مصر: استنفار دبلوماسي وأمني وإعلامي ضد "هيومن رايتس ووتش"

08 سبتمبر 2017
معتقلون مصريون أثناء محاكماتهم (مصطفى الشامي/الأناضول)
+ الخط -
بدأ النظام المصري حملة إعلامية موجهة ضد منظمة "هيومن رايتس ووتش" بعد ساعات من إصدارها تقريراً يتهم النظام ووزارة الداخلية، وبصفة خاصة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، بممارسة تعذيب ممنهج بحق مدنيين لاعتبارات سياسية أو لانتزاع معلومات، مصنّفة وكأنها "جريمة ضد الإنسانية". وهو ما فتح الباب أمام ضحايا هذه الممارسات والمعارضة المصرية لمقاضاة رموز النظام الحاكم أمام المحاكم الدولية مستقبلاً. وبحسب مصادر إعلامية مصرية، صدرت تعليمات من اللواء عباس كامل، مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، للصحف الموالية للنظام وقيادات الأكثرية النيابية "دعم مصر"، لشنّ هجوم دعائي على المنظمة الحقوقية الدولية، بالتوازي مع إصدار وزارة الخارجية بياناً، مساء الثلاثاء، اتهم المنظمة بـ"غضّ البصر عن التطور الكبير الذي طرأ على ملف حقوق الإنسان في مصر في عهد السيسي"، وأنها "تحرّض على العنف من خلال بث معلومات مضللة"، غير أن البيان لم ينف الوقائع المذكورة في التقرير.

واللافت، أن وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام، وعلى رأسها وكالة الأنباء الرسمية (وكالة أنباء الشرق الأوسط) كانت قد أبرزت، منذ أيام، التقارير التي أصدرتها المنظمة لكشف وقائع جديدة لاضطهاد أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار، تزامناً مع إصدار الحكومة المصرية ممثلة في شيخ الأزهر ووزارة الخارجية ثم رئاسة الجمهورية بيانات عدة في هذا الصدد.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، إن "ردّ الفعل الرسمي على التقرير الأخير لن يقتصر على البيان الذي أصدرته الخارجية أو التصعيد الإعلامي"، كاشفة عن "إجراء اتصالات بعدد من النواب والسياسيين الأميركيين من الحزب الجمهوري، المعروفين بتأييدهم للخط السياسي لنظام السيسي لدعوتهم لتكثيف جهودهم، للحدّ من الآثار المتوقعة لهذا التقرير على زملائهم ودوائر صناعة القرار بواشنطن، وذلك تخوفاً من أن يؤدي التقرير إلى مزيد من الإجراءات الضاغطة على القاهرة لتحسين سجلها الحقوقي، ارتباطاً بالقرار الذي اتخذ الشهر الماضي بتجميد وتأجيل جزء من المساعدات العسكرية والاقتصادية".

وأضافت المصادر ذاتها أن "تعليمات صدرت للدبلوماسيين المصريين بواشنطن ونيويورك لتكثيف اتصالاتهم المباشرة بدوائر معارفهم من السياسيين الأميركيين، وتوزيع بيانات عليهم تتضمن أدلة تطور تعامل الدولة مع حقوق الإنسان". و"الأدلة" بحسب المصادر عبارة عن "المواد الدستورية والقانونية الحاكمة لإجراءات القبض والتفتيش، وإلغاء نظام الاعتقال بموجب الدستور، وبيانات النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان عن الأوضاع في السجون وخلوها من المعتقلين، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية من الزيارات التي تقوم بها لجان التفتيش القضائية والحقوقية للسجون". وأوضحت أن "الحملة المصرية المضادة لن تقتصر على الدوائر الأميركية فقط، بل سيتم توزيع تلك البيانات على الوفود الدائمة لدى الأمم المتحدة، وبصفة خاصة وفود الدول الأوروبية والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن".


وأشارت المصادر إلى أنه "تمّ إجراء اتصالات، منذ فترة، على مستوى استخباراتي بين مصر والصين للتضييق على المنظمات والنشطاء المحليين المتعاونين مع (هيومن رايتس ووتش) والجهات التي تمدها بالمعلومات والدوائر الداعمة لها سياسياً في الولايات المتحدة"، لافتة إلى أن "هذا التعاون بدأ تحديداً منذ الحملة التي شنتها المنظمة على القاهرة وبكين بسبب ترحيل طلاب الأزهر من الأيغور واعتقالهم في يوليو/ تموز الماضي، وذلك بمساعدة بعض المنظمات المحلية والنشطاء الحقوقيين المصريين والصينيين المقيمين في الخارج".

ورجّحت المصادر "تطوّر الاتصالات الاستخباراتية بعد إصدار تقرير التعذيب الأخير، لتزامنه مع إصدار تقرير آخر من المنظمة يتهم الصين بتقييد سفر النشطاء الحقوقيين والتضييق عليهم لمنعهم من الإدلاء بشهاداتهم عن انتهاك حقوق الإنسان في بلادهم، في المؤتمرات الدولية وبصفة خاصة المنعقدة بالولايات المتحدة".

وعلى المستوى الداخلي، توقع مصدر أمني في وزارة الداخلية في حديث لـ"العربي الجديد"، اتخاذ إجراءات جديدة، خلال الأيام المقبلة، ضد المنظمات والجمعيات الحقوقية المتعاملة مع "هيومن رايتس ووتش"، مؤكداً أن "المعلومات المذكورة في التقرير هي حصيلة عمل عدد من النشطاء المقيمين والعاملين في مصر، الذين توصلوا لها من خلال متابعة شبه يومية لحالات الاختفاء القسري والاعتقال الذي يتبعه التحقيق في المقارّ الأمنية قبل الإحالة إلى النيابة، وهي حالات يصعب اكتشافها إلّا من خلال منظمات تعمل بشكل مستقر داخل مصر".


وأوضح المصدر الأمني أن "جميع المنظمات المتعاونة مع هيومن رايتس ووتش، معروفة للأجهزة الأمنية، لكنها لم تصدر قرارات بغلق مكاتبها انتظاراً لما ستسفر عنه التحقيقات في القضية المعروفة إعلامياً بالتمويل الأجنبي للمجتمع المدني"، مشيراً إلى أن "أي إجراء سيتخذ للتضييق على تلك المنظمات سيكون بشكل قانوني 100 في المائة، سواء باعتبارها من المتهمين بتلقي تمويل أجنبي، أو لمشاركتها في نشر معلومات كاذبة عن الوضع الحقوقي في مصر أو لممارستها نشاطاً أهلياً بالمخالفة لقانون العمل الأهلي الجديد". واستطرد قائلاً "هناك آليات قانونية عديدة لتقليم أظافر المنظمة في مصر، من دون الحاجة للإشارة لتقرير التعذيب الأخير، وقد تأخذ شكل إغلاق المقار أو تجميد الأموال أو المنع من السفر".

وكانت المنظمة الحقوقية الدولية قد أغلقت مكتبها الدائم في مصر عام 2014، على خلفية التضييق الحكومي على ممثليها في مصر ومنع قيادات المنظمة من دخول القاهرة، بعد إصدارها تقريراً دان استخدام الجيش والشرطة للقوة المفرطة في فضّ اعتصامي رابعة والنهضة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في 14 أغسطس/آب 2013، وأعلن عدد من العاملين المصريين بالمنظمة استقالتهم منها ليتمكنوا من مغادرة مصر للعمل بفروعها الأخرى في دول عربية وأوروبية.

وتضمنت التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تستند إليها التحقيقات الجارية في قضية التمويل الأجنبي اتهامات للمنظمة بالعمل من دون غطاء شرعي في مصر وتمويل نشطاء حقوقيين مصريين بصورة غير شرعية، لنشر تقارير "مسيئة" لحالة حقوق الإنسان والديمقراطية في بلدهم، والعمل وفق أجندة أميركية للإساءة لصورة مصر في المحافل الدولية.

ووجدت السلطات المصرية غطاءً قانونياً لممارساتها المستقبلية ضد المنظمة، بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة حكماً في فبراير/شباط الماضي، طالبت فيه وزارة الداخلية بملاحقة ممثلي "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من المنظمات غير المرخص بممارسة نشاطها في مصر بقرار من وزارة التضامن، قالت في حيثياته إن "المنظمة مارست نشاطاً غير قانوني داخل مصر وصدرت عنها تقارير تضمنت الكثير من المغالطات وتجاهلت شهداء الوطن من أبناء الجيش والشرطة، مما يعد انتهاكاً لسيادة الدولة على أراضيها وتدخلاً في شؤون مصر الداخلية"، مشددة على أنه "من غير المقبول ترك مثل هذه المنظمة الأجنبية تجوب أرض الوطن من دون ترخيص أو تصريح لتبث للعالم الخارجي سموماً في تقارير وأخبار بعيدة عن الحقيقة. وبتمويل ودعم من جهات اتحدت معها في الفكر والأهداف".