إسرائيل من أزمة سياسية إلى دستورية

26 مارس 2020
يمكن لإدلشتاين التراجع عن الاستقالة حتى ظهر الجمعة(فرانس برس)
+ الخط -
بعد تقديم رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي إدلشتاين استقالته من منصبه، لتفادي تنفيذ قرار المحكمة العليا بعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للكنيست، انتقلت إسرائيل، بدءاً من يوم أمس من أزمة سياسية مستعصية لتشكيل حكومة جديدة إلى أزمة دستورية، تهدّد بانهيار سلطة القضاء وتداخل السلطات. ويصرّ كل من معسكر اليمين المناصر لبنيامين نتنياهو، والمعسكر المناهض له بقيادة الجنرال بني غانتس، على أنه هو من يدافع عن "الديمقراطية القانونية ومبدأ فصل السلطات".

فقد أعلن إدلشتاين، الذي كان يفترض به عقد جلسة عامة للكنيست لانتخاب رئيس جديد له، أنه يرفض الإنذار الذي وجهته إليه المحكمة العليا، مقدماً استقالته من منصبه، علماً بأن استقالته لن تصبح سارية المفعول إلا بعد 48 ساعة من إعلانها، المصادف ظهر غد الجمعة. وقد هاجم إدلشتاين بشدة، وبلهجة حادة، قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، مدعياً أن القرار لا يستند إلى أسس قانونية ولا نص القانون، بل يستند إلى تفسير متطرف للقانون، وأن قرار المحكمة العليا يناقض دستور الكنيست الداخلي، ويخرب عمله، وهو تدخل فظ يعكس غرور السلطة القضائية واستعلاء في نظرتها للسلطة التشريعية المنتخبة، على حد تعبيره.

واعتبر المستشار القضائي لحكومة الاحتلال أفيحاي مندلبليت، في رأي قانوني رفعه للمحكمة العليا، أن استقالة إدلشتاين من رئاسة الكنيست لا تسمح بامتناعه عن تطبيق قرار المحكمة له بعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للكنيست. وتطابق رأي مندلبليت مع قرار المستشار القانوني للكنيست إيال يانون بأنه "لكون الاستقالة تدخل حيز التنفيذ فقط بعد 48 ساعة، فإن استقالة رئيس الكنيست لا تؤثر في واجبه الامتثال لقرار المحكمة الموقرة بأن يدرج على جدول أعمال الكنيست موضوع انتخاب رئيس دائم للكنيست الـ23 اليوم (أمس الأربعاء). لكن في المقابل فإن إدلشتاين هو الوحيد الذي يملك صلاحية إصدار الأمر بعقد جلسة للهيئة العامة للكنيست. وعليه، وفي ظل الظروف الراهنة، فما لم يأمر بانعقاد الهيئة العامة، ومن دون إصدار أمر استثنائي من المحكمة الموقرة لا يمكن عقد الهيئة العامة للكنيست اليوم (أمس) لانتخاب رئيس دائم للكنيست الـ23 طبقاً للأمر الصادر بتاريخ 23 مارس/ آذار" الحالي.

وعكس موقف إدلشتاين عملياً الخطاب العام الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في صراعه على الحكم، من خلال مثابرة المحاولات لتقويض شرعية النظام القضائي القائم، والتشكيك والطعن في شرعية قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بتقديم لوائح اتهام رسمية، وبدء محاكمة نتنياهو بتهم الفساد وتلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة. وكان نتنياهو قد تمكّن عبر وزير العدل أمير أوحنا، الأسبوع الماضي، وقبل يومين من الموعد الرسمي لقراءة لائحة التهم ضده، من إصدار أمر وزاري يقضي بوقف عمل المحاكم في إسرائيل في ظل أزمة فيروس كورونا وتعليمات وزارة الصحة الإسرائيلية بعدم التجمهر لأكثر من 10 أشخاص. وشكل هذا الإعلان وقرار إدلشتاين أمس وقوداً لمعارضي نتنياهو، لا سيما في تحالف "كاحول لفان" الذين طالبوا، في تصريحات صدرت عن عضو الكنيست عوفر شيلح، بأن يتم اعتبار استقالة إدلشتاين إهانة لقرار المحكمة وعدم احترام سلطة القانون.


وشكل موقف إدلشتاين، بحسب مصادر حزبية، فرصة منحت نتنياهو عملياً مهلة جديدة لتخريب جهود غانتس لتشكيل حكومة جديدة، وفق شروط زعيم "كاحول لفان" بحسب الجدول الزمني الرسمي، إذ إن عدم سريان الاستقالة بشكل مباشر يمنح حزب "الليكود" يومين على الأقل، أي حتى ظهر الجمعة، لتفادي عقد جلسة للكنيست لانتخاب رئيس جديد له. وعلى الرغم من أنه بمقدور نائب رئيس الكنيست، وهو في ظل الوضع السياسي القائم في إسرائيل، أقدم عضو يخدم في الكنيست، عمير بيرتس، زعيم حزب "العمل"، عقد جلسة رسمية لانتخاب رئيس للكنيست، إلا أن مؤشرات عديدة تشير إلى أن "كاحول لفان"، بزعامة غانتس، يتردد في المضي قدماً في مسألة انتخاب رئيس جديد للكنيست حالياً، كي يؤدي ذلك إلى سد الطريق كلياً أمام حكومة وحدة وطنية مع "الليكود". وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد كشفت، أمس الأربعاء، أن اتصالات مكثفة جرت ليلة أول من أمس بين طاقم مفاوضات عن "الليكود" وآخر عن حزب "كاحول لفان"، إلا أن التطورات الأخيرة وتقديم الاستقالة من قبل رئيس الكنيست تُنذر بوقف هذه الاتصالات.

مع ذلك، وبفعل المهلة الزمنية الفاصلة بين تعليق عمل الكنيست أمس الأربعاء، وحتى انعقادها في الرابعة ظهر الإثنين المقبل، فإن من شأن تفاقم أزمة جائحة كورونا من جهة، ودخول إسرائيل لمدة أسبوع في حالة إغلاق شبه تام بعد إقرار الحكومة تشديد الخطوات الاحترازية، أن يضاعف الضغوط على تحالف "كاحول لفان" وزعيمه الجنرال بني غانتس، لإبداء مرونة في الاتصالات مع "الليكود"، لجهة الذهاب لتشكيل حكومة طوارئ مؤقتة لمدة ستة أشهر، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس مبدأ التناوب بين غانتس وزعيم "الليكود" رئيس الحكومة المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو.

ويرى مراقبون أن خطوة إدلشتاين، التي جاءت بعد تشاور مع نتنياهو ليلة الثلاثاء الماضي، تهدف بالأساس إلى كسب مزيدٍ من الوقت لصالح نتنياهو من جهة، وقضم أسبوع تقريباً من المهلة الزمنية الممنوحة لغانتس. وتزيد المناورة الأخيرة التي قام بها رئيس الكنيست، لا سيما أنه لا يزال بمقدوره التراجع عن الاستقالة حتى ظهر الجمعة، من تعقيدات الوضع السياسي في إسرائيل، وخصوصاً أنها شهدت منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي ثلاث معارك انتخابية. كذلك تنذر الخطوة بزعزعة سلطة القضاء، خصوصاً في ظل أنظمة الطوارئ التي تقوم الحكومة الانتقالية (حكومة تصريف الأعمال) بإعلانها يوماً بعد يوم، في سياق مساعي مكافحة وباء كورونا، وسط انعدام مطلق للثقة بين الفريقين الرئيسيين، نتنياهو وغانتس، حتى على المستوى الشخصي، وفق ما أشارت إليه أيضاً الإذاعة الإسرائيلية العامة أمس.

وإذا كان نتنياهو يواجه تحدي المحاكمة المؤجلة بفعل قرار الطوارئ، فإن غانتس يواجه بشكل متصاعد تحديات داخل معسكره وداخل تحالف "كاحول لفان"، لا سيما من قبل أعضاء الكنيست يوعاز هندل وتسفي هاوزر وحتى الجنرال غابي أشكنازي، الذين يعلنون رفضهم تأييد أي حكومة يشكلها غانتس بالاعتماد على دعم خارجي من نواب القائمة المشتركة للأحزاب العربية. وقد تمكن اليمين الإسرائيلي المتطرف في اليومين الأخيرين من تكثيف الضغوط على "كاحول لفان"، عبر تجنيد منظمة إسرائيلية تدعى "منظمة عائلات ضحايا الإرهاب"، في إشارة للإسرائيليين الذين قتلوا في عمليات للمقاومة الفلسطينية. وقد نشرت المنظمة المذكورة وأعضاء بارزون فيها، تغريدات ومنشورات، "تستهجن" استعداد تحالف "كاحول لفان" بجنرالاته الثلاثة، بني غانتس وموشيه يعالون وغابي أشكنازي، للتفكير في تشكيل حكومة ائتلاف بالاعتماد على دعم القائمة المشتركة. في المقابل يواصل نتنياهو، الذي التزم الصمت حيال قرار إدلشتاين، التلويح بنفس السلاح ونقض شرعية النواب الفلسطينيين في الكنيست، مع الظهور بأنه في الوقت الذي يخصص فيه كل جهده لمكافحة الوباء فإن غانتس يسعى بدلاً من الانضمام إلى "الجهد الوطني" ولحكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية، للعمل على ضرب أسس الديمقراطية وسرقة الانتخابات والحكم، مستعيناً بنواب القائمة المشتركة للأحزاب العربية، الذين يتهمهم نتنياهو بدعم الإرهاب والعمل ضد الدولة.