الجزائريون يبتكرون شعاراتهم: الشعب يريد بناء النظام

07 مارس 2019
من الشعارات في التظاهرات ضد بوتفليقة (العربي الجديد)
+ الخط -


لم تستفق السلطة في الجزائر إلا على وقع حراك شعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، لرفض ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل. لكن الشعارات السياسية، التي رددها المتظاهرون، مثلت حالة من الابتكار السياسي المشحون، الذي يعبر عن قدرة الشارع الجزائري على إفراز شعارات وتعابير سياسية مختلفة تفسر بوضوح مطالبه المركزية.

وفي مقر متواضع في حي القصبة في أعالي العاصمة الجزائرية، معقل ثورة التحرير والحي الشعبي المتمرد على السلطة منذ عقود، تُصنع بعض شعارات الحراك الشعبي. ويجتمع الناشط عز الدين زحافي مع مجموعة من رفاقه من الإعلاميين والنشطاء لاستجماع الأفكار وتلخيصها في شعارات ترفع في المسيرات. ويقوم عز الدين بالعمل على تصميم الملصق المركزي لمسيرة الثامن من مارس/آذار الحالي، وهي المسيرة التي يرغب النشطاء في أن تكون الفيصل والفاصل لدفع السلطة إلى الأمر الواقع والقبول بالمطلب الشعبي المتعلق بسحب ترشح بوتفليقة. ولم يحدد نشطاء وكوادر الحراك شعارات مركزية محددة للحراك الشعبي، وأطلقوا حرية المبادرة للنشطاء في كل منطقة. لكن النشطاء يريدون في مسيرة اليوم الجمعة أن ينتقل الشعار المركزي من رفض الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة إلى شعار مركزي هو "الشعب يريد بناء النظام". ويؤسس هذا الشعار لرسالة سياسية تتصل بإخفاق السلطة على مدار عقود في بناء نظام سياسي ومؤسساتي، وبرغبة الشعب في إطلاق مسار ديمقراطي جديد، يتطلع من خلاله لبناء نظام سياسي يحترم الحريات والحقوق السياسية والمدنية وحق الجزائريين في الحياة الكريمة.

لكن النشطاء، الذين أبدوا انزعاجاً من البروباغندا السياسية للسلطة التي دفعت بأجهزتها السياسية والأذرع الإعلامية إلى تخويف الجزائريين من سيناريوهات سورية وليبيا واليمن، بفعل ثورات الربيع العربي التي كانت ترفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، يعمدون إلى صياغة شعارات تضع حالة الحراك الجزائري بعيداً عن ثورات الربيع العربي، حتى وإن كان عمق المطلب السياسي واحداً وهو الحرية والديمقراطية، وتقطع مع شعار "إسقاط النظام" وتحويله إلى "الشعب يريد بناء النظام". واعتبر الناشط في الحراك عز الدين زحافي أن "إعادة قراءة شعارات الربيع العربي دفعتنا إلى صياغة شعار الشعب يريد بناء النظام، تمايزاً عن شعارات الربيع العربي من جهة ولأنه فعلياً لم يكن هناك نظام سياسي واضح في الجزائر، وأخيراً لإعطاء طابع إيجابي للحراك بأنه يريد أن يبني لا أن يسقط أو يهدم ما هو ليس موجوداً أصلاً"، وهذا يوضح أن المجموعات الشبابية التي تقود الحراك درست بشكل جيد النسق السياسي المحيط وتلافت الوقوع في حالته العفوية.



ومن بين أكثر الشعارات التي طرحت في الحراك الشعبي في الجزائر، شعار "الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد". وإذا كان بوتفليقة مقصوداً كرئيس جمهورية، فإن المقصود بالسعيد هو شقيقه الأصغر سعيد الذي يتحكم في دواليب الرئاسة وتُنسب إليه قرارات كثيرة، بالإضافة إلى شعار "الجزائر جمهورية وليست مملكة". وهذان الشعاران يحيلان إلى حالة وعي شعبية وسياسية بوجود تغول عائلي من قبل العائلة المحيطة ببوتفليقة، والمطالبة باحترام الطابع الجمهوري للدولة الجزائرية. ويعتقد الناشط القيادي في الحراك عبد الوكيل بلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الشعار كان واضحاً، وهو عدم تحويل الجزائر إلى مملكة تحكمها عائلة ملكية، مع احترامنا للأنظمة الملكية. لكن أساس الدولة الجزائرية جمهوري، ويجب أن يبقى جمهورياً".

وخلال الفترة الأخيرة، حاولت السلطات إطلاق مزاعم بوجود أطراف داخلية تقود المسيرات، وتقصد بها ما يعرف بشبكة قدماء جهاز الاستخبارات الموالية للمدير السابق لجهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين، المعروف بالجنرال توفيق، وحاولت ربطها بترشح اللواء السابق في الجيش علي غديري المرتبط به. وبالنسبة إلى النشطاء، فإن شعارات اليوم الجمعة التي تمت صياغتها "لا غديري لا توفيق، الشعب يعرف الطريق" سيكون جزء منها الرد على هذه المزاعم من جهة، وكرسالة، يقول الناشط حسين بن زينة في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "الحراك عفوي على الصعيد الشعبي، ولا يمكن أن تتبناه أية مجموعة، خصوصاً إذا كانت مجموعة من قدماء الاستخبارات، هي نفسها، جزءاً من الكارثة الوطنية والمنظومة المتعسفة التي انتهت إليها الجزائر".

وثمة شعار لافت طغى على الحراك الشعبي، يردده المتظاهرون مع كل وصول أو تمركز لتعزيزات أمنية: "جيبو البياري جيبو الصاعقة، ماكانش الخامسة يا بوتفليقة"، ويعني "استقدموا الشرطة الخاصة أو قوات الصاعقة، لن تكون هناك عهدة خامسة لبوتفليقة". ويعتبر النشطاء هذا الشعار ردعياً للسلطة من أن التفكير في استخدام الحل الأمني أو القوة ضد الشعب والحراك لفرض ترشح بوتفليقة لن يكون مفيداً، وهو مؤشر على انكسار كامل لحاجز الخوف والرهبة من رد فعل السلطة، الذي كان سائداً خلال العقود الماضية. وجزء من الشعارات السياسية في الحراك يتأتى من الابتكار الجماهيري في الملاعب، وهي منابر كانت الأساس في كسر حاجز الخوف وإطلاق هتافات وأغانٍ سياسية مناوئة للسلطة والحكومة ورموزها. ويعبّر الباحث في علم الاجتماع نور الدين بكيس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أنه "في الحقيقة، مضمون هذه الشعارات يحيل إلى حالة ابتكار شعبي، ويشير إلى وعي سياسي لافت على بساطته"، مشيراً إلى أن التعابير السياسية لم تغب عن مجمل الحركات الاحتجاجية في الجزائر، لكن التمايز الخاص بحراك 22 فبراير يتصل بأن الشعارات توجهت رأساً إلى عمق المسألة السياسية.

قد يبدو الحراك في الظاهر عفوياً ودون قيادة، لكن في المقابل لا يمكن الاعتقاد بذلك لكون الحراك بدأ بقيادة مستترة استجمعت شروط الحراك وحددت اللحظة والمكان واليوم والساعة، وحررت المبادرة التي تلقفها الشعب. وأكد الناشط سمير بلعربي، لـ"العربي الجديد"، أن "لا أحد يقود الحراك، لم يكن ممكناً أن تكون للحراك قيادة، لأن تجربة الحراك في انتخابات العام 2014، عندما تم إنشاء حركة بركات، وتعني كفاية، لرفض ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، علمت الناشطين أن وجود حركة وهيكلية يسهّل على السلطة استهداف النشطاء وملاحقتهم وتشويههم في الإعلام أيضاً". وأضاف: "في حالة الحراك الجديد تم تلافي هذه الهيكلية. أعتقد أنه أمكن للكوادر الشبابية المؤثرة، التي اكتسبت رصيداً نضالياً ومصداقية لدى الجماهير، أن تدير الحراك، مستفيدة من دمقرطة وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها بشكل جيد"، بالإضافة إلى توزع النشطاء على المنابر الإعلامية للدفاع عن أهداف الحراك ونسف خطابات السلطة ومزاعمها بشأن العهدة الرئاسية الخامسة.

وفي خضم الحراك، يُطرح سؤال مركزي عن موقع الأحزاب والكيانات والتنظيمات المدنية داخل الحراك الشعبي. وبحسب الكثير من النشطاء، فإنه لم يكن ممكناً أن تكون الأحزاب السياسية في مقدمة الحراك، بسبب القطيعة النسبية بين الشعب والقوى السياسية وبسبب التشويه الذي طاول الرموز السياسية من قبل السلطة وبتشجيع منها على مدار عقود. ويعتقد النشطاء أنه لم يكن مطلوباً من الأحزاب والرموز السياسية أن تكون في الصفوف الأمامية بسبب ذلك، لكن المطلوب منها كان الدعم والمساعدة بكوادرها في تأطير الحراك وحمايته من الانفلات والاستفزاز وتوعية المتظاهرين بالحالة السلمية، ثم توفير غطاء سياسي لصالح الحراك وطمأنة الشارع إلى أن ما بعد الحراك ليس الفراغ السياسي. ثورة من دون قائد، وحراك بلا رموز، هكذا تبدو الحالة الشعبية في الجزائر، لكن الشعارات السياسية المرفوعة لا تعطي انطباعاً كهذا. وقد تكشف الأيام المقبلة عن الأطر والقيادات الشبابية التي سيفرزها الحراك بعد أن يحقق أهدافه السياسية.