في الثالث والعشرين من مايو/ أيار 2017، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان - منظمة مجتمع مدني مصرية - تقريرًا حقوقيًا بعنوان "سجنك ومطرحك"، عن كيفية التعامل في حالة إلقاء القبض على أي مواطن.
التقرير أعده المحامي اليساري والناشط العمالي البارز، هيثم محمدين، بعد حوالي عام من القبض عليه خلال حملة أمنية شرسة استمرت خلال فترة التظاهرات الاحتجاجية على اتفاقية ترسيم الحدود، بين مصر والسعودية، التي تم توقيعها في 8 إبريل/ نيسان 2018 قبل أن يُخلى سبيله في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وسبقت ذلك تجربة القبض عليه على يد قوات الجيش المصري، في كمين بالسويس في سبتمبر/أيلول عام 2013، أثناء توجهه للتضامن مع إضراب عمال مصنع إسمنت. واحتجازه بقسم شرطة عتاقة في السويس، وعرضه على النيابة بتهمة التعدّي على ضابط جيش أثناء تأدية عمله"، والإفراج عنه بعدها بنحو 48 ساعة.
كذلك سبق ذلك أن أُلقي القبض عليه يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011 من مظاهرة خرجت من حي شبرا بالقاهرة، مع مجموعة كبيرة من الشباب، وأفرج عنهم قبل جمعة الغضب في 28 يناير/ كانون الثاني من نفس العام.
أما بعد إصدار التقرير، فقد استمرت السلطات المصرية في استهداف المحامي اليساري والمناضل العمالي، حيث تم احتجازه بدون وجه حق يوم 13 مايو/ أيار الماضي، بتهمة "التهرب من التدابير الاحترازية".
وكانت محكمة الجنايات قد أصدرت قراراً يوم 5 يناير/ كانون الثاني الماضي بتخفيف التدابير الاحترازية على محمدين من يومين أسبوعياً إلى يوم واحد، وتم إرسال القرار إلى نيابة أمن الدولة، وكان من المفترض أن تقوم نيابة أمن الدولة بإرسال القرار لمديرية أمن الجيزة ثم قسم الشرطة التابع له. وبالرغم من ذلك فوجئ بتحرير محضر تهرُّب من التدابير الاحترازية محررٍ ضده.
ويعود حكم "التدابير الاحترازية" هذا إلى العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما قررت محكمة جنايات الجيزة تأييد إخلاء سبيل هيثم محمدين و5 آخرين، بتدابير احترازية بدلًا من الحبس الاحتياطي، على خلفية اتهامهم بالانضمام لجماعة إرهابية في القضية رقم 718 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، المعروفة بـ"قضية المترو" بعدما أسندت النيابة لمحمدين والمتهمين الآخرين: الانضمام إلى جماعة إرهابية الغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة، ومنعها من ممارسة عملها، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وتعطيل أحكام الدستور والقانون ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحريات الحقوق العامة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والتحريض على التظاهر، واستخدام شبكة المعلومات الدولية للتحريض ضد مؤسسات الدولة.
وكان هيثم قد ألقي القبض عليه من منزله بالجيزة في 17 مايو/ أيار 2018، على خلفية احتجاجه على زيادة أسعار تذاكر قطارات مترو الأنفاق، التي أُقرّت في 11 مايو/ أيار الماضي بعد تقسيم سعر التذكرة لثلاث شرائح تبدأ من 3 جنيهات لركاب 9 محطات و5 جنيهات لركاب 16 محطة، و7 جنيهات لأكثر من 16 محطة، بدلًا من جنيهين فقط لجميع المحطات.
هكذا يقضي هيثم محمدين، كمعارض شرس لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعوامه منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تموز 2013.
وفي يوم التدوين عن المحامي هيثم محمدين في عيد ميلاده، الذي دعت إليه المفوضية المصرية للحقوق والحريات - منظمة مجتمع مدني مصرية -، شهد وسم "الحرية لهيثم محمدين" عشرات القصص والحكايات والمواقف الثورية والنضالية في صفوف ثوار 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وبين العمال في قلب الاعتصامات والإضرابات، وفي كل قضايا الشأن العام المصري.
وكتبت له الناشطة السياسية والمحامية الحقوقية ماهينور المصري: "لما كنت محبوسة جيت وقفت قدام القفص علشان تداريني علشان كنت خايف أتهوّر وأقول حاجة القاضي.. متصورين مع بعض وأنا جوة وأنت برة.. لسة بشوفها وأقول قريب حتبقى برة".
هيثم محمدين، الناشط السياسي يساري الميول، هو عضو بالمكتب السياسي بحركة الاشتراكيين الثوريين، من مواليد 1982. التحق بالعمل السياسي أثناء دراسته في كلية الحقوق. وهو ابن القيادي العمالي فوزي محمدين، من القيادات العمالية التي شاركت في اعتصام عمال الحديد والصلب عام 1989، وكان له دور ونشاط سياسي وعمالي بارز.
أسهم هيثم محمدين في تدشين ما عُرف بجبهة طريق الثورة "ثوار" في أعقاب الانقلاب العسكري، في محاولة لخلق طريق ثالث بين مؤيدي الانقلاب ورافضيه، لكن الحركة اصطدمت بالواقع السياسي المعتم والسيطرة الأمنية المحكمة ولم تستمر طويلًا في رسالتها.
وظل محمدين، أحد أبرز قيادات حركة الاشتراكيين الثوريين، حاضرًا بقوة في الأحداث السياسية الكبرى وخاصة قضية نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بموجب اتفاقية ترسيم حدود تم إبرامها في إبريل/ نيسان 2016، حيث أسهم في تأسيس ما عرفت بالحملة الشعبية للدفاع عن الأرض.
وأكد مرارًا وتكرارًا أن المنتفع الأول من الاتفاقية هي إسرائيل، وأن وجود قوات سعودية عليها يجعلها بمثابة أرض محتلة.
ويعرف عن محمدين، الماركسي الثوري، أنه لم يتخل أيضا عن العمال وسعيهم نحو المطالبة بحقوقهم، وهو المحامي العمالي المتفرغ للدفاع عن قضايا المقهورين والمضطهدين والعمال.