مفاوضات الحكومة التركية على وقع رصاص "القضية الكردية"

14 يوليو 2015
لن يتأخر تشكيل الحكومة إلى ما بعد نوفمبر المقبل(الأناضول)
+ الخط -
بدأ ماراثون تشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة، هذا الأسبوع، عبر اللقاءات المتوالية التي ستعقد بين حزب "العدالة والتنمية" وباقي أحزاب المعارضة الثلاثة الممثلة في البرلمان. واستُهلّت باللقاء مع "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، وذلك على وقع ازدياد وتيرة الاشتباكات بين قوات الأمن التركية وحزب "العمال الكردستاني"، بعد أن أعلن الأخير انتهاء وقف إطلاق النار المعلن من طرف واحد، بسبب ما أطلق عليه خروقات الحكومة التركية المتوالية له. لكن كلام الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي (ذو الغالبية الكردية)، صلاح الدين دميرتاش، جاء ليعيد خلط الأوراق حين أعرب عن قناعته أن الحزب الكردي "لم ينه وقف إطلاق النار بشكل كامل، لكنه يجب أن يكون لوقف إطلاق النار مقابلٌ". مضيفاً أن "اتحاد المجتمعات الكردستانية يطالب بوقف خرق وقف إطلاق النار الذي تقوم به الحكومة عبر الاستمرار في إنشاء الثكنات والطرق العسكرية، وإن لم يتوقف ذلك ستتحرك المليشيات".
وقال دميرتاش: "نحن، أيضاً، نتابع البيانات الواردة، إننا نعود خطوة إلى الوراء بعد أكثر من سنتنين ونصف السنة على بدء عملية السلام".

في غضون ذلك، لا يزال "العدالة والتنمية" يؤكد أنّه أنهى تحضيراته لمختلف السيناريوهات التي قد تتمخّض عنها محادثات تشكيل الحكومة، بما في ذلك اللجوء إلى إعادة الانتخابات أو لانتخابات مبكرة. وأكّد رئيس الحكومة الانتقالية، أحمد داود أوغلو، في تصريحاته، خلال عودته من المشاركة في إحياء ذكرى مذابح الإبادة الجماعية في سربرينيتسا في البوسنة، يوم الأحد، أن المعارضة هي الأكثر حاجة لإنشاء الحكومة الائتلافية وليس "العدالة والتنمية"، قائلاً "وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن جميع الأحزاب التركية باستثتناء العدالة والتنمية، لا تملك أي حظوظ لتشيكل الحكومة وحدها، ذلك وإن اضطررنا إلى إعادة الانتخابات. لذلك، فإن أحزاب المعارضة هي من يحتاج الحكومة الائتلافية وليس العدالة والتنمية".

وعلى الرغم من أن مختلف استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قد لا تؤدي إعادة الانتخابات إلى تغييرات جذرية في النتائج، إلّا أن ذلك لا ينفي أنّ "العدالة والتنمية" لا ينقصه إلّا 18 مقعداً إضافياً للوصول إلى 276 مقعداً الكافية لتشكيل الحكومة وحده. لم يتأخر رد زعيم "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، الذي يعد الأقرب للتوافق على الحكومة الائتلافية، إذ رأى أنّ "حظوظ تشكيل حكومة تحالف كبير بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري منخفضة للغاية"، مرجحاً تحالفاً بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية". هذا الأمر، يتوافق مع ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بحسب تسريبات الاجتماع الذي عقده، الأسبوع الماضي، مع النائب عن "الشعوب الديمقراطي" جلال دوغان، عندما قال أردوغان، "سنواجه صعوبة في التحالف مع الشعب الجمهوري، لأن قاعدتنا الحزبية أقرب إلى الحركة القومية"، معارضاً وصف التحالف مع "الحركة القومية" بتحالف "إعلان حرب".

وبينما يأتي التركيز الأساسي لـ"الشعب الجمهوري" على الملف الاقتصادي، أكد وزير التنمية التركي الحالي، جودت يلماز والمنسق بين اللجان التي ستتفاوض مع كل من "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية"، أنّ "العدالة والتنمية سيركّز في مفاوضاته على الوزارات المتعلقة بالشأن الاقتصادي للحفاظ على استقرار الاقتصاد. وإن تمت إضافتها إلى كل من وزارة الخارجية والداخلية والعدل التي تعتبر، أيضاً، من أولويات الحزب الحاكم، ستبدو حظوظ التحالف مع الشعب الجمهوري أكثر تعقيداً".

اقرأ أيضاً: موالون لـ"العمال الكردستاني" يهدّدون باستهداف سدود جنوب تركيا

وفي سياق متصل، تراجع "الشعوب الديمقراطي" (ذو الغالبية الكردية) عن جميع مواقفه الحادة تجاه التحالف مع "العدالة والتنمية". وأكدت الرئيسة المشاركة للحزب، فيغان يوكسداغ، أنّ أبواب حزبها لا تزال مفتوحة لأي محادثات مع "العدالة والتنمية" لتشكيل الحكومة الائتلافية، قائلة "نحن جاهزون لفعل كل ما يمكن، لنكون جزءاً في تشكيل الحكومة"، مضيفة "لكن العدالة والتنمية لا يريدنا في أي حكومة ائتلافية معه".


جاء ذلك، في الوقت الذي أصدر فيه اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي تعمل تحت لوائها جميع المنظمات والأحزاب التابعة للعمال الكردستاني) بياناً، يوم السبت، أعلن خلاله التعبئة العامة، متهماً الحكومة التركية بخرق وقف إطلاق النار المعلن من جانب واحد بعد قيامها ببناء سدود وثكنات وطرق عسكرية في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من تركيا، فيما بدا تلويحاً جديداً بالعودة إلى العمل العسكري في محاولة للضغط على أنقرة للسماح باستئناف عملية السلام، والسماح للجنة التابعة لـ"الشعوب الديمقراطي" بزيارة الزعيم الكردستاني، عبدالله أوجلان في سجنه في جزيرة إمرالي، وأيضاً لمنع تشكيل حكومة ائتلافية بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، التي بات يطلق عليها في الإعلام التركي "حكومة إعلان الحرب"، والتي إن تشكّلت ستسهل موضوع التدخل العسكري في سورية، وستكون على حساب إيقاف أو في أحسن الأحوال تجميد عملية السلام إلى حين الانتخابات المقبلة. وتشير جميع التكهّنات إلى أن تشكيل الحكومة لن يتأخر إلى ما بعد نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وقال بيان اتحاد المجتمعات الكردستانية، إن "الحركة الكردية قررت عدم قبول هذا الأمر بتاتاً، وإعلان تعبئة جميع الإمكانيات الضرورية لمقاومة ذلك، بما فيها حرب العصابات لوقف بناء جميع السدود". وما إن صدر البيان حتى اندلعت اشتباكات بين مليشيا وأنصار الكردستاني وقوات الأمن التركية في ولايات عدة جنوب وشرق الأناضول، ومنها أغدر وآغرلي وأردهان وماردين، أسفرت عن مقتل أحد الموظفين المدنيين، وجرح مدنيين آخرين وشرطي.

لا ترجح المعطيات على الأرض، حتى الآن، عودة الحرب بين الكردستاني وأنقرة إلى الأراضي التركية. فالوضع لم يعد كما كان عليه قبل عام 2012. الكردستاني منهك عسكرياً ومتورط في حرب أقليمية على جبهات عدة مع "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) سواء في العراق أو سورية عبر جناحه السوري حزب "الاتحاد الديمقراطي". كما أن حزب "الشعوب الديمقراطي" بنى نجاحه على التنمية والارتياح الشعبي اللذين رافقا وساطته في عملية السلام، والتي أسفرت عن وقف إطلاق النار. لذلك، فإن أي عودة للتصعيد العسكري قد تعيد فتح النزاعات القديمة وتهدد الحزب بخسارة أصوات اليمين الكردي واليسار التركي التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة والتي أوصلته بقائمة حزبية إلى البرلمان.

اقرأ أيضاً: انطلاق ماراثون تشكيل الحكومة التركية الاثنين