مصر: 37 مليون دولار تكلفة منتدى "شباب العالم"

17 ديسمبر 2019
يهدف السيسي إلى تجميل صورة نظامه (العربي الجديد)
+ الخط -
كشف مصدر مطّلع في اللجنة المنظمة لمنتدى "شباب العالم"، التي تخضع للإشراف المباشر لمكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن تكلفة النسخة الثالثة من المنتدى المنعقد حالياً في منتجع شرم الشيخ، تجاوزت 600 مليون جنيه (ما يعادل 37.22 مليون دولار تقريباً)، تحمّل الجانب الأكبر منها المصرف الأهلي المصري، ومصرف مصر، ومصرف القاهرة، وهي مصارف حكومية، بالإضافة إلى شركة "وي" للاتصالات، التي تستحوذ الاستخبارات على حصة حاكمة فيها.

وقال المصدر، في حديثٍ خاص مع "العربي الجديد"، إن تكلفة المنتدى شملت استضافة أكثر من سبعة آلاف شاب وإعلامي ومسؤول ورجل أمن من مختلف دول العالم، لمناقشة بعض الموضوعات المُحددة سلفاً من خلال 24 جلسة، تُعقد في تسع قاعات بمركز المؤتمرات الدولي على مدار أربعة أيام. وأشار المصدر إلى أن عدد الإعلاميين والصحافيين المدعوين من مصر تجاوز الـ800 هذا العام، وهو رقم غير مسبوق، مقارنة بالنسختين السابقتين من المنتدى.

وأضاف المصدر أنّ مجموعة العمل في اللجنة المنظمة للمنتدى، تخضع في النسخة الحالية للإشراف المباشر من جانب المقدم أحمد شعبان، الضابط المنتدب من الاستخبارات الحربية إلى مؤسسة الرئاسة، والذراع اليمنى لرئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، مشيراً إلى أن شعبان هو من يُشرف بنفسه على كل الفعاليات داخل المنتدى، بمعاونة مجموعة مصغرة من المنسقين الإعلاميين التابعين لأجهزة في الدولة.

وأفاد المصدر بأن تكاليف المنتدى تضمنت مصاريف الطيران والإقامة في فنادق ذات تصنيف 5 نجوم، للآلاف من الشباب المشاركين من خارج مصر، مشيراً إلى أن أسعار الإقامة في الفنادق المجاورة لمركز المؤتمرات الدولي، سواء في خليج نبق أو خليج نعمة، راوحت بين 900 و2000 جنيه لليلة الواحدة، علماً أن أقل مدة محجوزة لأي مدعو من داخل مصر أو خارجها كانت خمس ليالٍ.

وبالنسبة إلى المدعوين من مصر، قال المصدر إن رحلة الطيران على الشركة الوطنية "مصر للطيران" والشركات الخاصة من مطار القاهرة إلى مطار شرم الشيخ الدولي تكلفت نحو 3500 جنيه للفرد في المتوسط، ذهاباً وإياباً. ولفت إلى أن تجهيزات المنتدى من قاعات وتأمين وحملات دعاية وإعلان في مختلف وسائل الإعلام، قد تزيد على نصف التكلفة الإجمالية للنسخة الثالثة من المنتدى، بحسب المصدر.


وبحسب تعبير برلماني مصري، فإن السيسي "يواصل إهدار أموال المصريين على إقامة مؤتمرات باهظة التكاليف لا طائل منها"، إذ تتزامن النسخة الحالية من منتدى "شباب العالم" مع هجمة أمنية شرسة شنتها أجهزة الأمن المصرية، في أعقاب التظاهرات المطالبة برحيل رئيس البلاد من الحكم يومي 20 و27 سبتمبر/ أيلول الماضي، وهي الحملة التي أدت إلى اعتقال أكثر من أربعة آلاف شاب.

في السياق ذاته، استبعد مصدر نيابي في تكتل (25-30) المعارض، تقدم أحد أعضاء البرلمان باستجواب أو بطلب إحاطة إلى الحكومة بشأن التكلفة الضخمة للمنتدى، وذلك لأسباب عدة، من بينها غياب الشفافية حول حقيقة المبالغ المصروفة، والهيئات والجهات الممولة للمنتدى على وجه الدقة، فضلاً عن الآليات التي اختير الحضور على أساسها، سواء من داخل مصر أو خارجها.

وقال المصدر، لـ"العربي الجديد"، إن المصرف المركزي المصري هو الجهة المنوط بها مراقبة أعمال المصارف الحكومية والخاصة، وبالتالي لا يمكن مجلس النواب مناقشة أوجه صرف تلك المصارف لعدم الاختصاص. وأشار في هذا الصدد إلى أن توجيه الاستجواب يكون لرئيس الحكومة، أو لأحد نوابه، أو لأحد الوزراء، أو لنوابهم - على سبيل الحصر - لمحاسبتهم في أي شأنٍ من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم، بحسب اللائحة المنظمة.

ونبّه المصدر إلى أن مسألة تمويل منتدى "شباب العالم" موضوع "شائك" لن يفضي إلى شيء ملموس في نهاية الأمر، وبالتالي لن يغامر أحد النواب بفتحه تحت قبة البرلمان، حتى وإن كان محسوباً على المعارضة. وتخضع اللجنة المنظمة للمنتدى مباشرةً لإشراف مؤسسة الرئاسة، وهي المؤسسة التي تخضع بدورها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، في ما يخص أوجه صرفها.

وتمرّ الدولة المصرية بأوضاع اقتصادية صعبة تفاقمت منذ قدوم السيسي إلى الحكم عام 2014، ووصلت إلى ذروتها بفقدان العملة المحلية (الجنيه) أكثر من نصف قيمتها عقب قرار تحرير سعر الصرف قبل ثلاث سنوات، وسط دعاوى حكومية بشأن ضرورة ترشيد الإنفاق العام، ولا سيما مع ارتفاع نسبة العجز في الموازنة العامة، وتجاوز الدين الخارجي 109 مليارات دولار بنهاية يونيو/ حزيران الماضي، وفق الأرقام الرسمية.

في غضون ذلك، قال مصدر بارز في حزب "مستقبل وطن"، الذي يستحوذ على الأكثرية البرلمانية، إن تمويل منتدى "شباب العالم" لا يقتصر على بعض المصارف الحكومية، بل يشمل مؤسسات أخرى شاركت في عملية التمويل مثل المصرف التجاري الدولي، والمصرف المتحد، ومجموعة "طلعت مصطفى للتطوير العقاري"، معتبراً أن مجلس النواب غير مختص بالرقابة على أوجه صرف الجهات غير الحكومية منها.

وأضاف المصدر أن المنتدى هو فعالية سنوية يحضرها الآلاف من الشباب حول العالم في مدينة شرم الشيخ، وهو ما يروج بلا شك للسياحة المصرية، ويؤكد تمتع مصر بمعدلات عالية من الأمن في مناطق سيناء، لافتاً إلى أن تكاليف إقامة المنتدى غير معلومة للرأي العام لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وهو أمر مقبول في ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد حالياً، على حدّ قوله. وزاد قائلاً: "الدولة المصرية مستهدفة من أنصار جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من تيارات المعارضة الموالية لها، التي ستستغل إعلان تكاليف إقامة المنتدى في توجيه سهام النقد إلى رئيس الجمهورية"، مستطرداً بأن "الأخير يعي جيداً المكاسب العديدة التي ستعود على مصر من وراء إقامة المنتدى، من دون أن تتحمل الخزانة العامة للدولة جنيهاً واحداً من تكاليف إقامته".

ويرى خبراء أن توسّع السيسي في إقامة المؤتمرات والمنتديات على مدار العام، يستهدف في المقام الأول الترويج الإعلامي له، وتجميل صورة نظامه أمام الخارج، وليس مناقشة قضايا الشباب على وجه الحقيقة، في ظل تصاعد حدة الانتقادات الدولية للنظام المصري جراء تقييد الحريات، وانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة إزاء المعارضين، بما تشمله من تصفية جسدية، وتعذيب في السجون، وإخفاء قسري.




 

 

المساهمون