الصراع الأميركي الروسي على سورية يتصاعد: تبادل اتهامات وتحذيرات

17 ديسمبر 2017
زيارة بوتين لحميميم رسالة بنفوذ بلاده بسورية(ميخائيل كليمنتيف/فرانس برس)
+ الخط -


يتصاعد صراع النفوذ بين الروس  والأميركيين على سورية، ويهدد مستقبل البلاد التي تحوّلت إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي، في ظل انسداد أي أفق أمام التوصل إلى حل سياسي. ويتجلى هذا الصراع على أكثر من صعيد، أكان في المسار السياسي الذي تواصل فيه واشنطن دعم مفاوضات جنيف للتوصل إلى تسوية تنهي من خلالها الأزمة السورية، فيما نجحت موسكو إلى حد بعيد في إفشال هذه المفاوضات، مع سعيها لنقل مرجعية الحل إلى مؤتمر سوتشي. أما على الصعيد العسكري، فتستمر الاتهامات المتبادلة بين البلدين، مع تواصل حديث روسيا عن دعم الولايات المتحدة لـ"الإرهابيين"، واعتبارها الوجود الأميركي في سورية غير شرعي، في وقت تبدي فيه واشنطن قلقاً من خطر جديد يتمثل في إمكان حدوث اشتباك بين طائرات مقاتلة روسية وأميركية فوق سورية، في ظل تكرر الأحداث المشابهة في الأسابيع الماضية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال مستبعداً أن يتحول هذا التنافس إلى صدام عسكري مباشر بين البلدين.

وفي هذا السياق، حذر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، من "التحليق غير الآمن والخطر" للطيران الروسي في الأجواء السورية، مضيفاً في تصريحات للصحافيين في مقر البنتاغون أمس الأول الجمعة، أن "الطرفين الأميركي والروسي يتابعان التنسيق هاتفياً بشأن حركة الطيران في أجواء سورية المكتظة". جاء ذلك في تعليق لماتيس، على واقعة حصلت الأربعاء، عندما اعترضت طائرتا "اف-22" أميركيتان طائرة "سوخوي-25" روسية في المجال الجوي السوري في منطقة ما كان ينبغي لها أن تتواجد فيها، وفق مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية. وتكررت الأحداث المماثلة في الأسابيع الماضية، على الرغم من أن البلدين يستخدمان خط اتصال مباشر لتفادي الاشتباك منذ تدخّل روسيا في النزاع السوري في سبتمبر/أيلول 2015.

مقابل ذلك، اتهمت وزارة الدفاع الروسية صراحة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بمواصلة "التعاون" مع ما   سمتهم بـ"بقايا الإرهابيين" في سورية، مشيرة في بيان صدر أمس عن قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري إلى "أن المدربين العسكريين الأميركيين يقومون بإنشاء وحدات عسكرية جديدة بعنوان "الجيش السوري الجديد" بالقرب من مخيم للاجئين في مدينة الحسكة". وقالت إن هذا الجيش يتكوّن "من مجموعات منشقة عن المسلحين"، ناقلة عن "النازحين الذين عادوا إلى منازلهم" قولهم "إن العسكريين الأميركيين أعلنوا أن هذه الوحدات بعد انتهاء فترة تدريبها ستنقل إلى جنوب سورية لمحاربة القوات الحكومية"، وفق البيان. كما نقل المركز عن "شهود عيان" قولهم إن التحالف الدولي "يستخدم هذه القاعدة" لهذه الأغراض منذ أكثر من 6 أشهر، مؤكدين وجود نحو 750 مسلحاً وبينهم 400 مسلح من تنظيم "داعش" تم إخراجهم من الرقة في أكتوبر/تشرين الأول بدعم من الولايات المتحدة.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد اتهمت الأسبوع الماضي، التحالف الدولي بمحاولات إعاقة استهداف الطائرات الروسية لمواقع تنظيم "داعش" في شرق سورية، مشيرة في بيان إلى أن "غالبية حالات التقارب بين الطائرات الروسية والأميركية فوق حوض نهر الفرات كانت متعلقة بمحاولات الطيران الأميركي إعاقة القضاء على إرهابيي داعش"، وفق البيان. وكانت موسكو وواشنطن تبادلتا على مدى سنوات الأزمة السورية اتهامات وصلت إلى حد الصدام المسلح بين وكلاء العاصمتين على الجغرافيا السورية، خصوصاً في شرقي البلاد الذي بات مسرح صراع على النفوذ بين الطرفين.


وفي الوقت الذي تعتبر فيه موسكو الوجود الأميركي في سورية "غير شرعي" لأنه لم يحصل على موافقة النظام، ترى واشنطن أن موسكو تدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد ونظامه وتغلق كل السبل المتاحة من أجل التوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع. وأجهضت موسكو على مدى سنوات الأزمة مشاريع قرارات في مجلس الأمن الدولي من أجل تخفيف معاناة السوريين من آثار حرب لا تزال مفتوحة من قبل النظام على معارضيه، ما جعل المجتمع الدولي مكتوف الأيدي منذ عام 2011، ولا يزال. كما تنظر الولايات المتحدة بعين الاستياء للتعاون الروسي الإيراني في سورية والذي أفضى إلى سيطرة الجانبين على غالبية البلاد التي باتت ميادين نفوذ معلنة لموسكو وطهران.

ونجحت روسيا إلى حد بعيد في إفشال مساعي الأمم المتحدة في التوصل لحل سياسي في مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام بسبب الدعم اللامحدود للأخير الذي بات يتصرف كـ"منتصر" بسبب الدعم الروسي. وتريد موسكو فرض حل يحقق طموحاتها في الشرق الأوسط، لذا تدفع باتجاه عقد "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي ليكون بديلاً عن مسار جنيف. وفي آخر التصريحات الروسية التي تؤكد عدم نيّة موسكو تسهيل التوصل لحل في سورية، قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين الجمعة إن على المعارضة "ومموليها" إدراك ضرورة استبعاد مطالب، كمغادرة الأسد، من أجندتهم.
كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في كلمة له يوم الجمعة أمام مجلس الاتحاد الروسي، إن على جدول أعمال مؤتمر "الحوار السوري" المزمع عقده في مدينة سوتشي مطلع العام المقبل "وضع دستور جديد، والتحضير لانتخابات عامة، وحل القضايا الإنسانية، ووضع برنامج لإعادة الإعمار"، ما يعني عملياً إفراغ مسار جنيف الأممي من أي قيمة سياسية، وتكريس الحل الروسي للصراع بعيداً عن قرارات الشرعية الدولية.

في المقابل، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت في بيان تأييد بلادها "دعوة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، مؤيدي النظام إلى الضغط عليه للمشاركة الكاملة في مفاوضات ملموسة مع المعارضة في جنيف"، مشيدة بـ"المشاركة البنّاءة" للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف. وتدعم الولايات المتحدة مسار جنيف التفاوضي في محاولة لتحقيق حل سياسي بعيد عن الرغبة الروسية في إعادة تأهيل بشار الأسد الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أخيراً بـ"الوحش"، مشدداً على أنه لا مستقبل له في سورية، في إشارة واضحة إلى أن واشنطن ستضع عراقيل في طريق أي مخرجات من مؤتمر سوتشي لا تدفع باتجاه تنحي الأسد عن السلطة، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالملف السوري.

وجاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام إلى القاعدة الروسية العسكرية في حميميم بالساحل السوري، أوضح رسالة للجانب الأميركي والغرب عموماً مفادها أنه بات المتحكم بالقرار السوري. وكان واضحاً من طريقة "إهانة بشار الأسد المتعمدة" من قبل بوتين، أن الأسد بات تابعاً للروس، وأن سورية باتت منطقة نفوذ للروس في شرقي المتوسط، وهو الحلم الذي طالما حاولت روسيا تحقيقه، فالوصول إلى "المياه الدافئة" كان هدف موسكو منذ أيام القياصرة وقد تحقق أخيراً، وليس في نيّة موسكو التخلي عنه وقد بات حقيقة.

على الرغم من كل هذا التوتر، ليس من المتوقع أن يتحوّل الصراع الروسي الأميركي على سورية إلى صدام مسلح يمكن أن يؤدي إلى خلط أوراق إقليمية، وربما يدفع إلى ما هو أخطر. ولكن لا يمكن عزل التنافس الروسي الأميركي عن تنافس مماثل في شرقي آسيا، وفي شرقي أوروبا، وفي شمال أفريقيا، حيث تضع روسيا عينها على ليبيا، في وقت توسع فيه نطاق تعاونها مع مصر. ومع انتهاء الحرب على تنظيم "داعش" في شرقي سورية، تسابق الجانبان الروسي والأميركي على إعلان "النصر" الذي أدى إلى تدمير مدن كاملة وتشريد عشرات آلاف المدنيين.

المساهمون