وحول حملة الاعتقالات، نفى بن سلمان أن يكون الهدف منها تشديد قبضته على الحكم، وأقرّ للمرّة الأولى الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام خلال الأسبوعين الأخيرين حول صفقة "الحرية مقابل المال"، قائلًا إن 95% من المحتجزين وافقوا على إجراء تسويات والتنازل عن أموال وأسهم لصالح خزينة الدولة السعودية بما يقدر بـ100 مليار دولار.
وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، تحدث فريدمان عن زيارته للسعودية لمعاينة التغييرات الكبيرة التي تشهدها، متسائلًا إذا ما كان "الربيع العربي" قد وصل أخيرًا إلى السعودية. وأوضح فريدمان أنه التقى ولي العهد السعودي على مائدة عشاء في قصر العائلة في"العوجة"، شمال الرياض، بحضور شقيقه خالد بن سلمان، السفير السعودي الجديد في للولايات المتحدة، وعدد من كبار المسؤولين السعوديين.
وقال فريدمان إن محمد بن سلمان تحدث باللغة الإنكليزية خلال اللقاء الذي دام أربع ساعات حتى ساعات الصباح الأولى، وبدأ بسؤال ولي العهد عن حقيقة ما يجري في فندق "ريتز كارلتون" وما إذا كان يستخدم سلطته لاستبعاد خصومه في العائلة وفي القطاع الخاص قبل تسلمه العرش من والده، الملك سلمان بن عبد العزيز؛ فردّ بن سلمان: "إنه أمر مثير للسخرية اعتبار الحملة ضد الفساد عملية سيطرة على السلطة"، مشيرًا إلى أن العديد من كبار المحتجزين في ريتز سبق وأعلنوا ولاءهم له وتأييدهم للإصلاحات التي يقوم بها، وأن غالبية آل سعود يؤيدونه.
ونقل فريدمان عن ولي العهد السعودي قوله "عانت بلدنا من فساد كبير منذ عام 1980 وحتى اليوم. ووفق حسابات الخبراء، ففي كل عام تذهب 10% من مصاريف الحكومة هدرًا بسبب الفساد، من المستويات العليا حتى الدنيا. وقامت الحكومة، خلال تلك السنوات، بأكثر من حرب ضد الفساد، لكنها فشلت جميعها. لماذا؟ لأنها بدأت من الأسفل إلى الأعلى".
وأضاف بن سلمان: "لقد أدرك والدي أنه لا يمكننا البقاء في مجموعة العشرين مع وجود هذه المستويات من الفساد. في بدايات عام 2015 كانت أولى أوامره إلى فريقه جمع كل المعلومات عن الفساد، في المستويات العليا. عمل الفريق لمدة عامين كي يحصل على معلومات دقيقة وكانت المحصلة 200 اسم".
وكشف محمد بن سلمان أن المدعي العام السعودي عرض على أصحاب المليارات والأمراء المحتجزين خيارين: "أطلعناهم على الملفات التي بحوزتنا، وفور رؤيتها وافق 95% منهم على إجراء تسوية"، ما يعني تنازلهم عن مبالغ نقدية وأسهم لصالح خزينة الدولة السعودية. وأضاف أن "1% تمكنوا من إثبات براءتهم وسقطت قضاياهم، و4% يقولون إنهم ليسوا فاسدين ويريدون توكيل محامين للذهاب إلى المحكمة".
ونفى ولي العهد السعودي أن يكون بإمكانه التدخل في وظيفة المدعي العام، وقال: "في ظل القانون السعودي المدعي العام مستقل. يمكن للملك أن يقيله لكنه هو من يقود العملية"، مشيرًا إلى أن المدعي العام يقدر قيمة التسوية مع المحتجزين المتوقع التوصل إليها بـ100 مليار دولار.
ومن وجهة نظر فريدمان، فثمة أمر آخر تشهده السعودية قد يكون أهم من محاربة الفساد، ويتمثل بمحاولات بن سلمان إعادة "الإسلام السعودي" إلى "نسخته المنفتحه التي كانت سائدة قبل عام 1979". وهي الرواية التي تبنّاها بن سلمان سابقًا. ويلفت الكاتب الأميركي، الذي عمل في الشرق الأوسط نحو ثلاثين عامًا، إلى أن سنة 1979 شهدت ثلاثة أحداث مهمة؛ هي أولًا سيطرة مجموعة من المتطرفين السعوديين يقودهم جهيمان العتيبي على المسجد الكبير في مكة، والثورة الإيرانية، والغزو السوفياتي لأفغانستان.
ويرى فريدمان أن هذه الأحداث الثلاثة هزت العائلة الحاكمة في السعودية، ومن أجل تأكيد شرعيتها، سمحت لرجال الدين بفرض إسلام متزمت والدخول في سباق مع نظام الملالي في إيران حول من يمثل الإسلام الحقيقي. وما زاد الطين بلة استخدام الولايات المتحدة المقاتلين المسلمين ضد روسيا في أفغانستان، والذي أدى لاحقًا إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
ويشير الصحافي الأميركي إلى أن ولي العهد السعودي قال له: "لا تكتب إننا نعيد تأويل الإسلام؛ نحن نعيده إلى أصوله، وأهم أدواتنا هي سنة النبي والحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979". وحسب فريدمان، فإن بن سلمان أشار إلى أنه "في أيام النبي محمد كانت هناك مسارح واختلاط بين الرجال والنساء، كان هناك احترام للمسيحيين واليهود. أول قاضية تجارية في المدينة كانت امرأة. ويذكر فريدمان أن أحد الوزراء الحاضرين أطلعه على صور وتسجيلات فيديو على "يوتيوب" للسعودية عام 1950 تظهر فيها نساء بدون الحجاب يمشين مع الرجال في الأماكن العامة، كما تظهر حفلات موسيقية وصالات سينما.
ولم يوضح ولي العهد السعودي الغموض الذي اكتنف قدوم رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إلى السعودية لإعلان استقالته منها، لكن أكد أن "جوهر المسألة ببساطة أن الحريري، المسلم السني، لن يواصل تغطية حكومة لبنانية تسيطر عليها مليشيا حزب الله الشيعية التي تسيطر عليها طهران"، على حد قوله.
وتجاهل ولي العهد السعودي الكارثة الإنسانية في اليمن، وأصر على أن الحرب التي تخوضها السعودية هناك "تسير لصالح الحكومة الشرعية التي تدعمها السعودية التي تسيطر على 85% من الأراضي اليمنية، ويسيطر المتمردون الحوثيين التابعون لإيران على البقية، لكن إطلاق صاروخ على مطار الرياض يجعل السيطرة على أقل من 100% من اليمن أمرًا إشكاليًا"، على حدّ قوله.
تعرّف إلى أبرز الأمراء المعتقلين والمخطوفين في السعودية في الـ إنفوفيدو التالي: