الأفافاس) من جديد مطلب الإفراج غير المشروط عن جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي".