"الاشتراكي" الفرنسي بعد حصر المنافسة بهامون وفالس: خطر الانفجار

23 يناير 2017
أبرز المرشحين الاشتراكيين يؤيدون الحمائية الأوروبية(إريك فيفربورغ/فرانس برس)
+ الخط -
ليس من المبالغة القول إنّ الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهو الحزب الوحيد الذي لا يزال يبحث عن مرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، يعاني من صراعات داخلية قد تضعه أمام احتمالات عديدة. من الممكن أن يتفجر من الداخل أو أن يعجز عن إيصال مرشح له للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2017. وفي أحسن الحالات قد يخرج الحزب، الذي كان يمتلك قبل خمس سنوات فقط كل السلطات تقريباً، مُنهكاً، ما يعني أن عملية استعادته لعافيته ستحتاج سنوات، أي السنوات التي يحتاجها اليمين، في حال فوزه، كي يحكم بهدوء وينفذ وعوده الانتخابية، من دون مشاكسات وعراقيل. ولا يبحث المراقب بعيداً ليرى أن الانتخابات الفرعية للحزب الاشتراكي وبعض الأحزاب اليسارية، التي جرت دورتها الأولى أمس الأحد، وانتهت بتأهل بونوا هامون (35.21 في المائة) ومانويل فالس (31.56 في المائة) للدور الثاني من الانتخابات التمهيدية، لا تثير الناخب الفرنسي كثيراً، على عكس الانتخابات الفرعية لليمين والوسط.

حتى الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أعطى مؤشرات على استخفافه بهذه الانتخابات، حين امتنع عن مشاهدة إحدى المناظرات التلفزيونية للمرشحين، مفضلاً مشاهدة المسرح. ويبقى السؤال المثير للحيرة يتمثل في معرفة من يكون المرشح الذي سينال تأييد الرئيس الحالي، ويدفعه لإقناع ما تبقى من "فلوله" للتصويت له. وفي هذا الشأن، تتعدد الإشارات ولا تستقيم على مرشح واحد. وينطلق المراقب من مسألة انضمام غالبية الوزراء للمرشح مانويل فالس، ليقرأ فيها دعماً مستتراً من هولاند لرئيس حكومته السابق. لكن سرعان ما يعود للواجهة الحوار "المستفزّ" الذي أجراه فالس، في السابق، مع صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" قبل أن يعلن هولاند موقفه من عدم الترشح. وأبدى فالس استعداده للمشاركة في الانتخابات الفرعية حتى في ظلّ ترشح الرئيس لدورة ثانية. وهو ما عجّل، كما يقول مراقبون ومقربون من هولاند، بخطابه الذي فاجأ فيه الشعب الفرنسي وحزبه واليسار بعدم ترشحه لولاية رئاسية ثانية، وهي سابقة في الجمهورية الفرنسية الخامسة. ولم يكن الرئيس الفرنسي، الذي شهد حكمُهُ خيانات وخيبات كثيرة، يتصور أن يخونه أقرب الناس إليه، والذي يتقاسم معه الحصيلة السياسية وأيضاً الخط السياسي الإصلاحيّ، والذي يحاول بالتعاون معه تخليص الحزب الاشتراكي من بقاياه "اليسارية" في انتظار تحقيق حُلمَيهما المشترك المتمثل في تغيير اسم الحزب.



وهناك احتمال أن ينحاز هولاند للمرشح إيمانويل ماكرون (الذي ترشح مستقلاً لذلك لم تشمله الانتخابات التمهيدية أمس)، الذي يدير حملته الانتخابية بذكاء. ولن يكون الأمر مستغرباً، خصوصاً أن المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة، شريكة هولاند السابقة وأم أبنائه، سيغولين روايال، التي لن تسامح أبداً رفاقها في الحزب الاشتراكي على تخاذلهم عن دعمها في انتخابات الرئاسة عام 2007 ضد المرشح اليميني آنذاك، نيكولا ساركوزي، تغازل المرشح ماكرون، سياسياً، وتمتدح خياراته واندفاعته.

وما يعزز من هذا الاحتمال هو أنّ المحامي والصديق القريب إلى هولاند، عرّاب اثنين من أبنائه، جان-بيير مينيارد، اختار، بعد خطاب "تنحي" الرئيس، إظهار دعمه لماكرون وعرض خدماته على المرشح الشاب. كما يحاول وزير الخارجية الفرنسي، رئيس الحكومة الأسبق، جان مارك إيرولت، الذي تعرّض لخيانات من يسار الحزب الذي تحالف مع فالس لإزاحته من رئاسة الحكومة، إظهار دعمه لماكرون عبر التشديد على كونه مرشحاً يسارياً. وهو موقف يوشك أن يُقدم عليه بعض رجالات هولاند، كرئيس بلدية مدينة ديجون، فرانسوا ربسامين، ورئيس بلدية باريس السابق، برتراند دولانويه، وأيضاً وزير الزراعة، ستيفان ليفول.

وإذا كان الرئيس غضب من تصريحات أحد أصدقائه، دومينيك فيلموت، الذي كشف أن قلب هولاند يميل إلى المرشح ماكرون، فلأنه لا يريد أن يُتَّهَم بأنه يدمر الحزب الاشتراكي عبر دعم مرشح من خارج الحزب، وهو ما سيكون سابقة في فرنسا.

صحيح أن انتخابات اليمين والوسط الفرعية كانت أيضاً قاسية، لكنها لم تترك آثاراً سلبية على حزب "الجمهوريون". وعرف الفائز، رئيس الحكومة الأسبق، في عهد ساركوزي، فرانسوا فيون، كيف يستفيد من كل التيارات والحساسيات وكيف يقرّب إليه معظم مستشاري منافسيه السابقين.

في المقابل، تبدو الانقسامات في الجسم اليساري أعمق بكثير، لدرجة سيكون من الصعب تجاوزها بعد الانتخابات الفرعية بجولتها الثانية. إذ لا يمكن التغاضي عن "تمرد" الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي، طيلة ولاية هولاند الرئاسية. وهذا الأمر ساهم في شلّ دينامية الرئيس وحكومته، ودفع الرئيس، الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة، لعدم الترشح في نهاية المطاف. ولم يكن رئيس الحكومة السابق، فالس، مخطئاً حين تحدث عن "يسارَين غير قابلين للمصالحة". وهذا ما يعني أنه في حال فوز فالس قد يلتحق تيار واسع من الاشتراكيين بمرشح اليسار المتطرف جان-لوك ميلانشون. أما إذا فاز مرشحٌ ينتمي إلى يسار الحزب الاشتراكي، أي بونوا هامون، فإن قسماً كبيراً من كوادر الحزب قد يلتحقون بالمرشح ماكرون. وهذا السيناريو يعزز من احتمال دعم الرئيس هولاند لماكرون.