حي الكرامة في العريش... 7 أشهر من حصار الجيش

28 سبتمبر 2018
فرض الجيش المصري حصاراً خانقاً على مدينة العريش(فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال سكان حي الكرامة في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء ينتظرون قراراً يقضي بإنهاء الحصار المفروض عليهم منذ بدء العملية العسكرية الشاملة في فبراير/شباط الماضي، والتي أدّت إلى إغلاق الطريق الوحيد إلى الحي، من دون أي مراعاة للظروف الإنسانية التي تتطلّب حركة لسيارات الإسعاف ونقل الاحتياجات للمواطنين، فيما يأمل السكان أن يتمكّن المحافظ الجديد، اللواء محمد شوشة، من إقناع قوات الجيش بفتح الطريق إلى الحي.

وفي تفاصيل المأساة، قال أحد وجهاء الحي، وهو شيخ قبليّ، لـ"العربي الجديد"، إنّه "مع بداية العملية العسكرية، أغلقت قوات الجيش المنفذ الوحيد للحي وهو المتّجه إلى حي الريسة، من خلال إغلاق الطرق بالسواتر الرملية وجرف محيط الحي، ووضع نقاط عسكرية تمنع حركة السيارات منه وإليه، سواء كانت سيارة خصوصية أو أجرة، أو حتى سيارة إسعاف، مما حوّل حياة المواطنين إلى جحيم على مدار الأشهر السبعة الماضية، من دون أي تحرّك حكومي لحل الأزمة التي يعيشها آلاف المواطنين هناك".

وأضاف الشيخ القبلي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ "قوات الجيش منعت أيضاً عربات الكارو التي تجرها الحيوانات من نقل احتياجات المواطنين من الأحياء المجاورة؛ كحي ضاحية السلام أو حي المرحلة الرابعة، مما زاد من معاناة المواطنين طيلة الفترة الماضية، خصوصاً في بداية الحصار الذي فرض على مدينة العريش، وحالة النقص في المواد الغذائية. كذلك، لم يتمكّن المواطنون من مغادرة الحي إلى مناطق وسط العريش للبحث عن شاحنات المواد الغذائية والخضروات، مما دفع الأهالي لإطلاق نداءات استغاثة بصورة يومية، من دون أن تلقى أي ردّ من الأطراف الحكومية والأمنية كافة".

وأشار الشيخ القبلي إلى أنّ أهالي الحي "وجّهوا رسائل لنواب سيناء في مجلس الشعب، الذين تفاعل بعضهم مع النداءات في وقت لاحق، إلا أنّ هؤلاء لم يتمكّنوا من التأثير على المحافظ السابق اللواء عبد الفتاح حرحور، للضغط في اتجاه إنهاء الحصار، بحجة أنّ الأمن يقتضي ضرورة إغلاق الحي حتى إشعار آخر، من دون مراعاة لحياة المواطنين". إلا أنّ المحافظ الجديد، اللواء محمد شوشة، "استجاب لنداءات أهالي الحي، إذ وجّه رئيس مجلس مدينة العريش، اللواء وليد المعداوي، لمتابعة الأزمة، ورفع التوصيات اللازمة لمناقشتها مع قوات الجيش المحاصِرة للحي منذ بدء العملية العسكرية الشاملة"، بحسب الشيخ.


وبالفعل، قام مجلس مدينة العريش قبل أيام بتنفيذ جولات ميدانية لأحياء المدينة، حيث زار رئيس المجلس على رأس لجنة ضمّت مجلس مدينة العريش ومديرية التربية والتعليم والتموين، حي الكرامة، لإجراء حصر ميداني لجميع مشاكل الحي، والتي تتمثل في الطرق والتعليم والصحة وخدمات النظافة والمياه والصرف الصحي، فضلاً عن الاستماع إلى شكاوى المواطنين من سكان الحي. وقامت اللجنة أيضاً بتفقّد مدرسة الكرامة والمخبز والطرق الداخلية والمستوصف، وتمّ تسجيل الملاحظات والسلبيات كافة لعرضها على المحافظ لحلّها.

ويترقّب المواطنون في حي الكرامة أن تأتي تحركات المحافظ الجديد بفائدة، وأن تحلّ أزمتهم، ليتمكّنوا من التنقل بالسيارات، بدلاً من السير على الأقدام لمسافات طويلة كما يجري حالياً، من قبل جميع أبناء الحي، بمن فيهم المرضى والمسنون والأطفال. وما زاد الطين بلّة، أنّ الحصار استمرّ خلال أشهر الصيف، في ظلّ درجات حرارة عالية، ما أدّى إلى إصابة الكثير من المواطنين بضربة شمس ودوار بسبب تحركهم مشياً على الأقدام، لقضاء حوائجهم خارج الحي، ومن ثمّ العودة بالطريقة نفسها. كذلك، يضطر المواطنون لحمل قوارير الغاز على ظهورهم أو عربات الكارو في أحسن الأحوال، لتعبئتها من الأحياء المجاورة.

وتعقيباً على هذا الوضع، قال مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات الجيش بدلاً من أن تأتي بالكرامة إلى أهالي سيناء والعريش من خلال العملية العسكرية، أضاعت كرامة المواطنين بفرض الحصار على غالبية مناطق سيناء، ومن ضمنها حي الكرامة"، مضيفاً أنّ قوات الجيش "منعت أقلّ مقومات الحياة من الدخول للمدينة، كالأكل والشرب والغاز والأدوية". وتابع المصدر أنّ "هذه الحياة الصعبة فُرضت على سكّان حي الكرامة من دون سبب، منذ بدء العملية العسكرية الشاملة، وبقيت هذه المأساة مستمرة وسط تجاهل الجهات الحكومية ونواب سيناء حتى بعد حلّ أزمة مدينة العريش، بإدخال المواد الغذائية والخضروات بعد أشهر من الحصار، وكأن حي الكرامة خارج خارطة العريش".

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنّ "مناشدات أهالي الحي تراكمت على مكاتب المحافظ ورئيس مجلس المدينة ونواب سيناء، وكانت منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل القيادات الأمنية والحكومية في سيناء كانت تعرف جيّداً أنّ ما يحصل في حي الكرامة يمثّل عقاباً جماعياً لا تقبل به القوانين أو الأعراف". وتابع "لو أنّ المؤسسات الحقوقية لها حرية التحرّك في مصر، أو دخول سيناء، لكشفت عن حجم المأساة التي يعيشها الحي منذ أكثر من سبعة أشهر على التوالي"، مشيراً إلى أنّ "المحافظ الجديد سيحاول إقناع القادة الأمنيين في سيناء بفتح الطريق أمام حركة المواطنين خلال الفترة المقبلة، وهذا الحديث قد يكون عليه الردّ إيجابياً أو سلبياً، وفقاً لرؤية المسؤولين الأمنيين".

يشار إلى أنّ محافظة شمال سيناء، عاشت حصاراً خانقاً بالتزامن مع بدء العملية العسكرية الشاملة، طاول مناحي الحياة كافة. إذ منعت قوات الجيش دخول أي مواد غذائية أو خضروات إلى مدن بئر العبد والعريش ورفح والشيخ زويد ووسط سيناء، مما خلق حالة من الفوضى في المدينة، بحثاً عن أساسيات الحياة، فيما ما زال الحصار متواصلاً على بعض أحياء مدينتي العريش والشيخ زويد، ويشمل ذلك منع إدخال الأدوية وسيارات الإسعاف.