بين زيمبابوي ومصر... مقارنات تستعيد حديث الانقلابات في أفريقيا

19 نوفمبر 2017
مواطنون من زيمبابوي سعداء بسقوط موغابي (جيكيساي أنجيكيزانا/فرانس برس)
+ الخط -

يحلو لكثيرين، في مصر خصوصاً، أن يقارنوا ما بين الانقلاب "غير الكلاسيكي"، إن جاز التعبير، في زيمبابوي، تحت شعار "حركة تصحيحية"، وبين الانقلاب الأكثر صراحة في مصر، يوم 3 يوليو/ تموز 2013. صحيح أن ما بين زيمبابوي ومصر عوالم متباعدة تجعل المقارنة الدقيقة غير واردة، وصحيح أنه "ليس كل ما يحصل في العالم سببه عبد الفتاح السيسي" كما يتصوّر عدد من معارضي الرئيس المصري، "بطل" انقلاب 2013 على محمد مرسي، إلا أن الحساسية الأفريقية إزاء الانقلابات تجعل كثيرين يقولون إن "القارة السمراء التي جهدت لتغير الصورة النمطية عن قارة الانقلابات فتحت على نفسها باباً انقلابياً منذ كان موقف حكام دولها متهاوناً إزاء ما حصل في القاهرة في صيف 2013، وهو ربما ما يكون قد جعل بعض الجنرالات في بعض دول القارة يتجرأون على استلام السلطة السياسية بالقوة العسكرية". ولا يتعلّق الكلام هنا بأي تهوين من ديكتاتورية أقدم طغاة أفريقيا؛ أي روبرت موغابي الحاكم منذ 37 عاماً، وهو شعور عام عند كل من أحبّ أن يقارن بين الحدثين المصري والزيمبابوي، وهو ما ظهر ويظهر في أحاديث مصرية شعبية وسياسية وأكاديمية وأخرى منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

"لم يحدث انقلاب عسكري"، هكذا أعلن قائد الجيش في زيمبابوي خلال عملية السيطرة على الحكم في البلد الأفريقي المحكوم بقبضة حديدية. العبارة السابقة ترددت قبل أربع سنوات، تحديداً عقب 3 يوليو/ تموز 2013 في مصر، بعد إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي من الحكم. وهي تحركات قادها وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي، قبل الفوز في الانتخابات الرئاسية بعدها بنحو عام. ورأى مراقبون أن "السيسي كان له دور كبير في إثارة مسألة الانقلابات في إفريقيا مرة أخرى، خصوصاً مع عدم اتخاذ موقف أفريقي وإقليمي ودولي رادع لتحركاته".

وحاولت أفريقيا خلال السنوات الماضية طي صفحة الانقلابات العسكرية، في القارة السمراء التي يصفها بعضهم بـ"قارة الانقلابات"، تحديداً مع ذكر بعض التقديرات أنها شهدت 180 إلى 200 انقلاب عسكري خلال فترة 100 عام. ولكن السيسي جاء في 2013 ليفتح صفحة جديدة من الانقلابات العسكرية في القاهرة السمراء، من خلال تحريك قوات الجيش للوجود في الشارع واحتجاز الرئيس المعزول في مكان غير معروف ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

المقاربات بين التجربة المصرية والانقلاب الأخير في زيمبابوي كبيرة، لناحية اعتراض الجيش على قرارات وتحركات رئيس الجمهورية، بغض النظر عن صحة وخطأ هذه القرارات، تحديداً تصريح قائد الجيش الثاني الميداني خلال فترة إطاحة مرسي من الحكم اللواء أحمد وصفي، الذي ذكر في لقاء تلفزيوني أن "ما حدث في مصر ليس انقلاباً، ويمكن القول إنه انقلاب إذا حصل السيسي وقيادات الجيش على امتيازات أو ترشح أحد للرئاسة"، مؤكداً "عودة الوضع إلى سابق عهده قبل تحرك الجيش".



"عودة الأمور لطبيعتها بعد تحرك الجيش" كان محوراً أساسياً في خطاب قائد الجيش بزيمبابوي، الجنرال كونستانتينو شوينغا، خلال إذاعة خطاب على التلفزيون الرسمي بعد السيطرة عليه مساء الثلاثاء الماضي، الذي تحرك ضد موغابي، بدعوى "التخلص من المحيطين به"، بعد التوتر في العلاقات على خلفية إقالة موغابي نائبه يوم الإثنين الماضي.

ومع توالي ردود الأفعال الدولية المنددة بهذا التحرك العسكري، ووصف الاتحاد الأفريقي ما حدث في زيمبابوي بأنه "يشبه الانقلاب"، نظراً لعدم إعلان تنحية الرئيس عن الحكم بل وضعه تحت الإقامة الجبرية. وكان لافتاً أن مصر لم تخرج ببيان واضح تجاه الأحداث في زيمبابوي، بل اكتفى المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد بالقول إن "مصر تتابع بقلق تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في زيمبابوي، وتدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتعامل بحكمة مع الوضع الراهن، بما يراعي مصالح ومقدرات الشعب الزيمبابوي الشقيق".

من جانبه، قال دبلوماسي مصري إن "تراجع الاتحاد الأفريقي عن موقفه في رفض ما حدث في مصر، باعتباره انقلاباً عسكرياً، شجّع أطرافاً في أفريقيا على إمكانية تكرار نفس التجربة". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاتحاد الأفريقي ليست لديه أدوات رادعة في مواجهة الانقلابات لناحية التحرك العسكري وأشياء من هذا القبيل، ولكن على الأقل فرض نوع من الحصار الإقليمي والدولي وتجميد عضوية الدول التي تحدث فيها انقلابات".

وتابع أن "عضوية مصر التي تم تجميدها عادت وكل شيء عاد إلى طبيعته كأن شيئاً لم يكن، وهو خطأ كبير، كان على الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي أن يدركا أن تجربة السيسي في الانقلاب يمكن أن تجرّ المنطقة إلى انقلابات أخرى". وأشار إلى أن الانقلاب على مرسي شجّع أطرافاً بالجيش في تركيا على محاولة الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان ولكنهم فشلوا، على الرغم من اعتباره امتداداً للتجربة المصرية. وقال خبير في مركز الأهرام للدراسات، إن "أفريقيا على ما يبدو مقبلة على سلسلة انقلابات إذا نجح ما حدث في زيمبابوي كما نجح الانقلاب في مصر، ولكن الأخطر هو التحرك الناعم للقوة العسكرية". وحول عدم إصدار مصر بياناً واضحاً حيال الأوضاع هناك، لفت إلى أن "مصر في حيرة، لأنها ليست قادرة على إدانة ما حدث، خوفاً على مستقبل العلاقات مع زيمبابوي".

وفي السياق ذاته يذكر ما حصل في عام 2015 في بوركينا فاسو التي كانت على موعدٍ مع انقلاب فاشل، يومي 16 و17 سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، وذلك بعد إقدام إحدى الفرق العسكرية على خلع الرئيس ميشال كافاندو، لفترة قصيرة، قبل أن تعود باقي وحدات الجيش للسيطرة على الانقلاب الفاشل، وتمكين كافاندو من مواصلة ولايته الرئاسية، وذلك تحت ضغط غربي كبير، فرنسي خصوصاً، رفض الانقلاب حينها.




المساهمون