انتكاسة للمصالحة الفلسطينية: مصر تتدخل لتحديد المسؤول

28 نوفمبر 2017
تتواصل العقوبات على قطاع غزة (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
انقلب التفاؤل الحذر بشأن المصالحة الفلسطينية إلى تشاؤم مُفرط، بعد التصريحات والردود عليها التي صدرت عن قياديين في حركتي "فتح" و"حماس" خلال الأيام الماضية.

بدأت التصريحات من القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل، الذي شن هجوماً لاذعاً على السلطة وقيادات "فتح" الذين غيروا مسار اللقاءات الأخيرة في القاهرة في 21 و22 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والتي كان يفترض أنّ تناقش ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ككل، واقتصرتها "فتح" على ملف تمكين الحكومة.

ورد القياديان في "فتح" حسين الشيخ وعزام الأحمد على البردويل بعنف، ودعا الأخير حركة "حماس" لتقول لموظفيها "الزموا بيوتكم"، ومن ثم تسلم الوزارات والأمن وكل شيء لحكومة الوفاق الوطني، فيما قال الشيخ إنّ السلطة تريد سلاحاً واحداً في غزة.

وعادت "حماس" لترد عبر مؤتمر صحافي، أمس الإثنين، لعضو مكتبها السياسي، خليل الحية، الذي أكدّ أنّ حركته ماضية في المصالحة وتطبيق ما اتفق عليه، مع تجديد الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بدل حكومة الوفاق التي وصفها بـ"العرجاء"، والدعوة لوقف السجال الإعلامي.

ولم تتوقف التصريحات عند هذا الحد، ففتحت وسائل إعلام كل طرف منابرها للهجوم على الآخر، بعد أكثر من شهر من التهدئة الإعلامية بين الجانبين. وعاد السجال الإعلامي ليسيطر على المشهد، الأمر الذي استدعى من مصر إرسال وفد أمني للضفة ومن ثم لغزة، لمتابعة تمكين الحكومة، وتحميل الطرف المسؤول عن التعطيل مسؤولية ما يجري.

ويمكن القول، إنّ المصالحة الفلسطينية كانت تسير ببطء، لكنها لم تكن متعثرة، إلى أنّ جاء اللقاء بين الرئيس محمود عباس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخيراً، ما قلب الموازين، وغيّر من لهجة السلطة تجاه ملف المصالحة وإنهاء الانقسام.

ورغم أنّ اللقاء لم يتسرب عنه الكثير، إلا أنّ المعطيات التي جاءت بعده تؤكد أنّ السعودية وضعت شروطاً لتمويل المصالحة الفلسطينية ومضيّها للأمام، من بينها ما نشرته "العربي الجديد" قبل أيام، عن طلبها قطع الاتصال بين "حماس" وإيران وحزب الله.

وهو ما يشير إليه الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، الذي يعتبر تصريحات حركة "فتح" الأخيرة انقلاباً غير مباشر على المصالحة، وخطوة للوراء تتخذها السلطة والحركة في هذه المرحلة، لا سيما بعد الزيارة الأخيرة للرئيس عباس إلى السعودية.

ويقول المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه رغم عدم المعرفة والإلمام بطبيعة ما جرى في الزيارة الأخيرة للسعودية، إلا أن هناك تغيراً حقيقياً في التصريحات والخطوات وحتى مسؤولي السلطة تراجع تواجدهم وحضورهم في القطاع وهذا يعطي صورة أن فتح مترددة ومتباطئة بالمضي في ملف المصالحة. ويلفت إلى أنه يوجد إما ضغوط أو خوف وتخوف من المصالحة والشراكة والدخول في العمليات الحقيقة للمصالحة كتفعيل التشريعي والذهاب إلى انتخابات والاتفاق على مجلس وطني وترتيب المنظمة وكل هذه الاستحقاقات تخشاها حركة "فتح".

ويؤكد المدهون، أن هناك حاجة إلى تدخل قوي من الراعي المصري بالإضافة إلى ضغوط شعبية وفصائلية على السلطة الفلسطينية ودفعها إلى تحقيق الواجبات التي عليها، لا سيما أن "حماس" تم الضغط عليها وتم تسليم الوزارات وحل اللجنة وتسليم المعابر لحكومة الوفاق. ويشير إلى أن هذه الضغوط يجب أن تتمثل في وقف الإجراءات والعقوبات الانتقامية التي اتخذت من قبل عباس والحكومة خلال الشهور الماضية والتي أسهمت في زيادة تردي الأوضاع المعيشية عبر تقليص الكهرباء وقرارات التقاعد الإجباري وخصومات الرواتب من الموظفين.

ووفقاً للمدهون، فإن الوسيط المصري، حتى اللحظة، يقوم بما عليه خصوصاً أنه يوجد ضغوط أميركية وإسرائيلية لإفشال المصالحة، وألا تكون مصر حرة في رعايتها للمصالحة. كما يبدو أن السلطة غير معنية في التقدم في هذا الملف، وهو ما قد ينتج عنه خيارات صعبة.

وعن طبيعة الخيارات التي ستحدث حال تعثرت المصالحة، ينوه المدهون إلى أن خيارات الفراغ الإداري أو التوافق الفصائلي برعاية مصرية ستكون حاضرة، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه عبر مصالحة بالحد الأدنى لكن الأمر قد يتطور إلى مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي.

وفي السياق نفسه، يشير الكاتب والمحلل السياسي، ثابت العمور، إلى أنّ مصر لديها مصلحة بأداء دور إقليمي عبر القضية الفلسطينية، وهي تمتلك أوراق ضغط على الطرفين، لكنها مشغولة أيضاً بقضاياها الداخلية.

وإن لم تكن هناك رغبة حقيقية لدى "فتح" وعباس و"حماس" في المصالحة وإتمام ملفاتها، لن تستطيع مصر إجبارهم على التصالح، لكنها قد تستدعي القيادي المطرود من "فتح" محمد دحلان للمشهد من جديد، وهو أمر متوقع ومرتقب، وفق حديث العمور لـ"العربي الجديد".

ويتوقع العمور أنّ يتم التسريع في عودة تفاهمات دحلان و"حماس" الأخيرة، والتي تم تجميدها، إن لم يكن عباس جاداً في الوصول لتفاهمات تنهي قضية الانقسام، وتعيد المصالحة لسكتها التي كانت تسير عليها قبل شهر.

وبالنسبة للعمور، "نحن اليوم أمام مرحلة لا انقسام ولا مصالحة"، وهذا خطير لأنه سيؤدي لتآكل قناعة الناس بحركتي فتح وحماس، ولا يمكن الاستغراق في المصالحة لهذا الحد وترك الاحتلال الإسرائيلي يتغول ويُهوِد، فالأصل مواجهة الاحتلال وليس الانقسام والتمكين".

 

المساهمون