تهديد "النهضة" التونسية بانتخابات مبكرة: هجوم مضاد لوقف ابتزازها

28 يناير 2020
"النهضة" تعلمت من أخطائها (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

فاجأت حركة "النهضة" التونسية، رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، برفضها مسار تشكيل الحكومة وخياره إقصاء كتل وأحزاب من مشاورات التأليف.

وأوضح رئيس مجلس شورى الحركة، عبد الكريم الهاروني، أن المجلس قرر دعوة الفخفاخ إلى توسيع المشاورات وتشكيل حكومة وحدة وطنية وعدم إقصاء كتل وأحزاب، احتراماً لنتائج الانتخابات. وأشار إلى أن كل الأحزاب تلتقي وتتحادث مع حزب "قلب تونس" ومع بقية الكتل، على غرار "المستقبل" و"الإصلاح الوطني" و"ائتلاف الكرامة"، وهي لا تفهم هذا الإقصاء، مع تأكيدها أنها تبقى على نفس المبادئ في مقاومة الفساد، وترفض مشاركة أي كان عليه شبهة فساد، لكن هذا أمر يقرره القضاء.

واعتبر الهاروني أن "النهضة" أصيبت بخيبة أمل من أحزاب الصف الثوري خلال المشاورات لتأليف حكومة الحبيب الجملي، لكنها تعلمت من أخطائها ولن تكررها، والبلاد تحتاج إلى حكومة مسنودة من أغلب الطيف البرلماني وتشمل الجميع، إلا من أقصى نفسه. وقال إن "أحزاباً، مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي، كانت تتهم سابقاً حزب تحيا تونس (الذي يقوده رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد) بالفساد والفشل، لكنها تنسق معه اليوم وتتوافق معه حول رئيس الحكومة ومسار تشكيلها. ونفس هذه الأحزاب تلتقي مع حزب قلب تونس أيضاً". وشدد على أن "البلاد تحتاج توافقاً واسعاً وحزاماً برلمانياً كبيراً، لتيسير عملها، وتمرير قوانين تحتاج إلى أغلبية، تفوق 145 صوتاً".

هذه المواقف خلاصة حوار ساخن جداً شهده مجلس شورى الحركة، أول من أمس الأحد، وفق ما نقله عضو من المجلس لـ"العربي الجديد". وأشار إلى أن "هذه القرارات حصلت على أغلبية واسعة، إذ نالت 68 صوتاً ضد خمسة فقط، وهو ما يعكس إجماعاً داخل الحركة حول موقفها من نتائج المشاورات الأولى، التي سقطت بعدها حكومة الجملي، وأسلوب المشاورات الثانية، وخلفياتها السياسية وأهدافها، الظاهرة والخفية". وقال المصدر إن "الحركة، باستعدادها لكل الاحتمالات، بما فيها إعادة الانتخابات، توجه رسالة واضحة للجميع بأن النهضة لا تخشى الذهاب إلى انتخابات مبكرة كما يتصور البعض، ممن حاول ابتزازها سياسياً خلال المشاورات الأولى"، على حد وصفه.


ولا تبدو دعوة "النهضة" إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مجرد مطلب يمكن التفاوض حوله، إذ إن بيانها يعكس بوضوح أنه أصبح شرطاً ضرورياً لا تراجع عنه، بحسب تصريحات الهاروني، ودونه، تستعد الحركة لكل السيناريوهات المُحتملة، بما فيها إعادة إجراء الانتخابات. هذا التصعيد السياسي الواضح، يعيد لحركة "النهضة" زمام المبادرة، ويخرجها من دائرة العزل التي عاشتها على امتداد أسابيع، أثناء تشكيل حكومة الجملي وما بعد سقوطها. ولعل هذا الأمر يأتي لإعادة ترتيب الأوراق من جديد، بعد شهرين من التخبط في سلسلة قرارات مرتجلة من داخل "النهضة" ومن محيطها السياسي.

وبهذا الشكل، تعود الحركة إلى المربع الأول الذي يجمعها مع "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" وكتلتي "الإصلاح الوطني" و"المستقبل"، بعدما استنفدت كل محاولات التقارب مع "حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" تحت ضغط جزء من قواعدها وقياداتها، بسبب أزمة تبادل فقدان الثقة بين هذه المكونات، وتضخيمها لأحجامها السياسية وطموحاتها.

ويتساءل مراقبون إذا كانت المواقف الجديدة لحركة "النهضة" عبارة عن خيارات نهائية بُنيت على رؤى استراتيجية للمشهد السياسي التونسي، في إطار صراع التموضع العام، أم أنها مساع لتحسين شروط التفاوض حول الحكومة الجديدة ودخولها من موقع القوة لفرض احترام الفخفاخ لترتيب الكتل النيابية وبالتالي عدم تهميشها، ومنحها أكبر عدد من الحقائب الوزارية والتعيينات في المناصب العليا للدولة.

إلا أن تلويح الحركة بتنقيح النظام الانتخابي قبل احتمال إعادة إجراء الانتخابات، واعتماد مبدأ الحد الأدنى في احتساب الأصوات للحصول على مقعد برلماني، يؤشر إلى مساع جدية لإعادة ترتيب المشهد برمته، وينذر الجميع بأن "النهضة" وحلفاءها مستعدون للمعارك السياسية الكبرى، وليس مجرد مناورات سياسية. غير أن هذا يحمل تهديداً للجميع، بمن فيهم "النهضة"، لأن المشهد الجديد لم يشهد بعد دخولاً فعلياً للاعب مهم على الخط، وهو الرئيس قيس سعيّد ومعه نحو 73 في المائة من أصوات التونسيين.