كشفت مصادر مصرية مطلعة، بعضها في ديوان وزارة الخارجية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة المخابراتية التي تتولى التعامل مع الملف السوداني بإشراف مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، أبلغت المجلس العسكري الانتقالي في السودان، باستعداد مصر لتوفير الأيدي العاملة اللازمة لسد احتياجات الحكومة السودانية في الوظائف القيادية والفنية بالمرافق الحيوية الأكثر أهمية وخطورة، حتى لا يتعطل العمل بها جراء العصيان المدني الذي بدأته قوى المعارضة، بهدف إجبار المجلس العسكري على إنهاء المرحلة الانتقالية والتخلي عن خططه للاستئثار بالحكم في السودان". ووفقاً للمصادر فإن "المقترح المصري لا يتوقف عند حد إظهار الدعم أو إشعار المجلس العسكري بقوة موقفه ضد المعارضة، بل هو عرض جاد ومرجح دخوله حيز التنفيذ، خصوصاً على مستوى قطاعات الطيران المدني والكهرباء والبترول والصحة، للمساعدة في سد الاحتياجات وانتظام العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى إظهار محدودية تأثير الدعوات للعصيان المدني وقدرة المجلس العسكري على تلافيها، وذلك بعدما سجل اليوم الأول استجابة واسعة من المواطنين، إذ عمّ الشلل العاصمة الخرطوم وأغلب المناطق السودانية".
في غضون ذلك، ذكرت المصادر، أمس الأحد، أن "إلقاء القبض على بعض الشخصيات السودانية، تحديداً من الذين اجتمعوا برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عقب مغادرته السودان مساء الجمعة الماضي، جاء بمباركة القاهرة، وتنفيذاً لنصيحة مصرية لتوجيه رسالة لأحمد مفادها عدم قبول المجلس العسكري جهود الوساطة التي حاول بذلها، فضلاً عن وقف الاتصالات التي تبين أنها جرت الفترة الماضية بين شخصيات معارضة سودانية وأديس أبابا، على عكس رضا المجلس العسكري ومن خلفه القاهرة التي باتت العاصمة الأكثر دعماً لـ(رئيس المجلس العسكري الانتقالي) عبد الفتاح البرهان ورفاقه حالياً".
وأوضحت المصادر أن "مصر انزعجت بشدة بسبب محاولات إثيوبيا الدخول على خط الأزمة السودانية في محاولة لإعادة إنتاج العلاقة الجيدة التي كانت تجمع أبي أحمد بالرئيس المخلوع عمر البشير. وهي العلاقة التي كانت تزعج عبد الفتاح السيسي بسبب انعكاساتها على ملف سدّ النهضة، على الرغم من نجاحه نسبياً في اختراقها وتحسين علاقته بعمر البشير في العام السابق على اندلاع الثورة السودانية".
وتخشى مصر، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد" أن "تكتسب إثيوبيا، المناوئة لها، مساحات نفوذ جديدة خاصة في السودان، إذا نجحت، في ما لم يصمد فيه نفوذ مصر. فقرار عدم تعليق عضوية السودان لمدة 3 أشهر في الاتحاد صدر بناء على جهود مصرية واتصالات عديدة، كانت القاهرة محورها مع عواصم أفريقية وأوروبية، لكن هذا القرار لم يصمد على وقع فض اعتصام القيادة العامة بهذه الصورة الدموية التي أضعفت مصداقية وموثوقية المجلس الانتقالي لدى مجلس السلم والأمن التابع للمنظمة القارية".
ويبرز في هذا السياق التناقض بين موقفي القاهرة وأديس أبابا تجاه الأحداث في الخرطوم، فالأولى تعتبر أنه لا حل إلا في استمرار المجلس العسكري وتريد تطويع الظروف الإقليمية لفرض هذا الحل بقوة الأمر الواقع، أما رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد فيرى أن الوقت أصبح متأخراً لفرض حلول كهذه ويرغب في إقناع المجلس العسكري بتقديم تنازلات كمفتاح لحل أطول عمراً، ويضمن كذلك نفوذاً سياسياً لبلاده في الجار الجنوبي لمصر.