تحوّل رجل الأعمال والإعلام التونسي نبيل القروي، في وقت وجيز، إلى رقم صعب في الحياة السياسية التونسية، بتأهله إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على 15.5 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، وبصعود كتلة حزبه "قلب تونس" إلى المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية بـ38 مقعداً برلمانياً، بما يؤهله ليكون رقماً مهماً في تشكيل الحكومة المقبلة أو في المعارضة. يلقب كثيرون نبيل القروي (56 عاماً) بـ"برلسكوني" تونس، وذلك للشّبه اللافت بين مسيرة الرجلين، فصديقه رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، هو أيضاً رجل أعمال وأموال وصاحب أول قناة خاصة إيطالية وشبكة إنتاج تلفزيوني، وسُجن بدوره بسبب الاختلاس والتلاعب الضريبي والثراء غير الشرعي. مع العلم أن كثراً فوجئوا بالصعود السريع للقروي في السياسة واقترابه من الرئاسة، باكتساحه الحكم من أبواب قصر برلمان باردو، في انتظار أن يتحقق طموحه في دخول قصر الرئاسة في قرطاج إلى جانب قصر الحكومة في القصبة.
ومن يعرف القروي عن قرب يعلم جيداً أنه لم يكن يوماً بعيداً عن السياسة والحكم، فقد كان مهندساً للسياسات الإعلامية والاتصالية وصانعاً لنجوم سياسيين وسبباً في وصول أحزاب وشخصيات إلى دفة الحكم، وكان قريباً من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011، ثم سرعان ما تماهى مع الثورة التونسية وتناغم مع حركة "النهضة" وكوّن علاقات قوية مع قيادتها، قبل أن ينقلب عليها نحو دعم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، مساهماً في صعوده إلى الرئاسة وفي صناعة قاعدة جماهيرية لحزب "نداء تونس" في 2014.
ومن يعرف دهاء القروي ومناوراته لا يندهش لصعوده الصاروخي إلى دكة الحكم، فالقروي يستثمر جيداً وقته وماله وإمكانياته، ويختار حلفاءه بعناية ويرسم أهدافه بدقة، بداية من استثماره في مجال الإعلام والإنتاج التلفزيوني، ومنها إلى رئاسة نقابة أصحاب ومديري المؤسسات الإعلامية التونسية، ومن ثم تأسيسه جمعية "خليل تونس الخيرية". وللقروي علاقات ممتدة في المغرب العربي، إذ كشفت تسجيلات مسربة وصور علاقته بشخصيات ليبية متعددة، إلى جانب علاقته بضباط بارزين في الجيش الجزائري، ومع شخصيات بارزة في العائلة المالكة المغربية، إلى جانب علاقاته القوية في إيطاليا وفي عواصم أوروبية، بحسب ما ينقله مقربون منه.
وبدا مسار القروي الإعلامي والاجتماعي، طيلة السنتين الأخيرتين، غريباً، ولكن تبيّن أن القروي يرسم جيداً مساره السياسي للوصول إلى السلطة، فسرعان ما بات في مطلع العام 2019 متصدراً للمشهد، وفق استطلاعات الرأي، حتى قبل تأسيسه حزب "قلب تونس" والذي برز في 20 يونيو/حزيران الماضي.
وتمكّن القروي في وقت وجيز من غزو قلوب الفقراء وتسلل بها إلى وجدان المهمشين بفضل المساعدات الاجتماعية والخيرية التي أوصلها إلى سكان المحافظات الداخلية الأكثر فقراً، على غرار الحزام الحدودي الغربي في محافظات الشمال الغربي والوسط الغربي وفي الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حيث تمكن من حصد نسب مرتفعة من الأصوات بشكل لافت خلال الجولة الانتخابية الرئاسية الأولى في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، كما انعكس ذلك بالأهمية نفسها خلال الانتخابات التشريعية، يوم الأحد الماضي.
وقال القروي، في حوار صحافي، إن الائتلاف الحاكم كان يطارده منذ تصدّره نوايا التصويت ليجد نفسه "سجيناً سياسيّاً"، وفق تعبيره. وأضاف أنّه كان ينشط في جمعية خيرية ثم قرر الانتقال إلى السياسة، وهو أمر عادي ومعمول به ولم يخرق أي قانون "لكنهم حاولوا خلق قانون خاص لإقصائه من الترشح قبل شهر من الانتخابات". واعتبر أنّ أفكار "قلب تونس"، "يسارية تدافع عن المواطنين والفقراء والمهمشين"، وقد "نجح في تحقيق الهدف" الذي رسمه منذ البداية، ألا وهو "الدفاع عن المواطن ومقدرته الشرائية بعيداً عن الأفكار الهلامية".
في المقابل، يُتهم القروي من قِبل منافسيه بأنه يستغل فقر الناس لشراء أصواتهم، معتبرين أن خطابه شعبوي بعيد عن الواقع وعن القانون والمؤسسات، مقارنة بمنافسه قيس سعيّد. لكن القروي يقول رداً على معارضيه "من ينعت حملتنا بالشعبوية فهو مخطئ، لأننا لم نتحدث عن توفير نقل مجاني أو الخبز بـ20 مليماً، كل مقترحاتنا واقعية وتمت الاستعانة بخبراء لوضع برنامج اقتصادي على امتداد 6 أشهر وتوصلنا إلى نتيجة تتمثل في القيام بالإصلاحات الصغرى التي تهم المواطن قبل الحديث عن الإصلاحات الكبرى".
وتلاحق القروي اتهامات بالفساد المالي والتهرب الضريبي والثراء غير المشروع وتبييض الأموال، بحسب معارضيه، بل وكانت سبباً في إيقافه لأكثر من شهر ونصف، إثر شكوى قدمتها منظمة "أنا يقظ" منذ سنتين لتصل إلى حد إيقافه في 23 أغسطس/آب الماضي وتجميد ممتلكاته، إلى أن أفرج عنه في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي بقرار من محكمة التعقيب.
في السياق، اعتبر عضو البرلمان عن حزب "قلب تونس"، منير البلطي، أن التهم الموجّهة للقروي هي تهم سياسية وكيدية تمت إثارتها من قبل الائتلاف الحاكم، لإقصائه من المشهد وحرمانه من حقه الدستوري في المشاركة في الانتخابات. ولفت البلطي إلى أن القضاء أكد، في أكثر من مناسبة، عدم اختصاصه للإفراج عنه، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن إجراءات التوقيف والتتبع باطلة لعدم جدية التهم والبراهين، وإلا ما كان القضاء ليفرج عنه. وأضاف البلطي أن أعداء نجاح القروي عمدوا إلى استخدام كل الأساليب لضرب نجاحه، من خلال اختلاق القصص وشراء شهادات شخصيات وفبركة الفيديوهات والقيام بحملات مضادة للحيلولة دون نجاحه. وأكد أن أصوات الشعب والناخبين لا يُعلى عليها، وهي من ستقرر مصير تونس ورئيسها، على الرغم من كل المؤامرات والمناورات والمناكفات.
ويعتبر طيف واسع من الناخبين أن نبيل القروي يمثّل رمز الحداثة والتقدمية مقارنة بمنافسه قيس سعيّد، الذي يحوم حوله الغموض ويُتهم بدعمه من قبل "النهضة" وأحزاب إسلامية ومحافظين، فيما يعتبر الشق الثاني أن القروي هو إعادة إنتاج نظام الحكم ونصير فلول حزب "التجمّع" ورموز نظام بن علي، خصوصاً بعد إعلانه أن "حزب عبير موسى، الحر الدستوري، يشبه قلب تونس ويتقاسمان البرامج والأفكار نفسها".
ورأى المحلل محمد الغواري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حظوظ القروي وافرة في الوصول إلى الرئاسة بالنظر إلى داعميه ومسانديه، خصوصاً بعد الإفراج عنه من قبل القضاء، بما يشير إلى أن القروي بات اليوم مرشح "السيستام" ولوبيات الحكم ومنظومة الفلول والدستوريين، إلى جانب قاعدته الانتخابية التي تضم المهمشين والفقراء والحالمين بتحسين أوضاعهم.
وأكد الغواري أن المشهد اتضح أكثر بين القروي وسعيد، ومن أين بدأ الخزان الانتخابي يتحرك في اتجاه القروي، خصوصاً من أصحاب النفوذ واللوبيات التي تخشى على استمرار نفوذها، والخائفين من تعزز مكانة منظومة الثورة وأنصارها بصعود سعيّد. ولفت إلى أن الحظوظ متقاربة بين المرشحَين، كما يصعب التكهن بالأقرب إلى الفوز بالرئاسة بعد دخول معطى الإفراج عن القروي، وتهافت المناصرين الوازنين من الشخصيات الاعتبارية.