معركة "هيئة الحقيقة والكرامة" والرئاسة التونسية... المواجهة الأخيرة؟

31 اغسطس 2015
سهام بن سدرين مناضلة ضد بن علي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تمر "هيئة الحقيقة والكرامة" في تونس، بعاصفة جديدة على أثر رسالة وجهها أحد أعضائها الرئيسيين زهير مخلوف إلى رئيس مجلس النواب محمد الناصر دعاه فيها إلى فتح تحقيق ضد رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بحجة وجود شبهات تتعلق بسوء التصرف المالي والإداري، وبعد ذلك مباشرة فوجئ الجميع باستقالة القاضي الإداري محمد العيادي نظراً لما وصفه بـ"عدم توفر المناخ الملائم لإتمام المهمة التي انتخب من أجلها"، وقبل ذلك بفترة وجيزة قدم أيضاً المدير التنفيذي للهيئة، العروسي العمري، استقالته بحجة عدم توفر الشروط المناسبة للعمل، لتكون خامس استقالة من العيار الثقيل التي تعصف بهذه الهيئة منذ تم انتخاب أعضائها من قبل المجلس الوطني التأسيسي قبل انتهاء مهمته.


اقرأ أيضاً: مبادرة السبسي للمصالحة: تبرئة للفاسدين؟

حدثت هذه التطورات في سياق مواجهة مفتوحة بين الهيئة من جهة، ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى. وقد اندلعت إثر تقديم الباجي قائد السبسي مشروعه الخاص بالمصالحة مع رجال الأعمال زمن المخلوع زين العابدين بن علي، والذي اعتبره صاحبه بأنه سيكون بمثابة الآلية التي من شأنها أن تطوي صفحة الماضي، وتعيد إدماج رجال الأعمال الذين تورطوا في الفساد مع الرئيس السابق وعائلته، وذلك بعد تحقيق "المصالحة المالية والاقتصادية" بحسب تسميته، في حين رأى جزء من أعضاء الهيئة وفي مقدمتهم رئيستها، سهام بن سدرين، أن المشروع الرئاسي ليس سوى محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الهيئة، ولا يخرج عن نطاق العفو عن مجموعة من الذين أفسدوا قبل أن يحاسبوا، وبذلك يكون حزب "نداء تونس" ومؤسسه قد انخرطا حسب اعتقادهم، في عملية تهدف إلى "ضرب مسار العدالة الانتقالية في العمق".
يرى البعض أن رئيسة الهيئة، بن سدرين، التي كانت أشبه بالمرأة الحديدية في مناهضتها لنظام بن علي، تخوض اليوم "المعركة الأخيرة". وقد تأخذ القضية الراهنة منعرجاً خطيراً إذا ما قرر مكتب مجلس نواب الشعب تشكيل لجنة برلمانية للنظر في الشكوى المقدمة ضد سهام بن سدرين للتحقيق معها حول مدى صحة الاتهامات الواردة في الرسالة التي وجهها زميلها مخلوف إلى البرلمان ضدها. وكان 62 نائباً قد تقدموا بطلب جماعي لفتح تحقيق حول التأكد من محتويات هذه الرسالة. وما يُخشى هو أن تتسع رقعة التحقيق في إحالة الملف إلى القضاء، وخصوصاً أن هناك شكوى مرفوعة ضد بن سدرين من قبل 17 نائباً اتهموها بالتواطؤ مع أحد الناشطين المدوّنين الذي هدّد بحرق مقر مجلس النواب في حال التصويت لصالح "مشروع المصالحة".


اقرأ أيضاً: جدل حول قانون "السبسي" للعفو عن رجال أعمال "المخلوع"

يمرّ الرأي العام التونسي في حالة انقسام حول كيفية التعامل مع هذا الملف الساخن والمعقّد، وآخر مظاهر ذلك الانقسام تجلّى بالوفد الذي قاده الرئيس السابق المنصف المرزوقي إلى رئيسة الهيئة للتعبير عن تضامنه معها. في المقابل، يبدو أن رئاسة الجمهورية وحزب نداء تونس قد حسما أمرهما وقررا الدخول في معركة كسر عظم ضد بن سدرين التي تبدو مستعدة للذهاب حتى النهاية في هذه المعركة.

يتوقف المراقبون في تونس عند ثلاث نقاط في القضية السجالية: أولاً أن "هيئة الحقيقة والكرامة" تعتبر هيئة دستورية، إذ نصّ الدستور على مسار "العدالة الانتقالية" ومجالات النظر فيها، وبالتالي فإن حمايتها تشكل جزءاً من حماية الدستور نفسه، لذلك فإنّ أي محاولة لإلغاء هذه الهيئة أو إضعافها ستؤدي مباشرة إلى الوقوع في التناقض الصريح والمباشر مع الدستور ومع الإرادة الشعبية. ثانياً، لا يمكن القفز على حالة الاضطراب التي تمر بها الهيئة منذ أشهر عبر الأجواء المشحونة وتواتر الاستقالات في صفوفها، ذلك أن الهيئة التي لا تستطيع أن تحقق الوفاق بين أعضائها، سيكون من الصعب عليها أن تحقق وفاقاً أوسع على الصعيد الوطني. ثالثاً، يبدو واضحاً أن التمييز والفصل بين اختصاصات هذه الهيئة في مجال الحريات والملفات ذات الطابع السياسي، عن الملفات ذات الطابع المالي الخاصة بالفساد، سيكون صعباً، وخصوصاً أن النص الدستوري يؤكد شمولية أعمال الهيئة. من هنا جاء هذا التعارض بين مشروع "المصالحة" الذي قدمه رئيس الجمهورية وبين صلاحيات هذه الهيئة. هو مشروع يتضمن ما من شأنه أن يثير الشكوك، ويُخشى أن يكون مجرد تسوية مالية وظرفية لأوضاع عدد من رجال الأعمال الذين تورطوا في الفساد.

اقرأ أيضاً: المصالحة الوطنية التونسية تراوح مكانها

المساهمون