هل تباغت إسرائيل غزة بحملة محدودة؟

18 أكتوبر 2018
تعهد الاحتلال بالرد في غزة على حراك العودة(مصطفى حسونة/Getty)
+ الخط -

فتحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات بشأن مستقبل تعاطيها مع قطاع غزة، بعد الاجتماع الذي عقده الليلة الماضية المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، وسط تكتم على القرارات التي تمّ اتخاذها خلاله.

وجاء الاجتماع، الذي بادر إلى عقده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لبحث سبل الرد على إطلاق مجموعة فلسطينية صواريخ على بئر السبع قبل يومين، في غمرة دعوات من قوى المعارضة والائتلاف والكثير من وسائل الإعلام، إلى الرد، بهدف تمكين إسرائيل من استعادة الردع في مواجهة حركة "المقاومة الإسلامية" (حماس).

وقد تلجأ إسرائيل إلى أحد خيارين، في أعقاب اجتماع المجلس المصغر لشؤون الأمن. ويتمثل الخيار الأول في أن تقوم بشنّ حملة محدودة ضد المقاومة الفلسطينية، عبر ضرب بنك أهداف تمّ إعداده سلفاً، وضمن ذلك تنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات وتدمير بنى تحتية للمقاومة.

ومما يزيد من واقعية هذا الاحتمال، حقيقة أن القيادة الإسرائيلية ألزمت نفسها بالكثير من التعهدات أمام الرأي العام الإسرائيلي، بالرد على مناشط حراك العودة، حتى قبل إطلاق الصواريخ على بئر السبع، ما يعني أن إطلاق الصاروخين سيعزز الدافعية لتنفيذ هذه التهديدات.

فحرص نتنياهو على تفقد قيادة فرقة غزة مساء أمس، ولقائه بقادة التجمعات الاستيطانية في الجنوب، وتأكيده لهم أن إسرائيل ستوجه ضربة قوية لـ"حماس"، سيجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية أقل قدرة على تفويت فرصة الرد على المقاومة. وفي نظر الكثيرين في إسرائيل، أن نمط تعاطي نتنياهو مع التحدي الذي تمثله غزة حالياً يمثل اختباراً لقدرته على ضمان الأمن للجنوب. ويمكن الافتراض أن القيادة الإٍسرائيلية تخشى أن يفضي عدم الرد على إطلاق الصورايخ، إلى تفاقم أزمة الثقة بينها والرأي العام الإسرائيلي.

وقد يكون القرار، الذي اتخذته الحكومة والجيش الإسرائيلي بعد انتهاء اجتماع المجلس الوزاري المصغر بعودة الحياة الطبيعية إلى منطقة "غلاف غزة" ومستوطنات الجنوب، محاولة لاستدراج المقاومة الفلسطينية في القطاع، ودفعها للتخلي عن أسباب الحيطة والحذر، ما يسهل على جيش الاحتلال اقتناص الهدف الذي يخطط لضربه. فعندما بدأت إسرائيل عدوانها في العام 2012 على غزة، باغتيال أحمد الجعبري قائد "كتائب عز الدين القسام" - الجناح العسكري، لم تكن مستوطنات "غلاف غزة" في حالة استنفار.

وفي حال تبنت إسرائيل هذا الخيار، فإنها ستحرص على ضرب أكبر عدد من الأهداف في الساعات الأولى من الهجوم، بحيث تحقق "صورة الانتصار"، سواء على شكل اغتيال قيادات أو تدمير مرافق مهمة للمقاومة. وبالرغم من أنها تأخذ بعين الاعتبار أن المقاومة سترد بإطلاق الصواريخ على مواقع في عمق إسرائيل، إلا أن الاحتلال يعتقد أنه سيكون بإمكانه الاستعانة بجهود الوسيط المصري، الذي يمكن أن يتدخل لاحتواء الأمر والتوصل إلى تهدئة، قبل أن تتمكن صواريخ المقاومة من إحداث أضرار كبيرة.

وقد يوفر هذا الخيار لنتنياهو المسوغ أمام شركائه في الائتلاف والرأي العام للموافقة على مسار تهدئة يضمن فترة أطول من الهدوء على طول الحدود، تسمح بإجراء الانتخابات المبكرة في أقل قدر من التحديات الأمنية.

أما الاحتمال الثاني الذي يمكن أن تلجأ إليه القيادة الإسرائيلية، فيتمثل في اختبار سلوك الفلسطينيين يوم غدٍ الجمعة، ومراقبة مناشط حراك العودة، وتصميم ردّ الفعل الإسرائيلي بناء على ذلك، فقد تفترض تل أبيب أن الفلسطينيين سيعملون غداً على تجنب التصعيد وعدم السماح بمناشط الحراك الأكثر استفزازاً لإسرائيل، مثل اختراق الحدود بشكل جماعي، والتوسع في إطلاق البالونات الحارقة.

وما يغري تل أبيبب بالتوجه إلى هذا الخيار، خوفها من إمكانية عدم التحكم في أمد المواجهة، بحيث يمكن أن تتواصل لوقت طويل، بسبب نجاح المقاومة في ظلّ مواصلة المقاومة إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي، ما قد يضطر حكومة نتنياهو لإصدار الأوامر بتنفيذ عملية برية واسعة، يتم خلالها إعادة احتلال معظم مناطق القطاع، لاسيما مدينة غزة، لتفكيك منصات إطلاق الصواريخ.

ومن الواضح أن هذا المآل يمثل تجسيداً للكابوس الإسرائيلي المتمثل في التورط مجدداً في إدارة غزة، في وقت تعي تل أبيب أنه لا يوجد طرف ثالث قادرٌ على تولي زمام الأمور في القطاع.


وبغض النظر عن المسار الذي يمكن أن تسلكه إسرائيل، فإنه لا خلاف على أن إطلاق الصاروخين على بئر السبع، الذي نفت حركتا "حماس" و"الجهاد" مسؤوليتهما عنه، قد وضع المقاومة الفلسطينية في وضع حرج، حيث إنه منح تل أبيب "الشرعية" الداخلية للتصعيد ضد غزة، في ظلّ ظروف داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد.

ومما لا شك فيه أيضاً أنه في حال اندلعت مواجهة جديدة في ظلّ تفجر قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، فإن هذا لن يخدم مصلحة المقاومة الفلسطينية، حيث إن تسليط الأضواء على هذه المواجهة، سيمثل فرصة أمام إدارة دونالد ترامب ونظام الحكم السعودي والدول العربية التي تسير في ركبه، لتقليص اهتمام وسائل الإعلام بقضية خاشقجي.

المساهمون