في مساء الرابع والعشرين من مارس/ آذار، أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بعد إشعار فقط بأربع ساعات، عن إغلاق البلاد بشكل كامل لمدة 21 يومًا بدءا من منتصف الليل لمنع انتشار فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19). لكنه فشل في التخطيط لتأثير إعلانه على الاقتصاد غير الرسمي الهائل في الهند. بالنسبة للمهنيين الأثرياء في البلد، الإغلاق يعني العمل عبر الإنترنت من المنزل، أو في أسوأ الأحوال إجازة قسرية. أما بالنسبة للفقراء، فقد كان السيناريو مختلفا. إغلاق المصانع والمكاتب والمحال التجارية؛ ووقف العمل في مواقع البناء؛ وإغلاق المطاعم ومحال الحلاقة وصالونات التجميل.
ونتيجة لذلك، توقف أرباب العمل في هذه القطاعات عن دفع الأجور للعمال. لقد تجاهل العديد من أصحاب العمل والمتعاقدين المشكلة: لقد تكبدوا العديد من الخسائر، لذلك لم يتمكنوا من دفع أجور العمال الذين توقفوا عن العمل جراء الوباء. نظرًا لعدم قدرتهم على كسب المال لإطعام أنفسهم أو دفع الإيجار في المناطق الحضرية المكتظة، قامت مجموعة كبيرة من العمال الهنود بحزم أمتعتها والعودة إلى منازلها، وغالبًا إلى قرى في ولايات بعيدة. مع توقف خدمات القطارات والحافلات، أُجبروا على العودة إلى منازلهم سيرا على الأقدام.
لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق. لقد انطلقوا في رحلتهم دون طعام أو ماء، ولم تكن هناك محطات راحة مُتاحة على طول الطريق. كان الإرهاق والأقدام المتقرحة هما الثمن الذي ينبغي دفعه مقابل الانجذاب للمنزل والأسرة وسبل العيش الأساسية. عندما قررت بعض الدول استخدام حافلاتها الخاملة لنقل المسافرين، لم تُعر الحشود في محطات الحافلات أي اهتمام لوضع الإغلاق. ولذلك، أغلقت الحكومة المركزية حدود البلاد بشكل فوري وأمرت السلطات المحلية بتزويد الملاجئ بالطعام والماء للمهاجرين أينما كانوا.
في الواقع، كانت محاولة منع انتشار الوباء سببا في خلق أزمة إنسانية.
في كلمة وجهها لشعبه عبر الراديو، طلب مودي الصفح عن الإغلاق المشدد قائلا: "أود أن أطلب الصفح من كل أهل بلادي عن الإغلاق المشدد الذي سبب صعوبات في حياتكم، وخاصة الفقراء"، وطلب منهم التحمل لمصلحة الجميع. لكن لأن حكومته فشلت في توقع الهجرة الجماعية، فقد عرّضت حياة أولئك الذين كانت حريصة على إنقاذهم.
من المفارقات أن حكومة مودي استجابت بشكل إيجابي وسريع لرغبة المغتربين الهنود والعمال المهاجرين في الخارج بالعودة إلى الوطن؛ وعاد الآلاف من المهاجرين في رحلات الإجلاء قبل الإغلاق. في الواقع، التناقض مع إهمال العمال المهاجرين المحليين، الذين يرتكز عليهم الاقتصاد غير الرسمي الواسع، واضح للغاية.
وقد نشر محرر في موقع "ذا برينت" الإخباري الهندي تغريدة على تويتر تقول: "إن رغبة المغتربين في العودة إلى بلادهم خلال الأزمة أمر طبيعي. إذا كان الطلاب الهنود، والسائحون، والحجاج الذين تقطعت بهم السبل في الخارج يريدون العودة، كذلك بالنسبة للعمال في المدن الكبرى ...لا يمكننا إرسال طائرات لإعادتهم إلى الوطن، لكن يُترك الآخرون ليعودوا إلى منازلهم سيرا على الأقدام".
كانت محنة العمال المهاجرين بمثابة تذكير صارخ بالتحديات الهائلة التي تواجهها الهند في مكافحة جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد 19). لا شك أن قرار عزل 1.3 مليار شخص يُشكل خطوة متطرفة، وليس من السهل فرضها بالتساوي. يُعد "التباعد الاجتماعي" أمرا مستحيلا بالنسبة للغالبية العظمى من الهنود الذين يعيشون على شكل مجموعات مكونة من عشرة أشخاص يتشاركون غرفة واحدة.
ليس من المستغرب أن يؤدي تطبيق عملية الإغلاق إلى نتائج عكسية. وقد تسبب الارتباك بشأن من يُسمح له بالخروج إلى الشوارع في تفاقم المصاعب، حيث تم شل حركة المتسوقين الذين يبحثون عن الإمدادات الأساسية وحتى العاملين في المجال الطبي، وفي بعض الحالات تعرضوا للضرب الوحشي من قبل رجال الشرطة المتعصبين الذين يستخدمون العصي الطويلة.
ومع ذلك، على الرغم من الإنفاذ غير المتكافئ، لا يستطيع المزارعون جلب محصول الربيع، مع زيادة التقارير حول إهدار المنتجات الطازجة والحليب لأن الإغلاق يمنع التسليم. علاوة على ذلك، فإن العديد من السلع الأساسية غير متوفرة، كما تم وقف تسليم الصحف. وبذلك، أصبح الركود الاقتصادي أمرا حتميا.
العزاء الوحيد هو أن الهواء في المدن الهندية الأكثر تلوثًا قد أصبح خاليا من الملوثات بشكل سحري.
تتمتع دلهي الآن، حيث يتجاوز مؤشر جودة الهواء عادة 500 (تبلغ عتبة السلامة لمنظمة الصحة العالمية 25)، بالسماء الزرقاء الصافية وأشعة الشمس. مع بلوغ مؤشر جودة الهواء أقل من 30 في غالب الأحيان، وبعد سقوط أمطار غزيرة في الأسبوع الماضي، فقد انخفض مؤشر الجودة إلى سبع.
كما تباينت استجابة حكومات الولايات الهندية إلى حد كبير. وقد تمت الإشادة بولاية كيرالا الجنوبية، حيث ظهرت أولى حالات الإصابة بالفيروس التاجي في الهند (طلاب الطب العائدين من الصين)، كنموذج للتعامل مع الأزمة.
مع تطوير بنية تحتية قوية للرعاية الصحية على مدى عقود، تمكنت ولاية كيرالا من احتواء انتشار وباء كوفيد 19. لقد بدأت في إجراء فحوصات والتتبع في وقت مبكر، وفرضت إجراءات حجر صحي فعالة، فضلا عن دعم الرفاه، ومنع نزوح العمال المهاجرين عن طريق التكفل بهم داخل الولاية. على الرغم من استضافة أعداد كبيرة من المسافرين (ولاية كيرالا هي مصدر أكبر عدد من المهاجرين الأجانب في الهند، خاصة في منطقة الخليج)، فقد تجنبت الولاية تفشي المرض بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
تعرف حالات الإصابة في ولاية كيرالا ارتفاعا ملحوظا، وذلك لأنها قامت بإجراء اختبارات لعدد أكبر بكثير من الأشخاص مقارنة بالولايات الأخرى. في ولاية كيرالا، تم إجراء اختبار لحوالي 220 شخصًا لكل مليون، مقارنةً بشخص واحد فقط لكل مليون في ولاية بيهار شمال الهند. غالبًا ما يعكس انخفاض عدد الإصابات تقييد عمليات الفحص.
على الرغم من تضامن الهنود في هذه الأزمة، إلا أنه يتم طرح أسئلة معقولة. كيف فشلت الهند في الاستجابة ضد وباء كوفيد 19، على الرغم من وجود حكومة مركزية قوية بقيادة حزب حاكم بأغلبية برلمانية مطلقة وأكثر السياسيين شعبية في البلاد؟ لماذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الجائحة، على الرغم من التحذيرات العلنية من قادة المعارضة بضرورة القيام بذلك؟ لماذا تنتظر الهند اليوم ليس فقط كارثة انتشار العدوى، بل أيضًا احتمال الانهيار الاقتصادي والمجاعة وزيادة الفقر وخطر الاضطرابات الاجتماعية؟
ليس هناك أي أجوبة. يتمثل التحدي الأكبر في ضمان تجنب هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 1.3 مليار نسمة، السيناريو المرعب؛ ملايين الضحايا، الذي تنبأ به المتشائمون.
(ترجمة: مايسة كامل)
_______________
*شاشي تارور هو وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة ووزير الدولة الهندي السابق للشؤون الخارجية ووزير الدولة لتنمية الموارد البشرية، ونائب في المؤتمر الوطني الهندي.
عن موقع بروجيكت سنديكيت