ماذا يريد كيم جونغ أون من التجارب النووية؟ لغز يحيّر أجهزة الاستخبارات

04 سبتمبر 2017
تحركات كيم تخلط الأوراق (فرانس برس)
+ الخط -
بعد حالة الصدمة العالمية إثر إعلان كوريا الشمالية عن إجرائها تجربتها النووية السادسة، تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" عما يريد حاكم بيونغ يانغ، كيم جونغ أون، من وراء تطوير الترسانة النووية لبلاده، موضحة أنه ما زال يصعب الردّ على هذا السؤال، بشكل يفوق باقي الأسئلة التقنية التي حيرت لأعوام أجهزة الاستخبارات الأميركية واليابانية والكورية الجنوبية حول القنابل التي يمتلكها كيم، والأماكن التي يستطيع أن يضربها بصواريخه.


ولفتت الصحيفة إلى أنه بعد تجربة بيونغ يانغ، ليل السبت الأحد، بدأ العالم يعرف أكثر عن قوة ترسانة كوريا الشمالية النووية، رغم أن الغموض ما زال  يلف مدى صحة ادعائها بالقيام بتفجير قنبلة هيدروجينية

وأضافت "نيويورك تايمز" أنه بعد ست سنوات من وصول كيم إلى الحكم وشروعه في تصفية من يعارضون حكمه (أحيانا باللجوء إلى الأسلحة المضادة للطائرات)، فإنه لا يوجد موضوع يختلف حوله الخبراء أكثر من دوافع هذا الطاغية البالغ 33 عاما، الذي يبدو أن أي خطوة يقوم بها تبدو من ناحية كاستراتيجية ماكرة، ومن ناحية أخرى كمحاولة للبقاء في الوجود، ومن طرف ثالث كرغبة نرجسية في امتلاك السلاح النووي.

وتابعت الصحيفة أن الفكرة الشائعة كانت هي أن كيم، مثل والده وجده قبله، تحركه في الغالب رغبة شديدة في الحفاظ على إرث العائلة؛ أي ضمان بقاء الدولة الصغيرة التي لا يمكن توقع ما ستقوم به، والتي بقيت في عزلة تامة عن باقي العالم، بعد نجاتها من الحرب الباردة. لكنها استحضرت أنه داخل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدأ الكثير من المسؤولين تساورهم شكوك بشأن الفكرة الشائعة سابقا والمتمثلة في كون بيونغ يانغ تحاول تطوير ترسانتها النووية لتحصين حدودها، وتفادي قيام الولايات المتحدة وحلفائها بإيجاد اللحظة المناسبة للإطاحة بنظام كيم.

وأشار مقال "نيويورك تايمز" في هذا الصدد إلى أنه يمكن أن يكون الهدف الحقيقي لكيم هو الابتزاز، إذ يرى المسؤولون الأميركيون أن ذلك قد يتحقق إذا تمكنت كوريا الشمالية من تهديد مدن أميركية مثل لوس أنجليس، أو شيكاغو، أو نيويورك.

كما يمكن أن تكون خطوات بيونغ يانغ، وفق الصحيفة، محاولة منها لبث الفرقة بين الولايات المتحدة الأميركية وحليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية، لا سيما إذا تخلت واشنطن عن حمايتهما في حال وجود تهديد حقيقي لأراضيها، ما قد يدفعها لسحب قواتها من منطقة المحيط الهادي.

وفي هذا الصدد صرح للصحيفة الخبير بشؤون كوريا الشمالية بجامعة كووكميم بسيول، أندري لانوف، قائلا: "إذا واجه الأميركيون الخيار بين سان فرانسيسكو وسيول، فسيختارون سان فرانسيسكو". 

أما القراءة الأخرى لخطوات كوريا الشمالية، فيمكن أن تكون محاولة من كيم للعب دور الوسيط بين ترامب ونظيره الصيني، شي جينبينغ، بحسب الصحيفة، التي اعتبرت أن حاكم بيونغ يانغ، يركز انتباهه عليهما، وأن ما تقوم به بلاده ربما محاولة لدفع الرئيسين الصيني والأميركي للتعامل مع كيم كنظير لهما. وخلصت الصحيفة إلى أنه يمكن أن تكون الأمور الثلاثة مجتمعة هي الدوافع التي تحرك كوريا الشمالية.

وبشأن صعوبة التعرف على النوايا الحقيقية لحاكم بيونغ يانغ، ذكرت الصحيفة أن المنشقين عن النظام يظهرون بشكل دوري بلندن وسيول، ويقدمون صورة عما يجري بالداخل، لكن فئة قليلة فقط منهم يمتلكون الأسرار الحقيقية. وتابعت أن الوثائق التي كشفت عنها تسريبات العميل الأميركي السابق، إدوارد سنودن، توضح أن وكالات الاستخبارات الأميركية اخترقت أجهزة الكومبيوتر التابعة لمكتب الاستعلامات العامة (وكالة الاستخبارات المركزية بكوريا الشمالية)، لكن ما استطاعوا الوصول إليه هو معرفة العمليات التي كانت تجري بدل نوايا البلاد.

"أي شخص يدعي معرفة ما تريد كوريا الشمالية يكذب عليك، أو يقوم فقط باستعراض التخمينات"، كما جاء في تصريح للصحيفة أدلى به جون وولفستال، أحد المختصين ضمن برنامج السياسات النووية بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ومدير سابق مسؤول عن مراقبة الأسلحة وحظر انتشارها بالمجلس الأمني القومي الأميركي خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما. وولفستال أضاف في تصريحه للصحيفة: "لا نعرف بمَ يفكر كيم جونغ أون، فكيف لنا أن ندرك ما يسعه القيام به في نهاية المطاف؟ لا نمتلك معلومات استخباراتية كافية بشأن طريقة تفكيره".

من جانب آخر، نقلت الصحيفة تصريحا أدلى به لشبكة "سي بي إس" نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، مايكل مورل، قال فيه إن كيم "يريد أن يظهر أنه قادر على أن يضع مدينة أميركية تحت التهديد النووي"، قبل أن يضيف: "هذا ما يسعى إلى الوصول إلى تحقيقه".

واعتبرت "نيويورك تايمز" أنه (كيم) تمكن تقريبا من تحقيق هذا الهدف، مضيفة أن "التبرير الأكثر شيوعا هو أن السيد كيم يعتقد أنه في اللحظة التي يستطيع فيها ضرب لوس أنجليس، أو ربما نيويورك وواشنطن، فإن الولايات المتحدة لن تجازف بالقيام بنفس ما ساعدت في القيام به للعقيد معمر القذافي، الحاكم الليبي الراحل"، وفق ما ورد فيها.

وتابعت الصحيفة أن القذافي تخلى عن برنامجه النووي الناشئ في 2003، مقابل وعود بالانفتاح الاقتصادي من الدول الغربية، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق. ولفتت إلى أنه مع بداية الانتفاضة ضد نظامه، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وبعض الدول العربية بقصفه، ليتم العثور عليه مقتولا على يد الثوار.

أما بشأن العقبات التي تواجه طموحات بيونغ يانغ، فنقلت الصحيفة تصريحا للباحث بمعهد كوريا للتوحيد الوطني (مركز أبحاث تابع لكوريا الجنوبية)، شو هان بوم، قال فيه إن "كوريا الشمالية لا تمتلك القوة الكافية لشن حرب شاملة تدوم لوقت طويل لفرض التوحيد بالقوة"، في إشارة منه إلى توحيد الكوريتين.

وتابع الباحث "يستحيل على كوريا الشمالية، بينما تعاني من نقص في المواد الغذائية، أن تقوم بتحرير الكوريين الجنوبيين بالقوة"، مضيفا أن كيم "ليست لديه رغبة في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال".