هزيمة القضاة أمام السيسي: تطبيق ضريبة الدخل وفشل الوساطات

29 أكتوبر 2019
وعدت المجالس العليا القضاة بمحاولة تعويضهم مالياً(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" من مصادر قضائية بهيئات مختلفة في مصر أن وزارة المالية أصرت على صرف رواتب القضاة هذا الشهر، باستقطاع ضريبة الدخل من إجمالي صافي الراتب متضمناً الأجر الأساسي والأجر المتغير، بما يتضمنه من حوافز وبدلات. يأتي هذا بعد فشل محاولات رؤساء الهيئات القضائية التوصل إلى حل وسط مع الوزارة لإعادة احتساب ضريبة الدخل وتخفيض الشريحة الخاصة بالقضاة، واستبعاد بعض البدلات من صافي الراتب، الذي تحتسب الضريبة على أساسه، الأمر الذي يشكل هزيمة جديدة للقضاة في المعركة الممتدة مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يبدو أنه قرر بشكل نهائي مناصبتهم العداء، بالتضييق المالي وحرمانهم من المزايا التي كانوا يتمتعون بها في السابق.

وكان مجلس القضاء الأعلى، باعتباره السلطة العليا للقضاء العادي، والذي تصل فيه انتدابات القضاة ومكافآتهم الخارجية إلى أقل معدلاتها، مقارنة بمجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، قد حاول مع وزارة المالية إعادة تقييم أسس احتساب ضريبة الدخل، بحيث يتم استبعاد كل من بدل القضاء وبدل التمثيل من الوعاء الضريبي لكل قاضٍ، استناداً إلى البند "رابعاً" من قواعد تطبيق جدول المرتبات الخاص بقانون السلطة القضائية 46 لسنة 1972. لكن الوزارة، من جانبها، تمسكت باحتساب البدلين، استناداً إلى فقرة أخرى من نفس البند، والتي تنص على أنه "لا يجوز أن تزيد مجموع البدلات، مهما تعددت، على 100 في المائة من المرتب الأساسي"، وهو الأمر الذي تم تجاوزه بأضعاف مضاعفة نتيجة التوسع في استحداث وزيادة البدلات للقضاة على مدار السنوات العشرين السابقة.

وذكرت المصادر أن المجالس العليا للهيئات القضائية، في مجلس الدولة والقضاء العادي والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وعدت القضاة بأنها ستجري محاولات جديدة لتعويضهم مالياً، من خلال صرف مكافآت، تحت مسميات وأوصاف غير خاضعة للضريبة بشكل ربع سنوي، للمساهمة في السد الجزئي للعجز في رواتبهم الصافية. وأضافت المصادر أن هناك بعض العقبات التي قد تمنع هذه المحاولة، أو على الأقل تجعلها مؤقتة، لأن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، بعد تنظيمه رسمياً بقانون سيصدر في الدورة البرلمانية الحالية، سيشرف على خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية ومجلس الدولة تحديداً، وسيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى بناء على أوجه الصرف والترقيات التي يحدد هو شروطها.

وذكرت المصادر أن الوعود الجديدة من المجالس العليا لاحتواء غضب القضاة تقوم في الأساس على توزيع فوائض الميزانيات، بينما سيؤدي تفعيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية إلى حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات كما كان يحدث في السنوات الست الماضية. وهو ما كان السيسي يقصده عند إنشائه هذا المجلس لمواجهة تملص القضاة المستمر من القيود المالية التي وضعها الرئيس، والممثلة في قانون الحد الأقصى للأجور وخفض جهات ندب القضاة للعمل كمستشارين للحكومة، وتطبيق الدفع والتحصيل الإلكتروني، واستمرار محاولتهم إخفاء مخصصاتهم عن الرقابة. هذا الأمر كان أيضاً تحت بصر واضعي المشروع عند النص في المادة التاسعة على أن "يضع المجلس الأعلى قواعد ندب أعضاء الجهات والهيئات القضائية"، ما يعني أن هذه القواعد ستُطبق على جميع الهيئات، ولن تظل كل هيئة مختصة بشؤون أعضائها.

وارتباطاً بذلك أيضاً، أوضحت المصادر أن القضاة المنتدبين في جهات عدة، خصوصاً من مجلس الدولة، يسعون حالياً لدى الجهات الحكومية المنتدبين فيها من وزارات ومصالح وشركات قابضة وتابعة للضغط على إدارة مجلس الدولة، للتراجع عن قرارها بتوحيد جهة الندب، ومنع عمل القاضي كمستشار قانوني في أكثر من جهة واحدة، أو إرجاء تطبيقه حتى نهاية العام القضائي الحالي. وذكرت المصادر أن بعض الوزراء بالفعل أبدوا لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي تضررهم من حرمانهم من انتداب القضاة كمستشارين، أو تخيير مستشاريهم للبقاء في جهة ندب واحدة، بناء على قرار رئيس مجلس الدولة الجديد الذي صدر وفقاً لتعليمات دائرة السيسي، لكن رئيس الحكومة رفض التدخل في القضية. وبدأت هذه الأزمة بتلقي وزير المالية تعليمات مشددة من السيسي بمعالجة أوجه القصور في تطبيق تحصيل ضريبة الدخل من جميع فئات العاملين بالدولة دون استثناء، بعدما تبين للسيسي في يوليو/تموز الماضي الانخفاض الكبير في حصيلة الضريبة عن الرقم المستهدف عند فرض الشرائح الجديدة بالقانون 97 لسنة 2018، الذي بدأ تطبيقه نظرياً في يونيو/حزيران من العام الماضي. وأصدر وزير المالية قراراً باستقطاع ضريبة الدخل من القضاة للمرة الأولى من إجمالي الراتب الكامل، شاملاً الحوافز والبدلات، بعدما كانت في الماضي تستقطع من وعاء الأجر الأساسي فقط، خصوصاً أن صافي الراتب، الذي ستحتسب الضريبة على أساسه، سيشمل أيضاً المكافآت الأخرى التي يحصل عليها القاضي من خارج جهة عمله الأصلية، كمقابل الندب أو الاستشارات أو تدريس في الجامعات أو حضور جلسات ولجان حكومية أخرى.

وأدت هذه الطريقة المستحدثة في حساب الضريبة، والتي فشلت المجالس العليا للهيئات القضائية في التوصل إلى تسوية بشأنها مع وزارة المالية، إلى رفع متوسط الوعاء الضريبي للقضاة إلى أعلى شريحة دخل ممكنة لاستقطاع الضريبة، ليتم الاستقطاع بنسبة 22.5 في المائة من إجمالي ما يحصلون عليه. وعلى الرغم من أن هذه هي الطريقة المتبعة في احتساب الضريبة لباقي جهات الدولة، إلّا أن القضاة، الذين طالما تمتعوا بوضع متفرد مالياً وهيكلياً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، باتوا يشعرون بأنهم خرجوا تماماً من حسابات السيسي كسلطة يرغب في مهادنتها والحصول على دعمها. وذلك لأن المساس بالأوضاع المالية لعموم القضاة، من خلال زيادة الضريبة ثم توحيد جهة الندب "أعمق أثراً وأكثر سلبية على جموع القضاة من قراراته السابقة، التي كانت تثير حفيظة فريق منهم، وليس جميعهم"، كإلغاء الأقدمية والاستئثار بتعيين رؤساء الهيئات بناءً على تحريات أمنية ورقابية، أو تأخير التعيينات والترقيات الجديدة، أو استخدام الأكاديمية الوطنية للشباب كعامل حاسم لاختيار القضاة الجدد، على أسس أمنية ورقابية أيضاً، ما يعني إلغاء دور المجالس العليا للهيئات القضائية في الاختيار النهائي للمعينين الجدد.

وذكرت المصادر في تصريحات سابقة، لـ"العربي الجديد"، أن السيسي رد بهذه الإجراءات الجديدة على محاولة القضاة تأمين امتيازات أكبر لهم، من خلال صدور قرارات داخلية في هذه الهيئات بأحقية أعضائها بتقاضي آلاف الجنيهات الإضافية، في صورة بدلات وحوافز مستحقة لهم، أسوة بنظرائهم في هيئات أخرى، الأمر الذي سيكلف الدولة عشرات الملايين من الجنيهات في الميزانية المقبلة لكل هيئة، والتي تحتسب رقماً واحداً، الأمر الذي كانت "العربي الجديد" قد نشرته في تقرير موسع في 20 أغسطس/آب الماضي. وكانت تجري محاولات، منذ شهرين، في الهيئات القضائية لاستغلال بعض الثغرات في قانون التأمينات الاجتماعية بعد تعديله العام الماضي، لزيادة معاشات القضاة بأثر رجعي، ما أزعج السيسي كثيراً، وهو الذي كان قد اتخذ معظم القرارات الخاصة بإعادة تنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية، وإعادة تشكيل المجلس الأعلى لأهداف عديدة، تأتي على رأسها رغبته الشخصية في خفض الإنفاق العام على القضاة، وكذلك فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية، نظراً لعدم ارتياحه منذ سنوات لتفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق مخصصات أعلى المسؤولين الحكوميين بالجيش أو الشرطة، نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم بالسلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم.

المساهمون