قاض واحد بضميرين يجدد التشكيك بانتخابات الرئاسة المصرية

18 مارس 2015
التصعيد قد يكون سببه الصراع بين أجهزة الدولة (Getty)
+ الخط -

تعكف وسائل الإعلام المدعومة من أجهزة الأمن المصرية، على إعادة فتح ملف الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2012 بصور شتى، قاصدة التشكيك في نتيجة فوز الرئيس المعزول محمد مرسي بها، على حساب مرشح نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ورئيس وزرائه الأسبق، أحمد شفيق، في ظل صمت وتجاهل من النائب العام، على الرغم من سابقة إصداره قراراً بحظر النشر في هذه القضية.

واتخذت هذه القضية منحى درامياً، العام الماضي، عندما أراد المستشار عادل إدريس، قاضي التحقيق المنتدب في وقائع تزوير بعض أوراق التصويت التي طُبعت في المطابع الأميرية ومطابع الشرطة، الخروج عن مقتضى عمله واستدعاء أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية 2012، وعلى رأسهم رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق فاروق سلطان وخلفه ماهر البحيري والأمين العام للجنة آنذاك حاتم بجاتو، ووجّه إليهم اتهاماً بتزوير نتيجة الانتخابات النهائية لصالح مرسي.

وجاءت هذه الاتهامات مجافية لأبسط قواعد المنطق ومتابعة سيرة القضاة الثلاثة، فسلطان والبحيري شاركا في إصدار حكم حل مجلس الشعب المنتخب في 14 يونيو/حزيران 2012، ثم ترأس البحيري هيئة المحكمة التي أصدرت أول حكم بإلغاء قرار لمرسي ببطلان قراره بعودة البرلمان. كما أن بجاتو، وهو من القضاة المقربين لقيادات الجيش والذي عيّنه "الإخوان" وزيراً للشؤون النيابية في مارس/آذار 2013، كان أول من استقال من حكومة هشام قنديل بعد أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، وشارك في صياغة الإعلان الدستوري التالي لتعطيل العمل بدستور 2012.

وبسبب هذه الحالة من التربص الواضح بأعضاء اللجنة، والخروج عن مقتضى التحقيق المقرر، أوقف النائب العام وقبله رئيس محكمة استئناف القاهرة، التصرّف في ملف القضية، ولم يتم توجيه الاتهام رسمياً لأي من أعضاء اللجنة، مما سمح لمحامي أحمد شفيق بالمتاجرة بذلك في وسائل الإعلام المختلفة، وتسريب أجزاء من التحقيقات تدّعي أن الانتخابات كان يجب أن تُعاد بسبب الأوراق المسوّدة في المطابع، وحالات منع المسيحيين من دخول بعض اللجان في محافظة المنيا.

وتبيّن أن التحقيقات التي أجراها إدريس، شهدت تهديده لعضو اللجنة عبدالمعز إبراهيم، وهو رئيس اللجنة التي أشرفت على الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن فوز "الإخوان" بأغلبية مجلس الشعب عام 2011، بالحبس على ذمة القضية، وكذلك فعل مع عضو اللجنة الآخر أحمد شمس الدين خفاجي.

وحاول الاثنان في التحقيقات تبرئة ساحتهما، بعدما شعرا بأن هناك اتجاهاً لإعلان أن النتيجة شابها التزوير والتلاعب، فتحدثا عن عدم اطلاعهما على أوراق تؤكد وجود مخالفات، وذلك على الرغم من أن اللجنة في قرارها النهائي بإعلان فوز مرسي أكدت فعلاً وجود مخالفات، وأمرت النيابة العامة بالتحقيق فيها، وأوضحت أنها استبعدت نتائج العديد من اللجان، وأن الفارق لصالح مرسي لا يمكن تعويضه حتى إذا كانت كل هذه المخالفات لصالح شفيق.

اقرأ أيضاً: السيسي: أتحدث مع نتنياهو كثيراً و"الإخوان" كانوا سيدمرون الأهرامات

وعلى الرغم من أن التحقيقات أغلقت بالفعل منذ نحو 5 أشهر، إلا أن وسائل الإعلام المدعومة من أجهزة أمنية، مثل قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال محمد أبوالعينين، ويقدم برنامجها الرئيسي الإعلامي أحمد موسى، وموقع "فيتو" الإلكتروني، خرقت حظر النشر المفروض على القضية، بإجراء حوارين، الأسبوع الماضي، مع القاضي السابق عبدالمعز إبراهيم، قال فيه "إنه لم يوقّع، وكذلك زميله أحمد خفاجي، على قرار إعلان فوز مرسي، لأنه كان يرى وجوب إعادة الانتخابات في بعض الدوائر". واتهم فيه "بجاتو وسلطان والبحيري وزميله الآخر محمد ممتاز متولي، بإعلان فوز مرسي، على الرغم من وجود شكوك حول ذلك".

وتتنافى هذه التصريحات مع حقيقة توقيع جميع أعضاء اللجنة على جميع قراراتها الخاصة بالانتخاب والنتيجة، إذ اتخذت جميع القرارات بالإجماع، وكان يشار إلى ذلك في ديباجة القرارات، عدا قرار واحد لم يحدث فيه ذلك في مرحلة ما قبل الاقتراع صدر بالإجماع.

كما تتناقض التصريحات مع حوار سبق وأجرته صحيفة "الوطن" القاهرية في ديسمبر/كانون الأول 2013 مع عبدالمعز إبراهيم نفسه، قال فيه إنه "واثق من نزاهة الانتخابات الرئاسية التي شارك في الإشراف عليها"، مضيفاً أن "القاعدة كانت أن الناخب المصري يأمل بوصول صوته للمرشح، وهذا الأمر تحقق بنسبة 100 في المائة، ولا يستطيع أحد أن يقول عكس ذلك".

وعن مسألة الأوراق المسوّدة سلفاً، ذكر إبراهيم أن "اللجنة اجتمعت عندما أُثير هذا الكلام، ولجأنا إلى الجهات المختصة، وأخطرنا النيابة فيما يتعلق بالبطاقات المسودة التي جاءت من المطابع الأميرية، وكان عددها قليلاً جداً، وجرى ضبطها واستبعادها من الصناديق، ومن يقول إن عدد هذه البطاقات كبير، يريد الدعاية والحصول على مكاسب سياسية".

واستطرد: "أما ما يتعلق بمنع أقباط من الإدلاء بأصواتهم في بعض قرى ومدن الصعيد، فقد اتصلنا على الفور بكل أجهزة الأمن وحاولنا استكشاف الحقيقة، فقالوا لنا إن هذه اللجان للسيدات، وهن لا يخرجن للتصويت، وهذا الأمر تكرر في الانتخابات السابقة".

اختلاف كامل إذاً بين تصريحات عبدالمعز إبراهيم في 2013 وتصريحاته في 2015. ومما يثير التساؤلات أيضاً أن القاضي الآخر الذي قال عبدالمعز إبراهيم إنه شاركه رفض التوقيع هو أحمد خفاجي، الذي قال في حوار مع صحيفة "الشروق" بعد انتخاب مرسي بثلاثة أشهر إن "اللجنة قامت بإخضاع الدوائر الثلاث التي ارتأى البعض إعادة الانتخابات فيها لعمليات حسابية تحليلية عميقة، وتبين منها بالمقارنة مع النتيجة الإجمالية في باقي دوائر الجمهورية، أنها لن تكون مؤثرة على الإطلاق على النتيجة النهائية، مهما كان عدد الأصوات التي سيحصل عليها أي المرشحين".

وفي ظل عدم تفعيل النائب العام عقوبات حظر النشر، دخل أيضاً على الخط مقدم البرامج التليفزيونية، توفيق عكاشة، الذي يضخّم في حلقاته الأخيرة من مسألة تزوير انتخاب مرسي رئيساً، بهدف الإساءة إلى أمين عام لجنة الانتخابات آنذاك، حاتم بجاتو، الذي كتب توصية ببطلان تقسيم الدوائر الانتخابية التي أدت إلى إلغاء الانتخابات البرلمانية.

ورجّحت مصادر مطلعة على هذا الملف أن يكون هذا التصعيد في إطار صراع بين أجهزة الدولة المصرية، يقوده جهاز الأمن الوطني ضد المحكمة الدستورية العليا بعينها، وذلك بسبب خلافات سابقة بين عدد من قضاة المحكمة وشخصيات أمنية نافذة خلال الانتخابات الرئاسية في 2012، التي تم فيها منع الشرطة من لعب دورها المعتاد في التأثير على الناخبين للتصويت لصالح شفيق، وبسبب اكتشاف اللجنة أن بعض الأوراق المسودة سلفاً خرجت من مطابع الشرطة وليس من المطابع الأميرية.

المساهمون