فالناس في زمن الفضاء المفتوح تعرف ما قاله ترامب للملك السعودي سلمان والحكام في الخليج حول الحماية والبقاء (في السلطة)، كمعرفتها باستحالة أن يتجرأ ترامب، وغيره، على قول ذلك عن ملكتهم، الدستورية بالمناسبة، التي لا تستمد شرعيتها لا من واشنطن ولا موسكو ولا تل أبيب. صحيح أنهما حليفان في السياسة والصناعات العسكرية، وكوبنهاغن لم تتردد في مشاركة واشنطن حروبها، من أفغانستان إلى العراق وتنظيم "داعش"، لكن في تطبيق السيادة لم تتلعثم في قول "لا" لرئيس "أعظم قوة"، فغابت الفوارق بين يمين ويسار، كما قالت "لا" سابقاً لموسكو بالتصدي لطائراتها فوق البلطيق. يعرف الدنماركيون أن بلدهم أصغر مئات المرات، ديموغرافياً وجغرافياً، من القوى العظمى، ومن عالمنا العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، بيد أن أحفاد الفايكنغ ليسوا نائمين على سردية "كرامتنا" و"كنا" (وقد كانوا فعلياً مملكة مترامية حتى عام 1905).
القضية أبسط من سرديات جيوش تبرير الخنوع العربي: فمملكة دستورية، ونظام برلماني ديمقراطي وعدالة اجتماعية، ومساواة في دولة القانون، وحريات في الصحافة والتعبير والدين، وبالتالي مواطنة، ممارسة واقعاً لا تهيؤاً، كما في ضجيج بعض أنظمة عرب أميركا، وجيوش مستشاري نفاق وردح وسباب ونهش الأعراض، غادروا حتى أخلاقيات عرب الجاهلية، فما بالك بدين مكارم الأخلاق. فمن قال لترامب، منتصراً لمملكته وملكته الدستورية، مارغريتا، "أيها الأخرق، أظهر الاحترام واللباقة الدبلوماسية"، على صفحات صحافة حرة، لن يفعلها لا في جمهوريات الموز العربية عند العسكر الانقلابيين، ولا في جنات "التقدمية" في الشام، بحق الولي الإيراني والتاجر الروسي، ولا في إمارات وممالك الرضوخ للسيد الأميركي لنيل إعجابه ورضاه وربيبته تل أبيب.
ببساطة أكثر، الفارق بين شعور الدنماركي بكرامته وعدم الخوف من تغييب خلف السجون إن قال رأيه المعارض لترامب أو الداعي لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، وبين عربي يفتقد كل ما تقدم، يتمثل في الفرق بين دولة المواطنة ونشوء دول الوشاية والتلصص والسجون الخاصة، حتى لمستشارين، كسعود القحطاني على سبيل المثال، وجيوش ذباب تخوين محرضة على فعل المناشير، والتغييب القسري في ظلمات "إمارة التسامح والسعادة"، إن تجرأ العربي، مثلاً، على رفض تطبيق "إسرائيل من النيل إلى الخليج".