وقد حرص الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال، فيما صمتت غالبية المستويات العليا في الجيش والحكومة، على التأكيد على نوعية عملية إخراج جنود الوحدة السرية من القطاع، وعدم وقوعهم بالأسر بعد افتضاح أمرهم ودخولهم في معركة واشتباك عسكري مع عناصر المقاومة، أسفرت عن استشهاد القائد في كتائب عز الدين القسام، نور الدين بركة، وحارسه الشخصي، مقابل مقتل قائد الوحدة الإسرائيلية، وإصابة جندي آخر، قبل استدعاء المساندة الجوية من قوات الاحتلال.
وحرص الجيش الإسرائيلي وناطقه العسكري على محاولة نفي أن يكون هدف العملية السرية، أمس، اختطاف قيادي بارز في حركة حماس، أو جناحها العسكري، والتستر وراء مقولات إن العملية الليلية، الفاشلة عمليا، لم تكن تهدف لاختطاف أو اغتيال قائد فلسطيني، بل كانت على غرار عمليات سرية سابقة نفذ مثلها جيش الاحتلال أكثر من مرة، دون أن يكتشف أمرها.
إلى ذلك، حرص رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على تجنب الخوض في ملابسات العملية ونتائجها، والتأكيد على دين إسرائيل وشعبها للمقدم الذي سقط في الاشتباك مع عناصر المقاومة، والذي فضحت شبكات التواصل الاجتماعية في إسرائيل، وفي قريته، أنه من قرية حرفيش ذات الغالبية من الدروز في أعالي الجليل، ويدعى محمود خير الدين.
في المقابل، حاول الإعلام الإسرائيلي، وقادة عسكريون في الجيش، وجنرالات سابقون، إبراز أن استشهاد نور الدين بركة لم يكن الهدف من العملية، بل نتيجة للاشتباك مع قوة الجيش بعد افتضاح أمرها، وأن هدف العملية، على ما يبدو، يرتبط بالجوانب الاستخباراتية وجمع المعلومات "الحساسة والحرجة"، بحسب التعبير الذي استخدمه موقع "والاه" الإسرائيلي اليوم، مع إشارته إلى أن العملية كانت وفق قرار من رئيس أركان الجيش غادي أيزنكوط، وأقرها كل من ليبرمان ونتنياهو.
وحاول خبراء ومحللون إسرائيليون استبعاد أن يكون التوقيت للعملية مقصودا، بحجة أن نتنياهو كان قد برر، قبل ساعات معدودة من العملية، في مؤتمره الصحافي في باريس، تحويل المنحة القطرية إلى غزة وادعائه بأنه يحاول تحقيق هدف الهدوء والعودة بالأوضاع على حدود قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل التاسع والعشرين من مارس/ آذار (قبل انطلاق مسيرات العودة في يوم الأرض)، وبين محاولة تفادي حرب جديدة اعتبر نتنياهو أنها "ستكون فائضة عن الحاجة".
ويبدو أن أثر العملية، وخاصة مقتل المقدم الإسرائيلي في الجيش، ليس واضحا، لكن لا شك أنه سيكون حاسما في كل ما يتعلق بالحسابات العسكرية والميدانية لجيش الاحتلال في محاولاته لتنفيذ عمليات استخباراتية وجمع معلومات داخل قطاع غزة، على الأقل في القريب العاجل.
وقد كان السبب الرئيسي لفشل العملية، بالرغم من الثمن الفلسطيني الباهظ بسقوط سبعة شهداء، هو عمليا يقظة عناصر حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في خان يونس، التي أدت إلى اكتشاف عناصر الفرقة الإسرائيلية التي دخلت خان يونس، وصولا إلى مسجد الشيخ إسماعيل أبو شنب، وبالتالي الاشتباك مع أفراد الفرقة، ومن ثم تدخل الطيران الحربي لجيش الاحتلال لإخراج عناصره من الموقع كي لا يتم أسرهم.
وفي مقابل ترديد المعلومات المتواصلة عن جلسات المشاورات الأمنية والسياسية، فقد كانت بارزة محاولة "محللين" مستقلين للوهلة الأولى، رغم أنهم شغلوا مناصب رفيعة في السابق، مثل رئيس أركان الجيش السابق بني غانتس، ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق يعقوف عامي درور، التركيز على أن المضي في مسار الاتصالات للوصول إلى تهدئة طويلة الأمد، بحسب بني غانتس، وقصيرة وفقا لعامي درور، هو مصلحة مشتركة للطرفين، لكن مع الإشارة في الوقت ذاته إلى أن هذا سيكون مرهونا بقرار من حركة حماس.
وعلى هذا الأساس، جاءت مسارعة جيش الاحتلال لتعزيز القوات في محيط قطاع غزة، وتعطيل الدراسة في المستوطنات في محيط القطاع، ووقف حركة القطارات إلى جنوب سدروت، مع نشر بطاريات القبة الحديدية، تحسبا لرد فلسطيني متواصل يتعدى الـ17 صاروخا التي قال الاحتلال إنه تم إطلاقها الليلة الماضية باتجاه إسرائيل.
وتعني هذه التقديرات تكثيفا لجهود الوساطة المصرية ومساعي الطرف المصري لدى حماس باحتواء العملية، وعدم التصعيد تحسبا لتدهور الأوضاع باتجاه مواجهة عسكرية شاملة، فيما يبدو أن حكومة الاحتلال في حالة تخبط بانتظار الرد الذي سيأتي من حماس، وهل سيكون ذلك بإطلاق المزيد من القذائف باتجاه دولة الاحتلال، أم إفساح المجال للمساعي المصرية، مكتفية بالإنجازات التي حققتها بمجرد كشف عناصر الوحدة الإسرائيلية والتصدي لنشاطها السري في القطاع.