ليبيا: خلفيات استهداف حفتر لمدينة سرت وتحركات "الوفاق" لاستعادتها

07 يناير 2020
حفتر يستبق التدخل التركي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
في وقت تستعد قوات الجيش الليبي، بقيادة حكومة الوفاق، لاستعادة مدينة سرت بعد سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عليها، أمس، تشير تقديرات المراقبين إلى أن الخطوة تأتي في إطار تقليل الضغط العسكري الذي تتعرض له قوات حفتر في محيط طرابلس.

ويغلب الهدوء على المحاور في محيط طرابلس الجنوبي، اليوم الثلاثاء، باستثناء ضربات مدفعية متقطعة في محور طريق المطار، بحسب مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب".

وأكدت مصادر عسكرية مطلعة في وقت سابق، لــ"العربي الجديد"، بدء تدفق تحشيدات وإمدادات عسكرية لمواقع قوات الحكومة في الحدود الإدارية لمدينة سرت، بعدما كلف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق العميد إبراهيم "بيت المال" بتشكيل غرفة عمليات سرت الجفرة.

وأكدت المصادر ذاتها أن أي مواجهات عسكرية لم تحدث حتى الآن في محيط سرت في انتظار أوامر غرفة العمليات، لكنها قالت إن "قوات حفتر التي تسيطر على سرت تواصل حشد التعزيزات من جانبها استعداداً لمواجهات وشيكة".

ورجح الخبير العسكري الليبي، الصيد عبد الحفيظ، أن تستميت قوات حفتر في الدفاع عن وجودها في سرت.

وبحسب قراءة عبد الحفيظ لتحولات الوضع العسكري، فإن إقدام حفتر على الخطوة العسكرية المفاجئة باتجاه سرت يهدف إلى كسب الوقت لتعزيز مواقع جنوب طرابلس، التي تعاني نقصاً شديداً في المقاتلين، وباتت تعتمد على العمليات النوعية في شكل تسلل لإحداث اختراق في دفاعات قوات الحكومة من جانب، ومن جانب آخر محاولة جر قوات مدينة مصراته، التي تعتمد عليها حكومة الوفاق بشكل كبير في معركة طرابلس، إلى ساحات أخرى.

وفيما كانت مصادر مقربة من حفتر قد تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن بدء إجراءات جديدة لقيادة قوات حفتر مطلع الشهر الجاري، تقضي بتغيير كبير في مواقع قواته، وسحبها إلى مواقع أكثر أمناً تحسباً لوصول قوات تركية لدعم قوات الوفاق، قالت تلك المصادر إن حفتر يصر على الاستمرار في القتال على خلاف وجهة النظر المصرية، التي حاولت إقناعه بخيار التراجع عن القتال والقبول بأي تسوية سياسية.

في السياق، نفذت قوات حفتر عملية عسكرية بالتزامن مع انتفاضة خلايا نائمة موالية لها في سرت، بحسب تصريحات الناطق الرسمي باسم قوة حماية وتأمين سرت طه حديد.

وأشارت تصريحات المتحدث ذاته إلى رغبة قوى مصراته العسكرية في استعادة سرت إثر نجاح حفتر في تحييد جزء من القوة التي تهدد مواقعه في جنوب طرابلس.

وتحظى مدينة سرت بأهمية استراتيجية، إذ تتوسط المسافة بين طرابلس وبنغازي في شمال البلاد، كما أنها تطل على شبكات الطرقات الصحراوية المارة جنوب مدن الشريط الساحلي، وتشرف ببضع كيلومترات على منطقة الهلال النفطي الغنية بالنفط والموارد.


واتخذ تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة سرت عاصمة لدولته مطلع عام 2015، لكن وبعد تنفيذه عدة عمليات انتحارية بالقرب من مصراته، ومحاولة بعض مسلحيه الوصول إلى منطقة السدادة (90 كم جنوب شرق مصراته)، أطلقت قوى المدينة عملية عسكرية تمكنت خلالها من طرده بعد قتال دام ثمانية أشهر أطلق عليها عملية "البنيان المرصوص".

واتهمت عدة أوساط ليبية حفتر بإجراء اتصالات مع التنظيم المتطرف، أو على الأقل تقديم التسهيلات له. فبعد تمكن مجلس شورى درنة من طرد التنظيم من مدينة درنة في يوليو/تموز 2015، أبدى الرأي العام المحلي والدولي استغرابه من قدرة مقاتلي التنظيم على الفرار من درنة رفقة 100 سيارة مسلحة إلى مدينة سرت، التي تبعد عنها مسافة 700 كم دون أن تعترضها قوات حفتر، رغم امتلاكها خمس نقاط عسكرية، من بينها قواعد تتوفر على طائرات حربية.

وترى الصحافية الليبية نجاح الترهوني، في حديثها لــ"العربي الجديد"، أن هجوم حفتر على سرت، أمس، يأتي لمواصلة محاولات للضغط على مصراته وتشتيتها، فـ"تيسير وصول كل هذه القوة من درنة إلى سرت كان الهدف منه تهديد مصراته التي شكلت طيلة حروب حفتر عرقلة حقيقية له أجلت مشروع سيطرته العسكرية على البلاد".

وبحسب الخبير العسكري عبد الحفيظ، فإن اتجاه حفتر لسرت يخدم مصالح أخرى لمشروعه العسكري، من بينها استفادته من ميناء المدينة، وبشكل أكبر استفادته من قاعدة القرضابية، أكبر قاعدة في البلاد، لتشكل رفقة الوطية، غرب طرابلس، والجفرة جنوبها، طوقا خلفيا داعما لقواته في خطوطها الأمامية من جانب، كما أنها ستوفر طريقاً جديداً لوصول إمدادات الدعم الخارجي الذي يتلقاه من حلفائه، كما أنه "سيوحي بسيطرته على سرت بالقوة للمجتمع الدولي وقدرته على الوجود في أكثر من مكان لإعادة الثقة التي فقدها لدى بعض العواصم المهمة".

وفي وقت يعتقد عبد الحفيظ أن "حفتر بعدما فشلت المهلة التي أعلن عنها لمصراته، التي طالبها بسحب قواتها من طرابلس وسرت، يبدو أنه يحاول فرضها واقعيا، كما أنه سيؤمن أي تهديد قد تشكله مصراته لقاعدة الجفرة التي تعتبر مقر قيادته الرئيسية للمعارك في غرب البلاد"، ترى الترهوني من جانبها، أنه "بالإضافة إلى المكاسب العسكرية، فهناك مكاسب سياسية، فخروج سرت من قبضة حكومة الوفاق يعني تأمين منطقة الهلال النفطي بشكل نهائي، وهو ما سيحسن موقعه في طاولة التفاوض السياسي إذا اتجهت الأوضاع لفرضها".

مقابل ذلك، تقول الترهوني إن نجاح قوات الحكومة في استعادة سرت "سيشكل ضربة قاسية لمشروع حفتر العسكري والسياسي، خصوصا مع عودة اشتعال المعارك في محيط طرابلس بعد وصول طلائع الدعم العسكري التركي".


وأشارت تصريحات آمر قوة الإسناد بعملية "بركان الغضب"، ناصر عمار، إلى دعم تركي عسكري لقوات الحكومة.

وأكد عمار، في تصريحات لقناة "الجزيرة مباشر"، أمس الاثنين، أن "هذه القوة عبارة عن فنيين ومتخصصين وخبراء اتصالات وتقنيات التشويش، وتركيب منظومات الدفاع الجوي لمواجهة الطائرات، بالإضافة إلى وصول الكثير من الأسلحة المتطورة للتعامل مع طائرات قوات حفتر"، لافتا إلى أن "قوات الحكومة أصبحت لديها القدرة على إسقاط كل الطائرات، وسلاحنا الجوي يتحرك بكل أريحية".​