أطلق اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مواجهة متجددة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الاتفاق النووي الموقّع في العام 2015، مع فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب النار على الاتفاق وإيران، وتأكيده أنه اتخذ قراره حوله، من دون أن يعلن عنه، فيما كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يحذر من أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي نقض للاتفاق، ليبرز دخول أوروبي على الخط بدا أنه نتاج ضغوط ترامب، تُرجم خصوصاً بكلام للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول إمكان إعادة التفاوض حول بعض استحقاقات الاتفاق، من دون إسقاطه بشكل كامل.
وعلى الرغم من أن ماكرون دعم وجهة النظر الإيرانية التي تدعو لاستمرار الاتفاق، لكن تصريحاته أثارت قلق البعض في الداخل الإيراني، فكتبت صحيفة "وطن أمروز" المحافظة أن فرنسا تسعى لفرض قيود أبدية على إيران وهو ما تريده واشنطن، معتبرة أن باريس نالت الحصة الأكبر من الكعكة، وجنت أضخم الفوائد من الاتفاق، من خلال الصفقات الاقتصادية المتنوعة التي وقّعتها مع طهران وشملت قطاعات عدة، لكن ماكرون أكد ضرورة فرض قيود على برنامج إيران الصاروخي، وهو الأمر الذي سيكون مفتاح التصعيد ضد إيران في الحقبة المقبلة.
في المقابل، بدا واضحاً أن إيران غير معنية بمعادلة التفاوض مرة ثانية، وقال روحاني في مؤتمر صحافي عقده عقب إلقاء كلمته في الجمعية العامة، إن التفاوض حول الاتفاق جرى بشكل تفصيلي ولفترة طويلة، ولا يمكن أن تقبل إيران بالعودة للمربع ذاته مجدداً، معتبراً أن تمزيق الاتفاق سيسعد طرفين اثنين لا أكثر، وهما الولايات المتحدة وإسرائيل. وأكد أن إيران تريد الالتزام بالاتفاق ولن تكون الطرف الذي سيخرقه، لكنها حضّرت خططها للرد على أي سيناريوهات متوقعة، مضيفاً: "إما أن يستمر تطبيق الاتفاق من قبل جميع الأطراف والالتزام بكل البنود وبنصه ومضمونه بالحذافير، أو أن يُلغى بالكامل"، فضلاً عن تكراره خلال لقاءاته الإعلامية والدبلوماسية في نيويورك الإشارة إلى كون تصريحات ترامب تنم عن جهل وعبثية ولا تليق أساساً بشأن الأمم المتحدة وأعضائها.
وكان روحاني ركز في نيويورك على عقد اجتماعات ثنائية مع مسؤولين أوروبيين بالدرجة الأولى، خرجت بتصريحات متشابهة مفادها أن إيران تلتزم بتعهداتها وفق الاتفاق النووي، وهو ما أكدته تقارير أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل الإصرار الأميركي على رفض الاستمرار بالاتفاق بصيغته الحالية.
وفي ساحة التحليل الإيرانية، رأى كثيرون أن الحرب في الأمم المتحدة لم تبقَ بين طهران وواشنطن، بل تعدّتها لكونها بين معسكرين، الأول إيراني - أوروبي، والثاني أميركي - إسرائيلي، وبدا هذا جلياً عقب اجتماع غير رسمي عقده وزراء خارجية السداسية الدولية بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بحث التفاصيل المرتبطة بالاتفاق النووي، وهو الاجتماع الثاني من هذا النوع منذ التوصل للاتفاق قبل أكثر من عامين. فقد جلس ظريف إلى طاولة واحدة مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون للمرة الأولى منذ مجيء إدارة ترامب، ولم يأت ظريف على ذكر أهمية اجتماعه بتيلرسون في تصريحات صحافية صادرة عنه، على عكس ما كان يفعل حين كان يلتقي بوزير الخارجية الأسبق جون كيري.
أكد ظريف في تصريحاته على اتفاق الجميع باستثناء الولايات المتحدة على أهمية وضرورة استمرار الاتفاق الذي يضم أطرافاً عدة ولم يكن مع واشنطن لوحدها، ووافقته الرأي وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، التي قالت إنه لا ضرورة للعودة لطاولة حوار نووي مجدداً، وإذا ما أراد أي طرف التفاوض مع إيران فيمكنه ذلك بشكل منفصل، واصفة الاجتماع على هامش اجتماع الجمعية بالصريح.
يعتبر البعض أن الاتفاق من دون أميركا قد يعني انهياراً كاملاً، وذكّر تيلرسون بالموقف الذي كان ترامب قد أعلنه بأنه اتخذ قراره بشأن الاتفاق، لكنه لم يعلن عنه. كما أكد الوزير الأميركي وجود تحفظات أميركية على الاتفاق، معتبراً أنه يؤثر على صورة بلده أمام كوريا الشمالية، صاحبة الملف الأكثر تعقيداً مع واشنطن في الوقت الراهن، وهو ما اعتبره الرئيس الإيراني شأناً مستقلاً لا علاقة له بإيران وباتفاقها.