الإمارات تموّل اليمين الفرنسي المتطرف وتنقذه من الإفلاس

05 أكتوبر 2019
استطاعت لوبان المشاركة في الانتخابات بفضل التمويل الإماراتي (Getty)
+ الخط -
يبدو أنّ صفقة التمويل الإماراتي غير المباشر لإنقاذ "الجبهة الوطنية" حزب مارين لوبان الفرنسي اليميني المتطرف من إفلاس معلن تخدم جميع الأطراف المنخرطة فيها، رغم محاولة هذه الأطراف التغطية على دعم أبوظبي، ورغم أنّ المصرف الذي مرّت عبره الأموال إماراتي مملوك لوزير النفط الأسبق مانع سعيد العتيبة.


فالحزب الفرنسي استطاع، أخيراً، المشاركة في الانتخابات، والإمارات شكرت الحزب على هجماته المتكررة حد الهوس على قطر، وعلى كل التيارات الإسلامية التي تحاربها الإمارات في مصر وغيرها، في حين أنّ الوسطاء حصلوا على عمولات كبيرة، سواء تعلّق الأمر بلوران فوش، الذي استطاع تحصيل 6 في المائة كفائدة على قرض في ثمانية أشهر، أو بالمصرفي الفرنسي السويسري أوليفييه كوريول.

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أصدرت الإمارات قائمة لما تعتبرها جمعيات إسلاموية "متطرفة" في فرنسا، ومن بينها جمعيات فاعلة تعتبر من بين من خاضوا مناقشات مع وزارة الداخلية الفرنسية، وهو ما أثار ذهول مسلمي فرنسا من هذه الطعنة من الخلف، ولم تجد الإمارات من داعم لها سوى حزب لوبان، "الجبهة الوطنية"، التي أصبحت لاحقاً تعرف بـ"التجمع الوطني"، فاستغربت لوبان تساهل الحكومة الفرنسية مع هذه الجمعيات الإسلامية، في الوقت الذي يعتبرها فيه بلد عربي مسلم وهو الإمارات جماعات متطرفة. ومن هنا بدأ الغزل بين الطرفين.

وقد أصبح مشكل هذا الحزب اليميني المتطرف المزمن هو الحصول على الأموال لتمويل حملاته الانتخابية، بسبب رفض معظم المصارف الفرنسية تقديم القروض له، وهو ما استطاع إيجاد حل له في حصوله على قرض روسي بخصوص استحقاقات انتخابية سابقة.

ثم تكررت نفس المشكلة في انتخابات 2017، لكن المدد جاء في نهاية شهر يونيو/ حزيران 2017، وكان عبارة عن قرض قيمته 8 ملايين يورو، من طرف شخص اسمه لوران فوشي، وهو رجل أعمال فرنسي معتاد على الإقامة في أفريقيا، وتم التوقيع على الصفقة في بانغى عاصمة دولة أفريقيا الوسطى.

ويعتبر فوشي مقرَّباً من صديق الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، كلود غيان، الذي أكد عدم علمه بوجود هذا التمويل الإماراتي. والطريف في الأمر هو أنّ هذا المبلغ مرّ عبر مصرف موجود في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو مبلغٌ أنقذ لوبان في وقت حرج، وساعدَها على تقديم ترشحها للانتخابات، إذ وصل قبل أسبوع من انتهاء مجال الإيداع.

ولأنّ الإمارات لا تريد أن يكون القرض مباشراً، فإنّ هذه العملية جاءت من طرف رجل أعمال فرنسي، على أساس صفقة وقّع عليها في عاصمة أفريقيا الوسطى، ولكن مصدر الأموال لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية. إذ إنّ مصدرها في حقيقة الأمر هو "نور كابيتال"، وهي شركة مالية إماراتية، تحت إشراف المصرفي الفرنسي السويسري "أوليفييه كوريول"، وله سوابق قضائية.

وللشركة التي أسسها مانع سعود العتيبة، وزير النفط الإماراتي الأسبق، ترخيصٌ مصرفي.
وكانت ثمة شبهات حول مصادر الأموال، مما دفع المصرف الفرنسي "سوسيتيه جنرال" الذي كانت توجد فيه حسابات الحزب اليميني الفرنسي، إلى استفسار رجل الأعمال، بحضور أربعة من مسؤوليه، عن دوافع تقديم القرض.

وهذه الشبهات دفعت هذا المصرف الفرنسي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، إلى إغلاق كل حسابات حزب لوبان، إضافة إلى حسابات النائب الأوروبي جان لوك شافهاوزر، الذي يتباهى بأنّه أنقذ "مرتين" الحزب اليميني المتطرف، والذي كان واسطة في حصول الحزب على قرض روسي بـ9 ملايين يورو، سنة 2014، مقابل عمولة، كما قاد المفاوضات حول القرض الجديد.

وذكر موقع "ميديا بارت" أنّ هذا القرض أثار انتباه "اللجنة الوطنية لحسابات الحملة الانتخابية والتمويل السياسي"، والتي وجهت تساؤلات للحزب، وهو ما رد عليه.

أما لوران فوشي، الذي وقَّع على هذا القرض، فهو ينفي، من أجل التمويه، أن يكون عمله تمّ لأسباب أيديولوجية، ويعترف أنّه تولى قضية التمويل لأنّها كانت مسألة حياة أو موت للحزب، وأنه كان سيفعلها لأي كان، و"لو تعلق الأمر بالحزب الاشتراكي لفعلت". وعن أصل الأموال، قدم فوشي رواية مفادها بأنّها أموال مشتركة مع شريك له، في حين أنّ مستشاره المالي أكد، في رواية ثانية، أنّها من المال الخاص لفوشي. في حين رفض الحزب الفرنسي الإجابة عن مصدر هذه الأموال.

وقد عُرف في الاتفاق أنّ مدة القرض هي ثمانية أشهر، وأنّ المصرف حقق فوائد وصلت إلى 6 في المائة، وهي فائدة مرتفعة.


وإذا كان موقع "ميديا بارت" يرى أن لا شيء أيديولوجياً وسياسياً قد يدفع، مسبقاً، رجلَ الأعمال الفرنسي لتقديم قرض لحزب يميني متطرف، وهو ما كان وراء ذهول كلود غيان من الأمر، إلا أنّه يضيف أنّ التعاون بين الحزب اليميني ورجل الأعمال تم بتدخّل من نائب الحزب في البرلمان الأوروبي جان لوك شافهاوزر، وأنّ رجل الأعمال قرر تقديم القرض، رغم أنّ "أفكاره السياسية" بعيدة عن أفكار هذا الحزب، وأنّ الدافع "مالي محض"، وهو عبارة عن 6 في المائة في ثمانية أشهر، فقط. ويتذكر فوشي، كما ينقل الموقع، أنّ شعار "لوران هو من أنقذنا" كان على لسان أعضاء الحزب اليميني المتطرف. 


وتكرر لقاء فوشي مع لوبان في نهاية 2018، بغرض حصول الحزب على قرض آخَر لتمويل حملة الانتخابات الأوروبية، في مايو/ أيار الماضي، وأيضاً تسديد القروض الروسية التي وصلت وقتها، لكنه لم يستطع هذه المرة، بسبب تشدد القوانين الفرنسية، وأيضاً لأنّه لم يكن يتوفر على مصرف ما في شبكات علاقاته، كفيلٍ بتقديم القرض.

ومما يفسر صعوبة تحويل الأموال في هذه القضية، كون "نور كابيتال" شركةً لإدارة الأصول، وهو ما يعني أنّ أموال الزبائن يتم وضعها، من حيث المبدأ، في حسابات غير مفتوحة بأسمائهم، بل بأسماء الشركة. وهو ما يعني كذلك أنّ الشركة حين تقوم بأي تحويل، يكون من الصعب معرفة لمن تعود تلك الأموال.

ويكشف الموقع أنّ اسم الفرنسي السويسري أوليفييه كوريول، وهو مسؤول في إدارة أصول شركة "نور كابيتال"، يَرد في قضايا عديدة وتحقيقات جنائية واتهامات بالفساد، في مالي ونيجيريا وغيرهما، إضافة إلى أنّه أدار، في يناير/ كانون الثاني الماضي، صفقة بيع مثيرة للجدل للشركة لـ3 أطنان من الذهب الفنزويلي، وهي عملية قانونية، لولا أنّ المعارَضة أدانتها، بشدة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا المصرفي الفرنسي السويسري هو الذي عرّف النائب البرلماني جان لوك شافهاوزر على لوران فوشي.

وإمعاناً في التمويه، لا يرى فوشي أيَّ شيء غير عادي في تحويل 8 ملايين يورو من دولة الإمارات، لأنّ "نور كابيتال، هي جهة مصرفية في أبو ظبي"، كما يشدد على القول.
ومعروف عن جان لوك شافهاوزر أنّه عمل على التقريب بين البابا وروسيا والكنيسة الأرثوذكسية، كما كان مدافعاً عن المصالح الروسية، إلى درجة تأييده للانفصاليين الأوكرانيين المدعومين من طرف فلاديمير بوتين.


وإذا كان كثير من الملاحظين فوجئوا من هذا التعاون بين الإمارات والحزب اليميني المتطرف الفرنسي، إلا أنّ صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، وقبل 3 سنوات، وتحديداً في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تحدثت، نقلاً عن موقع "ميديا بارت"، عن غزل مباشر من الحزب اليميني المتطرف الفرنسي تجاه الإمارات، وذلك عن طريق مهاجمة دولة قطر.


وكان الغرض الرئيسي من الغزَل هو الحصول على تمويل لحملة انتخابات 2017. وهو ما عبّر عنه، صراحة، في 18 سبتمبر/ أيلول 2016، المسؤول المالي في الحزب فاليران دي سانت-جوست، بالقول: "إذا تطلَّب الأمر الاستدانة من الخارج، فسوف نذهب للخارج، دون تمييز. سواء من روسيا أو الأرجنتين أو الولايات المتحدة. ولِمَ لا الشرق الأوسط؟".
 
ومما يؤكد متانة العلاقات بين الطرفين الفرنسي والإماراتي محاولة النائب الأوروبي لهذا الحزب جان لوك شافهاوزر الحصول على قرض من مصرف إماراتي سنة 2014، بفائدة 2 ونصف في المائة، لكن المفاوضات لم تؤدّ لنتيجة.


ومنذ هذه الاتصالات أصبح الحزب الفرنسي اليميني المتطرف يحتفظ بأفضل العلاقات الممكنة مع الإمارات، التي يقدمها هذا الحزب، كما يكتب موقع "ميديا بارت"، باعتبارها: "نموذج البلد العربي الذي يحارب الأصولية، والإخوان المسلمين"، وهو ما عبرت عنه لوبان، أثناء زيارة لها إلى مصر، يوم 28 مايو/ أيار 2015، حين امتدحت فيها نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في محاربته "الإخوان المسلمين"، مدعوماً من الإمارات. وهو أيضاً ما تكرره مع أعضاء حزبها، في كل مناسبة، حين تهاجم الجمعيات والمنظمات الإسلامية في فرنسا، مستغربة من استمرار نشاطاتها في البلاد، في حين أنّها محظورة في دولة عربية إسلامية وهي الإمارات.