معركة أولويات بمحادثات السويد اليمنية: قضايا مستعجلة وأخرى مؤجلة

24 نوفمبر 2018
تنقسم آراء اليمنيين إزاء جولة المحادثات المقبلة(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
من جولة تفاوضية إلى أُخرى ومن طاولة إلى طاولة ومن بلد إلى آخر لا تزال الأطراف اليمنية المتصارعة تواصل تنقلاتها منذ 2015 مع فارق زمني طويل بين كل جلسة وجلسة. كأنهم يفعلون ذلك بتكاسل شديد حتى ظهر وكأنه حاصل على نحو متعمّد، فلا أحد من تلك الأطراف يستعجل إنهاء الحالة الصعبة القائمة في اليمن، وإن كانت المؤشرات الراهنة التي تسبق الجولة الجديدة من المحادثات المرجح انطلاقها مطلع ديسمبر/ كانون الأول المقبل في السويد، تشير إلى أن الواقع سيكون مغايراً، من دون أن يمنع ذلك اليمنيين بمختلف انتماءاتهم من الاحتفاظ بكثير من المخاوف بناء على تجارب جولات المحادثات السابقة.

جولات بنتائج باهتة

في مايو/ أيار 2015، أي بعد شهرين تقريباً من بدء التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، حربه في اليمن بذريعة التدخل لإعادة الشرعية بعد اجتياح الحوثيين لأبرز المحافظات اليمنية وتمكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الإفلات من الإقامة الجبرية في صنعاء ثم الانتقال إلى عدن وبعدها الرياض، جرت أولى محاولات جمع الأطراف اليمنية في جنيف السويسرية خلال عهد المبعوث الأممي الثاني إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي خلف المبعوث الأول جمال بن عمر بعدما استقال من منصبه عقب نحو ثلاثة أسابيع من بدء تدخل التحالف.

الشروط المتبادلة بين طرفي الحرب المحليين، الحوثيين والشرعية، أطاحت فرص الجلوس على طاولة واحد، وتأجل الأمر حتى 14 يونيو/ حزيران 2015. حضر وفد الشرعية اليمنية إلى جنيف وتأخر وفد تحالف الحوثي صالح ليومين عقب تأخيره في جيبوتي قبل أن تبدأ المحادثات رسمياً في 16 يونيو، لكنها انتهت بعدها بثلاثة أيام في 19 يونيو كما بدأت بدون أن يجلس الطرفان على طاولة واحدة، نتيجة إصرار الحوثيين يومها على أن تعقد مشاورات بين قوى سياسية يمنية وليس بين الوفدين، معتمدين على تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
سرعان ما تجددت محاولات إحياء المحادثات، وهو ما تحقق في عهد ولد الشيخ أيضاً في مدينة بيل السويسرية يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول 2015 على وقع هدنة هشة حدد موعد مرحلي لها بأسبوع ضمن ما اصطلح على تسميته بمحادثات جنيف 2. حضرت يومها مواضيع عدة على أجندة المفاوضات التي تمكنت الأمم المتحدة من جمع الأطراف المشاركة فيها وجهاً لوجه على عكس الجولة الأولى. جدول الأعمال الذي وضع لهذه الجولة تضمن العمل لعودة اليمن إلى عملية الانتقال السياسي السلمي والمنظم، انطلاقاً من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216 (الذي طالب الحوثيون بوقف القتال وسحب قواتهم من المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها بما في ذلك صنعاء) بهدف بناء خارطة طريق متفق عليها ضمن تسلسل واضح، وتشمل التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم ومستدام، الانسحاب المتفاوض عليه للقوات العسكرية والاتفاق على إجراءات أمنية مؤقتة، التعامل مع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، استعادة سيطرة الحكومة على مؤسسات الدولة واستئناف عملها بصورة كاملة، استئناف الحوار السياسي.
كما تم تحديد إجراءات بناء الثقة والخطوات الفورية "التي تفضي إلى منافع إيجابية ملموسة للشعب اليمني"، وتشمل الإجراءات الفورية لتحسين الوضع الإنساني، تحديداً تعز التي كان الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً عليها، الإجراءات الفورية لإنعاش الاقتصاد، إطلاق المعتقلين، وقف إطلاق النار بشكل محلي حيثما أمكن. وطرح كل ذلك على أن يكون خطوة أولية نحو إعلان وقف إطلاق النار على المستوى الوطني.
لكن أياً من ذلك لم يحدث على أرض الواقع لا قبل ولا خلال ولا حتى بعد المحادثات التي توقفت بسبب رفض الحوثيين استكمالها نتيجة التطورات الميدانية المتسارعة التي كانت تسير لصالح القوات الموالية للشرعية تحديداً في محافظة الجوف. وبذلك فشل أحد أهم أهداف الأمم المتحدة من المفاوضات والمتمثل في ضمان اتفاق وقف لإطلاق النار قابل للاستمرار.

المحاولة الثالثة كانت حتى الآن الأطول والأكثر جدية عقدت في الكويت، امتدت لأكثر من 3 أشهر، بين 21 إبريل/ نيسان 2016 و6 أغسطس/ آب 2016، ولم تنج بدورها من تأخير أيام بسبب عدم وصول وفد الحوثيين في الموعد المحدد في 18 إبريل. استفادت محادثات الكويت من وجود وقف لإطلاق النار وإن تخللته خروق شبه يومية، فضلاً عن بدء عمل لجنة التهدئة والتواصل الخاصة بوقف إطلاق النار، التي تضم ممثلين عن الشرعية والحوثيين ومشرفين من الأمم المتحدة، وكان قد تم الاتفاق على إنشائها مع نهاية محادثات بيل في سويسرا. كذلك لم يكن هناك من وجود لجدول أعمال محدد لكن تم التركيز يومها على خمس نقاط، هي "الاتفاق على إجراءات أمنية انتقالية، وانسحاب المجموعات المسلحة، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة، وإعادة مؤسسات الدولة، واستئناف حوار سياسي جامع، وإنشاء لجنة خاصة للسجناء والمعتقلين". على الرغم من كل ذلك لم تكن المحادثات سهلة وتوقفت أكثر من مرة. الأولى كانت في الأول من مايو/ أيار بعد استيلاء الحوثيين على قاعدة عسكرية شمالي صنعاء، ثم استؤنفت في الرابع من مايو، ثم أوقف المحادثات مجدداً في 17 مايو عندما طالب الحوثيون بالالتزام أولاً بالانسحاب من المدن التي سيطروا عليها وتسليم أسلحتهم قبل أن تستأنف مرة ثانية في 21 مايو، فيما كان التوقف الأخير في الأول من أغسطس/ آب بعدما انسحبت الحكومة اليمنية عندما رفض الحوثيون اقتراح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي طالب الجماعة بالانسحاب من ثلاث مدن رئيسية من بينها صنعاء قبل المحادثات الخاصة بتشكيل حكومة يشارك فيها الحوثيون. وبعدها قرر المبعوث الأممي رفع الجلسات رسمياً في السادس من أغسطس. وبعدها كان موقف الكويت حاسماً لجهة أنها لن تستضيف الأطراف اليمنية إلا للتوقيع على اتفاق وليس لإجراء مشاورات.
وبعد ذلك تعددت محاولات إحياء المحادثات من دون أن تحقق أي نجاح، حتى بعد تولي المبعوث الأممي الثالث إلى اليمن مارتن غريفيث مهامه خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي قرر مغادرة منصبه في يناير/ كانون الثاني 2018 وحدوث تحولات عدة، بينها انقلاب الحوثيين على حليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وتصفيته. وبعدما كان يفترض أن يجمع غريفيث الأطراف في سبتمبر/ أيلول الماضي، لم يحضر وفد الحوثيين بذريعة التنصل مما كان قد تم الاتفاق عليه مع الأمم المتحدة لجهة السماح للطائرة التي تقل وفده المفاوض بنقل جرحى للعلاج في مسقط. ويحاول غريفيث خلال تحضيره للجولة الجديدة في السويد تفادي أي تعطيل وسط تردد معلومات على أنه سيقوم باصطحاب وفد الحوثيين إلى السويد بنفسه بعد منحهم ضمانات بعدم عرقلة عودتهم إلى صنعاء، فضلاً عن الالتزام بنقل جرحى للعلاج في الخارج، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، عقب زيارة قام بها أخيراً إلى السعودية والإمارات حضر فيها ملف اليمن كبند أساسي.

وعلى الرغم من الأجواء الايجابية التي ترافق التحضير للمفاوضات، بما في ذلك الهدنة الهشة لكن المستمرة في الحديدة والضغوط الدولية، تحديداً الأميركية، لوقف الحرب في اليمن، إلا المخاوف لا تزال قائمة من المصير الذي ستؤول إليه الجولة الجديدة من المحادثات.




معركة أولويات 

في هذا السياق، يقول الكاتب والباحث السياسي المقيم في فرنسا، مصطفى الجبزي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه خلال السنوات الثلاث الماضية، ومع بداية كل جولة تفاوضية كانت تحصل إشكالية حول ترتيب الأولويات.

الحكومة تصرّ على تقديم الشق الأمني على الشق السياسي وتتحدث بشكل خاص عن "الامتثال للقرار الأممي 2216، سحب سلاح الحوثيين والتراجع عن القرارات المُتخذة من جانب أُحادي والانسحاب من المدن الرئيسية ومن بعده يتم الانتقال للتفاوض حول الشق السياسي".
في المقابل، كان الحوثيون، وفقاً للجبزي، يطرحون الأمر على طاولة المفاوضات بشكل عكسي: البدء بالتشاور حول العملية السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومن بعد ذلك يتم التفاوض حول كيفية تسليم سلاحهم للدولة. كذلك كان يحضر طلبهم المستمر بدمج عدد كبير من أفرادهم في قوام الجيش اليمني، "وهذه النقطة تحديداً هي التي دفعت بالحكومة نفسها لتفسير ذلك بأن الحوثيين بهذه الطريقة سيقومون بتسليم السلاح لأنفسهم".
ويرى الجبزي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن المفاوضات اليمنية بقيت على حالها لتلك الأسباب. ويعتبر أنه "اليوم، وعلى الرغم من وجود الضغط الدولي الراغب في خروج تلك المفاوضات إلى طريق واضح ومحدّد، إلا أن المخاطر نفسها لا تزال قائمة، وهي الناتجة عن تلك الحروب السابقة ولم تتم معالجتها بشكل مباشر، إضافة إلى أن الحوثيين قد بدأوا باللعب على ورقة الصواريخ التي يتم إطلاقها باتجاه السعودية بحيث صارت نقطة التفاوض الأولى، بمعنى أن يتوقف التحالف عن قصف الحوثيين مقابل أن يتوقف الحوثيون عن إرسال صواريخهم باتجاه الأراضي السعودية وهكذا نجحوا بإضافة ورقة جديدة إلى الملف التفاوضي".
كما يوضح الجبزي أن الأطراف الدولية ترى من جهتها تقديم الجانب الإنساني والوضع الاقتصادي كأولوية في مسألة التفاوض ومن ثم الدخول في الجانب السياسي. لهذه الأسباب يقول الباحث اليمني "لست متفائلاً جداً، فمسيرة التفاوض حول عمليات السلام لا تتم بين ليلة وضحاها إنما تتطلب وقتاً وسنوات طويلة مع الرغبة في إنجاحها. لكن يبقى أمل آخر كون المملكة السعودية ما زالت تعاني من تبعات الصدمة التي أحدثتها واقعة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وإمكانية أن تكون هذه الواقعة دافعاً لإقفال الملف اليمني، لكن مع ذلك يبقى الحديث عن الأثر الذي فعله التدخل الإيراني في اليمن عن طريق الحوثيين الذين نجحوا في تكوين نطاق إيديولوجي واسع وخطير سيصعب التعامل معه على المدى البعيد".

أزمة ثقة متبادلة 

من جهته، يرى الناشط والكاتب اليمني موسى النمراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أطراف الحرب اليمنية تُعاني من أزمة ثقة متبادلة، "فالحوثيون يستندون إلى تاريخ طويل من نكث العهود والتراجع عن الاتفاقات، لدرجة أن أغلب عهودهم التي وقعوها على المستوى المحلي مع القبائل والأحزاب كانت تنقض في اليوم نفسه الذي تبرم فيه، وتستخدم كواحدة من الأسلحة الداعمة للعسكر في الميدان لا أكثر". ويتوقف النمراني عند نقطة إضافية قائلاً "لا يبدو لي أن أياً من الطرفين يمتلك قراره، فصور وفد الحوثيين مع مشرفين إيرانيين سرّبت للإعلام من مفاوضات بيل لا تزال حاضرة في أذهان الجميع".

أما بالنسبة للشرعية، فيقول "هي الأخرى تبدو عاجزة عن الالتزام بأي اتفاق بعدما وصلت لهذه الدرجة المشهودة من التبعية لدول التحالف واستلاب القرار، وبالتالي فإن أي مفاوضات لا تستند لقرار دولي صارم بإنهاء الحرب لا يمكن أن يكتب لها النجاح، لأن عوامل فشل المفاوضات السابقة ما زالت على حالها، باعتقادي، وما يقال عن رغبة أميركية أو بريطانية في إنهاء الحرب أو تغيير في سياساتها تجاه السعودية لا يعدو أن يكون أماني وأحلاماً تتكرر قبل كل جولة مفاوضات، وتقدم لترويجها قراءات غير واقعية لا تلبث الأحداث تثبت بُعدها عن الواقع".

القضية الجنوبية والحلول المجتزأة 

أما الناشطة الجنوبية، الباحثة هدى العطاس، فتقول في حديث مع "العربي الجديد": "عودنا المشهد الأممي المتعلق باليمن منذ بدء الحرب بل منذ ما قبل ذلك، أن إعلانات العودة إلى المسار السياسي بين أطراف الصراع المستدام في اليمن يتلقفها اليمنيون بين متفائل ومشكك. والمشككون هم الغالبية العظمى التي باتت لا تثق كثيراً في أن هناك إرادة حقيقية لوضع حل ناجع وناجز لمشهدية المأساة اليمنية".
وتتوقف العطاس عند الإعلان الأخير للمبعوث الأممي بعودة "بعض" الأطراف إلى طاولة المشاورات كما حددت في السويد، قائلةً إن الثيمة الأممية لا تزال لا ترى للأسف سوى طرفين في مشهد الصراع، "وتنظر إلى بقية الأطراف والقضايا التي لربما هي الأهم بالمعية والإلحاق". وتضيف "هذا يفضي بنا إلى تعاط كهذا من المجتمع الدولي والإقليمي في ما يتعلق بالجنوب وقضيته، وهي مما لا يخفى على المدرك أنها محور المحاور وقضية القضايا في المشهد وفي عمق صراعه". وتلفت إلى أنه "مع تكرار وتوكيد صيغ الخطاب الأممي الذي يدعو إلى التسوية بين الأطراف، يبدو للمتابع المتعجل أن هذه العبارات ترد طي المساعي المبذولة لإحلال السلام، لكن العوار الاستراتيجي يكمن في صيغ كهذه. فهي تجزئ المشهد والحلول". وتعتبر العطاس أن "مشهد الصراع المطاط في اليمن يحتاج الذهاب إلى حلول واضحة وقاطعة وليس إلى تسويات مبتسرة".

وبالنسبة إلى القضية الجنوبية، تقول العطاس إنها "كما يفهمها الجنوبيون تعني استعادة الدولة". وتلك مسألة من وجهة نظرها "لن تأتي من خلال المفاوضات التي تحصل، وفي أحسن الأحوال سيسجل المشاركون الجنوبيون - إن حضروا - حضوراً ما، قد يكون إنجازاً بسيطاً مدوناً في سجلات المبعوث الأممي الذي تتركز مهمته في إعادة الحياة إلى اليمن بصورة أساسية وتمكين اليمنيين من تجاوز الحرب". أي أن المفاوضات، وفقاً للعطاس "لن تقدم شيئاً أساسياً للقضية الجنوبية، وربما إشارات المبعوث الأممي حول ضرورة الالتفات إلى القضية تعتبر بداية عائمة فوق أحداث كبيرة يقرأها الناس كل حسب موقعه". وتضيف "باختصار لا يوجد تفاؤل حقيقي حول المسألة الجنوبية، لكن السؤال العام حول ما إذا كان هناك تفاؤل حول تحقيق خطوة هامة باتجاه وقف الحرب والتحول للمسار السياسي، فحتى في هذا الأمر لا يمكن الوثوق في أن هناك تقدماً سيحصل مع غياب الإرادة الحقيقية الإقليمية والدولية".