وثمة من يرى أن الاهتمام الأميركي بتنمية شمال سيناء على وجه الخصوص دون بقية المحافظات المصرية وتحديدها كمنطقة من الضروري تنميتها، يرتبط بأسباب سياسية. ويمكن أن تتلخّص الدوافع تحت مظلة "صفقة القرن" التي تتبناها الإدارة الأميركية كحل لتصفية لقضية الفلسطينية، وبموافقة أطراف إقليمية كمصر، في مقابل حزمة من المساعدات الاقتصادية لها، ووضع سيناء كجزء من الحل النهائي للقضية الفلسطينية، والذي يتركز دور شمال سيناء فيه على إنجاز مشاريع كبرى يكون لجارها قطاع غزة حصة منها، كالمياه والكهرباء والمواصلات، وفقاً لبنود "الصفقة" التي أُعلن عنها في 28 يناير/كانون الثاني الماضي.
وحول هذا الموضوع، يقول باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" إن أهالي سيناء لا يستبشرون خيراً بمشاريع تنمية محافظتهم التي يجرى الإعلان عنها من قبل الدولة المصرية، فكيف الحال إن كانت المشاريع بدعم أميركي معلن، مبدياً توجّسه من الاتفاقية لأن تفاصيلها تتوافق كثيراً مع الهواجس المتعددة التي تتملك أهالي سيناء نحو أرضهم ومستقبلهم، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عقب انقلابه العسكري صيف عام 2013، وما تبع ذلك من تدمير للحياة في سيناء على يد قوات الجيش. ويضيف الباحث أنّه لا يعقل أن تحصل التنمية التي ينشدها أهالي سيناء على يد النظام الذي لا يزال يهجّرهم من أرضهم ويقتلع كل مظاهر الحياة التي أقاموها بجهود ذاتية على مدار العقود الماضية، معتبراً أن الدعم الأميركي في عهد السيسي لتنمية شمال سيناء لا يمكن تصنيفه إلا ضمن المصالح السياسية العليا للولايات المتحدة، في إطار "صفقة القرن".
ويوضح الباحث أن كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر لم تتبنَّ مسألة تنمية سيناء بالشكل الحقيقي والمطلوب، فيما ترجح نسبياً كفة حسني مبارك على بقية الرؤساء في إعطاء سيناء جزءاً يسيراً من الاهتمام الحكومي، كإنشاء الطرقات والمراكز الصحية والتعليمية. أما ما يجرى الحديث عنه من مشاريع عملاقة في قطاعات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمواصلات والزراعة والمزارع السمكية، فلا يمكن أن يكون المستهدف منه المواطن السيناوي الذي جرى تهجيره أخيراً من الأرض التي ستمدّ المياه والكهرباء إليها من خلال هذه المشاريع. بالتالي فإن الحذر يجب أن يكون من تنمية أميركا لسيناء، في هذا التوقيت خصوصاً، لأن التنمية الحقيقية تبدأ من إعادة الحقوق لأصحابها عبر عودة المهجرين إلى أراضيهم، لأن بيوتهم هُدّمت على يد الجيش، وكذلك إعطاء سيناء أولوية لدى الحكومة المصرية، واحترام المواطن السيناوي كمواطن مصري وليس غريباً على الجمهورية، كما هو الحال الآن. ويشدّد على أن لسيناء القدرة على تنمية نفسها في حال أرادت الدولة المصرية ذلك، وليست في انتظار أي جهة خارجية، في ظل الموارد التي تملكها.
وتأتي زيادة مبلغ الاتفاقية الموقعة بين مصر والولايات المتحدة، بعد أشهر من زيارة وفد من الكونغرس الأميركي إلى شمال سيناء، التقى خلالها مسؤولين حكوميين وقادة عسكريين، ونوقشت فيها ملفات عدة مرتبطة بالمشاريع الاقتصادية والبنى التحتية. وحظيت الزيارة باهتمام مصري بالغ في حينه، لكونها الأولى من نوعها لناحية تجوال وفد أميركي بهذا المستوى ميدانياً في سيناء والتنقل فيها على الرغم من الأوضاع الأمنية غير المستقرة، التي تدفع قادة مصريين إلى عدم التحرك فيها أو زيارتها، وفي مقدمتهم السيسي ووزراء حكوماته المتعاقبة التي لم تطأ أقدامهم مناطق واسعة من سيناء منذ توليه الحكم.
وتعليقاً على الاتفاقية، شدّدت وزيرة التعاون الدولي المصري، رانيا المشاط، على توافقها مع الاستراتيجية الجديدة للوزارة في الشراكات الدولية والمؤسسة على ثلاثة محاور رئيسية هي المواطن والمشاريع الجارية والهدف. وذكرت أن المشروع سيوفر مياه الشرب لنحو 300 ألف مواطن وخدمات الصرف الصحي لنحو 100 ألف مواطن. وفي ما يتعلّق بالمشاريع الجارية، فإن هذا المشروع يتوافق مع برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، ويتضمن حفر آبار مياه في شمال سيناء، وإنشاء محطات لتحلية المياه، وإنشاء مزرعة سمكية واستخدام المياه الناتجة من المزرعة في الزراعة، ودعم خدمات النقل في جميع أنحاء المحافظة، وذلك في إطار جهود وزارة التعاون الدولي، من خلال الشركاء في التنمية، لتوفير منح تساهم في تحسين حياة المواطنين في سيناء، ضمن المرحلة الثانية من برنامج تنمية سيناء. وأشارت الوزيرة إلى أنه بالنسبة للمحور الثالث، وهو الهدف، فإن المشروع يساهم في تحقيق خمسة من أهداف التنمية المستدامة، أبرزها ملف النظافة الصحية من خلال توفير المياه الصالحة للشرب للمواطنين، والقضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة.