تغييرات الحكومة الإيرانية بمبررات انتخابية: ولاية ثانية لروحاني أولوية

20 أكتوبر 2016
ترجيح بعدم وجود إصلاحي لمنافسة روحاني (غيلوم باين/Getty)
+ الخط -
عُقد اجتماع الهيئة الوزارية الإيرانية في حكومة الاعتدال التي يترأسها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس الأربعاء، بوجود ثلاثة مقاعد شاغرة، أحدها لوزير الثقافة والإرشاد، علي جنتي الذي تقدم باستقالته بالتزامن مع استقالة وزير الرياضة والشباب، محمود غودرزي، صاحب المقعد الثاني. أما المقعد الشاغر الثالث فيعود لوزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي، المتواجد في مدينة ثانية.  
أما وزير التربية والتعليم، علي أصغر فاني، فحضر الاجتماع بعدما نفى صباحاً "شائعات عن استقالته" في حين كانت الوكالات الإيرانية تؤكد أن اختباراً أصعب في انتظاره بعد أقل من أسبوع، بعدما وقع 45 نائباً إيرانياً على عريضة لاستدعائه لجلسة مساءلة. ولم تمض ساعات قليلة حتى كتب فاني رسالة للرئيس الإيراني أكد له فيها أنه جاهز للاستجواب البرلماني إلا إذا أراد إقالته، وهو ما حصل، بتأكيد من قبل عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني أكبر رنجبر زاده، الذي قال إن الوزارة خاطبت مجلس الشورى لتلغي موعد الاستجواب، بعدما تم تعيين سيد محمد بطحايي وكيلاً للوزارة، وتمت إقالة فاني بحسب بعض الوكالات، وقبول استقالته بحسب وكالات ثانية.

وتأتي هذه التغييرات قبيل سباق الاستحقاق الرئاسي المرتقب في مايو/أيار المقبل. وعلى ما يبدو فإن روحاني يعمل على كسب أصوات شريحة رفضت سياسات وتصريحات متعلقة بتلك الأسماء الثلاثة، فجاء تخلي الوزيرين أولاً عن منصبيهما لإرضاء المنتقدين من التيار المحافظ بالدرجة الأولى، وهو ما سيبقي الرئيس على كرسيه لدورة ثانية. ووصف رئيس جبهة الأمل الإصلاحية، محمد رضا عارف، الذي انسحب من السباق الرئاسي لصالح روحاني، هذه التغييرات بالجيدة على الرغم من تأخرها، موضحاً أنه لا بد من ترميم الحكومة بما يخدم تقاربها مع البرلمان. وفي تصريحات ملفتة، أضاف عارف أنه على الوزراء الجدد التخطيط لبرنامج مدته خمس سنوات، في إشارة صريحة منه لاحتمال قوي ببقاء روحاني في القصر الرئاسي. ويرجح البعض أنه ليس لدى الإصلاحيين خيار قد يستطيع منافسة الرجل، ليس بسبب عدم وجود تأييد شعبي، إنما بسبب عدم وجود اسم واحد يستطيع إزاحة روحاني أو منافسة مرشح محافظ قوي، ويبقى أمامهم سيناريو دعم روحاني بما يضمن عودة أقوى لمراكز حكومية.

ويرى رئيس تحرير القسم العربي في وكالة "مهر" للأنباء محمد مظهري أن دعم الإصلاحيين لتغييرات روحاني يهدف لمنع شق صف مناصري الحكومة من الإصلاحيين، ما يعني انتزاع مميزات أكبر في حكومته المقبلة، وقد يترجم هذا باقتراح أسماء إصلاحية للمناصب الشاغرة الآن أو في الحكومة المقبلة. وقال لـ"العربي الجديد" إن استقالة الوزراء إرضاء للإصلاحيين أيضاً، وليس للمحافظين وحسب، فبعضهم مستاء من عدم فتح مجال أكبر أمامهم من جهة، من دون تجاهل وجود استياء من جنتي، بالذات، الذي قدم تنازلات عدة إرضاءً للمحافظين، من جهة ثانية.

وزير الثقافة المستقيل، علي جنتي، المحسوب على تيار الاعتدال، هو نجل المحافظ المتشدد رئيس مجلس خبراء القيادة، أحمد جنتي. وقد أدلى بتصريحات فتحت نار المحافظين عليه، كان آخرها منح وزارته ترخيصاً لإقامة حفلة موسيقية في مدينة قم، مركز الحوزة العلمية والتي يقطنها غالبية رجال الدين. وتم تسريب صور من الحفلة لفتيات قيل إنهن لم يلتزمن بوضع الحجاب بالشكل المناسب، فدعا كثر لإلغاء إقامة حفلات موسيقية في قم على غرار ما حصل في مشهد. وكان جنتي قال إن الغناء مجاز للسيدات طالما أنه ليس مسبباً للفساد، في الوقت الذي يمنع فيه غناء النساء انفرادياً. كما دعا لإلغاء الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي. أما وزير الرياضة، محمود غودرزي، الذي استقال مباشرة بعد اجتماع مع روحاني، وذكر في نص استقالته المنشور الأربعاء أنه كان ينوي الرحيل عن مقعده منذ مدة، فهو سياسي إصلاحي. ورجح كثر سبب استقالته لتصريحات اتهم فيها أعضاء وشخصيات بارزة من الاتحاد الرياضي واتحاد كرة القدم بالفساد. وكان النواب منحوا الثقة لغودرزي بعد رفضهم ثلاثة أسماء أخرى اقترحها روحاني قبل أكثر من ثلاث سنوات، ومع هذا لم ينل ثقة شخصيات المجتمع الرياضي، وزاد الخلاف بينه وبين مسؤولين في وزارته نفسها.

في الوقت ذاته، يحمل ملف وزير التربية المقال الكثير من الشوائب، فهو تعرض لانتقادات بسبب تعيينات داخل وزارته وُصفت بالسياسية والموالية لتياره الإصلاحي، فضلاً عن عدم إصغائه لبعض قرارات البرلمان المتعلقة بتوظيف المزيد من الكوادر، وعدم دقة وزارته في تطبيق القوانين، ومنها عدم منح إجازة أمومة لكل المعلمات لمدة تسعة أشهر، بالإضافة إلى عدم دفع رواتب المتقاعدين بشكل منتظم. لكن وكالة "تسنيم"، المقربة من المحافظين، رأت في الأمر محاولة حكومية لاجتذاب أصوات شريحة واسعة مكونة من 14 مليوناً، هم المعلمون والطلاب، ولكل طالب عائلة مهتمة بمسار الانتخابات، واصفة الأمر باللعبة السياسية التي تستهدف كذلك الفئة المثقفة بالتركيز على إصلاحات الرئيس في هذه الوزارة.
ويرى رئيس تحرير وكالة "أنصاف نيوز"، علي أصغر شفيعيان أن هذه الاستقالات لم يكن مخططاً لها منذ فترة طويلة، معتبراً أن هذه التغييرات ملفتة في توقيتها، مضيفاً، لـ"العربي الجديد"، أن غودرزي وفاني كانا محط جدل منذ توليهما منصبيهما، مشيراً إلى أن ما حدث لم يكن بضغط من خارج الحكومة، إنما بتخطيطها. وقرأ في موقف بعض الإصلاحيين المؤيد لما يحصل بأنه تأييد ودعم مباشر لروحاني ليبقى في منصبه، فهذا أسهل من خوض معركة شرسة لن يحرزوا فيها نجاحاً مؤكداً. لكن البعض في الداخل يرى أن الأولويات لدى روحاني يجب أن تتركز على مناصب أخرى في وزارات الاقتصاد، النفط، والصناعة، فما يريده الإيراني هو تحسين مستواه المعيشي وحل مشكلات الاقتصاد وهو ما لم يلمسه في عهد روحاني حتى مع توصله إلى الاتفاق النووي، الذي أدى إلى استقرار نفسي أكثر من أن تلمس تبعاته العملية على معيشة المواطنين، وهي الورقة التي سيستخدمها مرشحو التيار المحافظ في الاستحقاق المقبل.