عودة السفارة البريطانية لإيران اليوم: خطوة أولى لتطبيع العلاقات

23 اغسطس 2015
لقاء روحاني وكاميرون العام الماضي (Getty)
+ الخط -

تستقبل طهران، اليوم الأحد، وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، الذي سيشارك بمراسم احتفالية "بسيطة"، بحسب ما وصفها مسؤولون في إيران، لإعادة فتح السفارة البريطانية الواقعة في أحد الأحياء، جنوبي العاصمة. كما ستكتفي كل من طهران ولندن، مبدئياً، بتعيين رسمي وثابت لقائمين بالأعمال، من دون تعيين سفراء في كلا العاصمتين.

إعادة فتح سفارتي البلدين المغلقتين منذ عام 2011، خطوة رحّبت بها الحكومة الإيرانية المعتدلة منذ تشكيلها، برئاسة حسن روحاني، قبل عامين تقريباً، والتي تحوّلت إلى خطوة عملية بعد توصل إيران إلى اتفاقها النووي مع دول مجموعة "5+1" منتصف شهر يوليو/تموز الماضي. وفي حين يصف مسؤولون في الحكومة الإيرانية هذه الخطوة بـ"الإيجابية"، يحذّر آخرون من تداعيات هذه الخطوة مستقبلاً، ولا سيما أنّ بريطانيا لم تغيّر بشكل جذري من سياساتها إزاء إيران، كما يقول هؤلاء، وهم المنتمون في غالبيتهم إلى التيار المحافظ المتشدد.

ولطالما تأثرت العلاقات بين البلدين بشكل سلبي بسبب عدد من الملفات، وكان أحدها تجميد بريطانيا حسابات إيرانية بقيمة 1.6 مليار دولار في عام 2009، بسبب الحظر المفروض على البلاد إزاء برنامجها النووي. في المقابل، قامت طهران في العام نفسه، بطرد دبلوماسيين بريطانيين رداً على تجميد أموالها.

وفي العام ذاته أيضاً، انطلقت احتجاجات "الحركة الخضراء"، التي تزعمها المرشح الرئاسي الإصلاحي، مير حسين موسوي، بعد خسارته أمام الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، مشكّكاً بنزاهة الانتخابات. آنذاك، قال السفير البريطاني في طهران، سيمون غاس، إن "السلطات الإيرانية تحرم شعبها من الحريات الأساسية"، مما أثار حفيظة كثيرين في الداخل الإيراني، ومنهم من دعا إلى قطع العلاقات مع هذا البلد الذي يحرّض على "الفتنة"، بحسب وصفهم.

عادت بريطانيا في عام 2011 إلى فرض عقوبات مالية على إيران، وأوقفت التعامل مع البنك المركزي الإيراني، فصوّت البرلمان الإيراني على خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي البريطاني في طهران، مما مهّد لطرد السفير، وشجّع طلاباً إيرانيين على اقتحام السفارة وحرق عدد من وثائقها، ومنذ ذاك الوقت تم إغلاق السفارتين في كلا البلدين.

تكرّر طرد الدبلوماسيين وإغلاق السفارات أكثر من مرة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979. لكن العلاقات التي يصفها الإيرانيون بـ"المرّة"، يعود تاريخها إلى ما قبل ذلك، إذ إن الاستعمار البريطاني كان له دور أساسي في تقسيم البلاد ومصادرة ثرواتها، ودعم حكم الشاهنشاهية قبل انتصار الثورة.

لكن اللقاء الثنائي بين روحاني ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول العام الماضي، كسر الجليد نسبياً بين الطرفين. كان اللقاء الأول بين مسؤولين إيرانيين وبريطانيّين على هذا المستوى بعد قطيعة وعداء داما ستة وثلاثين عاماً. تحدّث روحاني وكاميرون في هذا اللقاء عن ضرورة مكافحة الإرهاب في المنطقة، فضلاً عن ضرورة حلّ مسألة البرنامج النووي الإيراني. وبعدما توصلت طهران إلى اتفاقها مع الغرب، جاءت زيارة هاموند لتحمل أبعاداً سياسية واقتصادية بالغة الأهمية.

اقرأ أيضاً: مصادر "العربي الجديد": افتتاح السفارة البريطانية في طهران الأحد

يؤكد سكرتير لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، محمد آصفري، أنّه "لا يوجد لدى إيران أي مانع من تطوير العلاقات مع كل الأطراف باستثناء إسرائيل"، مشترطاً الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية. ويضيف آصفري في حديث مع"العربي الجديد"، أنّ "التاريخ المشترك بين إيران وبريطانيا أسود، ولا يمكن أن يُمحى بين ليلة وضحاها"، موضحاً أنّ "عدم تغيير بريطانيا  سياساتها العدائية والاستفزازية إزاء إيران بشكل جذري، لن يغيّر شيئاً".

وردّاً على سؤال "العربي الجديد"، إزاء موقف البرلمان، الذي اتخذ قراراً بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية قبل أربع سنوات، ورأيه حول زيارة هاموند، وإعادة فتح السفارات، يقول آصفري إنّه "لا يستطيع أن يتحدث باسم كل النواب"، لكنه يشير إلى أن "معظم النواب يقفون في وجه السياسات الاستكبارية"، على الرغم من تأكيده، في الوقت عينه، على أهمية هذه الزيارة بالنسبة لإيران سياسياً واقتصادياً.

قرار البرلمان بخفض مستوى التمثيل بين البلدين لا يحتاج إلى قرار بديل للسماح بتعيين سفير عوضاً عن قائم بالأعمال في وقت لاحق، بحسب تصريحات من مكتب الرئاسة الإيرانية، التي صدرت في وقت سابق. لكن هذا لا يلغي وجود اختلافات في وجهات النظر في الداخل الإيراني، وانتقادات موجّهة للحكومة، كما بدا واضحاً خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إلى إيران أخيراً. ويتوقع مراقبون تصاعد الانتقادات بسبب استقبال هاموند.

وكان المسؤول في مؤسسة قوات التعبئة، "الباسيج"، سهراب صلاحي، قد قال في حديث لوكالة "فارس" الإيرانية، أخيراً، إنّ "بريطانيا تدخلت بشكل مباشر في احتجاجات عام 2009"، مضيفاً أنّ "لندن لم تغيّر وجهات نظرها إزاء إيران، وعلى الحكومة الحالية أن تراجع سياساتها". وذكّر صلاحي في حديثه بالانقلاب الذي أسقط حكومة، محمد مصدق، في إيران في 19 أغسطس/آب 1953، وهو الانقلاب الذي استهدف الثورة الدستورية، وقادته الاستخبارات الأميركية والبريطانية خلال عملية عُرفت بـ"أجاكس". تتذكر إيران هذه المؤامرة التي خلعت مصدق وتسبّبت بسجنه لمدة ثلاث سنوات، وأعادت الشاه، محمد رضا بهلوي، إلى سدة الحكم، تزامناً مع إعادة افتتاح السفارة هذا العام. ودعا صلاحي الحكومة للتنبه من مؤامرات شبيهة وعدم الثقة بالأطراف المعادية لإيران.

هذا الخلاف، وغيره، لن يساعد على تغيير مسار العلاقات الثنائية بين طهران ولندن بشكل جذري. ويعتبر رئيس كلية الدراسات والعلاقات الدولية في جامعة طهران، محمد مرندي، أنّ "الخلاف بين البلدين طويل وكبير"، مضيفاً أنّ "السبب في توجّه هاموند إلى إيران بعد الاتفاق النووي اقتصادي من جهة، لكنه سياسي من جهة أخرى". ويتابع أنّ "طهران طرف مؤثر على الساحة الإقليمية، والحرب على الإرهاب تشغل الجميع في العالم، في الوقت الحالي".

ويشير مرندي، في حديثه مع"العربي الجديد"، إلى أنّه "على الرغم من الاهتمام الدولي بالحرب على الإرهاب، إلّا أنه من غير المتوقع أن يؤثر هذا على الموقف الإيراني مما يجري في المنطقة، أو أن تصبح طهران جزءاً من التحالف الدولي ضد داعش، لا سيما في ظلّ وجود أميركا وحلفائها في المنطقة". ويتابع أنّ "كل هؤلاء، يقفون في جبهة مغايرة لإيران، التي لن تغيّر من مواقفها الاستراتيجية، والتي تعتبر أن هذا الفريق يدعم الإرهاب ويموّله".

كما لا يتوقع خبراء سياسيون أن تنعكس هذه الزيارة بشكل إيجابي وكبير على مسار العلاقات الإيرانية البريطانية، لكنهم يرون في الوقت ذاته، أنّ هذه الزيارة "ستعطي طهران أهمية سياسية قبل تلك الاقتصادية"، مشيرين إلى أنّ "هاموند الذي يصل إلى طهران اليوم على رأس وفد مكوّن من شخصيات تجارية واقتصادية، ستعمل على الاستفادة من عقود الاستثمار بعد إلغاء العقوبات عملياً، بموجب الاتفاق النووي، مما سيعطي طهران ثقلاً سياسياً إقليمياً ودولياً".

اقرأ أيضاً: إيران تستأنف العلاقات مع بريطانيا وتندد بتصريحات أميركا