دمج "المقاومة" بالجيش في تعز: تعقيدات وعقبات

10 ديسمبر 2016
قطع المحتجون طرقاً عدة في تعز (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
تتجه أزمة دمج عناصر "المقاومة الشعبية" في تعز بالجيش اليمني نحو الحلحلة، ولو جزئياً، بعدما أفاد مصدر في اللجنة الخاصة بصرف رواتب الجيش في المنطقة العسكرية الرابعة التي تتبعها الألوية العسكرية في محافظة تعز، في حديث مع "العربي الجديد" بأنه تم اعتماد تجنيد عشرة آلاف فرد لمحافظة تعز، وتم تقسيمها بين قيادة المحور والألوية الثلاثة (اللواء 35 مدرع، واللواء 22 ميكا، واللواء 17 مشاة، وقيادة المحور) بواقع 2500 جندي لكل لواء، فيما لم يتم اعتماد أي مجندين للواء 170 دفاع جوي.
وكانت مستجدات الأيام الأخيرة في مدينة تعز قد أظهرت أن التأخّر الذي رافق عمليات دمج فصائل "المقاومة الشعبية" في الجيش الوطني الموالي للشرعية اليمنية، ينذر بالتحول إلى أزمة، خصوصاً بعد الاحتجاجات التي نفذها عناصر من "المقاومة" قبل أيام.
وشهدت شوارع تعز، صباح الثلاثاء، انتشاراً واسعاً لعناصر "المقاومة الشعبية"، الذين قاموا بقطع عدد من الشوارع الحيوية، احتجاجاً على عدم دمجهم في الألوية العسكرية، وفقاً لمقتضيات قرار سابق للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي. وكان من المفترض أن يكون قد وُزّع المحتجون على وحدات اللواء 170 دفاع جوي، بحسب قرار الدمج الرئاسي، وأيضاً وفقاً لخطة تقسيم الجبهات القتالية، بين الألوية العسكرية المتواجدة في تعز. لكن المحتجين أفادوا بأنهم لم يحصلوا على أرقام عسكرية حتى الآن، وطالبوا بإقالة قائد المحور العسكري في المحافظة. وتجولت دبابة وعدد من الأطقم العسكرية برفقة المحتجين، الذين أغلقوا الشارع الرئيسي في المدينة، وأحاطوا بمبنى فرع شركة النفط، المقر المؤقت للسلطة المحلية. كما انتشرت المدرعات ومضادات الطيران في الشوارع والأزقة في مشهد استعراضي لم تشهده تعز من قبل. ونوّه المحتجون إلى أنهم "يريدون أرقاماً عسكرية بعيداً عن المعايير الحزبية".

مع العلم أن أغلب هؤلاء المحتجين هم من أنصار قائد "المقاومة" في المحافظة، الشيخ حمود سعيد المخلافي، الذي أصبح خارج البلد منذ نحو العام، وتحديداً "لواء الحمزة" التابع لنجل المخلافي، والمعيّن بقرار جمهوري أركان حرب للواء 170 دفاع جوي.

الاحتجاجات التي شهدتها شوارع تعز لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتجاج مشابه، قام به أفراد تابعون لـ"المقاومة"، من جبهة الشقب، شرق جبل صبر، الذي يطلّ على مدينة تعز. وقد فوجئ أفراد "المقاومة" في هذه الجبهة، بأن كشوفات الدمج بالجيش لم تتضمن أسماءهم. الأمر الذي دعا عدداً من المقاتلين إلى ترك مواقعهم والانتقال إلى تعز، حيث قاموا بقطع شارع جمال وسط المدينة ومنع مرور المركبات احتجاجاً على عدم دمجهم في الجيش.

واستمر قطع الشارع الرئيسي وسط مدينة تعز لساعة كاملة، وأعيد فتحه بعد وصول قيادات عسكرية كبيرة إلى المكان، قدّمت وعوداً بحسم موضوع ضم أفراد جبهة الشقب، المستبعدين بدورهم من عملية الدمج في الجيش، خلال هذا الأسبوع، على الرغم أنه كان قد تم توزيعهم على قوة اللواء 22 ميكا.

في هذا الإطار، أفاد أحد المقاتلين في جبهة الشقب، الموفق بن علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "إجراءات ترقيم المقاتلين في الجبهات تمهيداً لضمهم إلى الجيش، بدأت قبل أسابيع، وعندما حان دور ترقيم أفراد جبهة الشقب، توقفت اللجنة عن العمل من دون إبداء أي سبب، وهذا ما جعلنا نبادر للاحتجاج".



الوضع مشابه تقريباً في موقع العروس الاستراتيجي، فالمقاتلون المرابطون في أهم موقع عسكري مطل على مدينة تعز، لم تُدرج أسماؤهم في كشوفات التجنيد. في مؤشر خطير على احتمال استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها.

وكان هادي، قد أصدر قراراً رئاسياً يقضي بدمج "المقاومة" في الجيش، وذلك عقب تحرير المحافظات الجنوبية في يونيو/ حزيران من العام الماضي، وتمّ دمج معظم عناصر "المقاومة الجنوبية" في ألوية عسكرية، كما تم تشكيل لجان عسكرية لتطبيق القرار في تعز. وقضى قرار هادي بشأن تعز، بضم 15 ألف مقاتل، يتم توزيعهم على الألوية العسكرية المتواجدة في المحافظة.

وتحدد الشكل الأولي للدمج، بحسب خطة مشتركة للجان المكلفة، بتوزيع المجاميع المسلحة في تعز، على ثلاثة ألوية هي 35 مدرع و22 ميكا و17 مشاة. كما أن هناك اللواء 170 دفاع جوي، الذي لا يزال تحت التأسيس، بالإضافة إلى إلحاق بعض المجاميع مباشرة بقيادة المحور، لكن العمل بهذه الخطة يجري ببطء ومحاط بالتعقيدات والقصور.

في هذا الصدد، كشفت قيادات عسكرية رفيعة في تعز، أن "التعقيدات القائمة، سببها أن عملية الدمج جرت منذ البداية بعيداً عن المنهجية العلمية المتبعة في التقاليد العسكرية، وما جرى هو مخاطبة قادة المجاميع برفع كشوفات بأسماء أفرادهم، من دون أن يكون هناك أية معايير".

ووفقاً لما أشارت إليه تلك القيادات لـ"العربي الجديد"، فإن "الخطوة الأولى من عملية الدمج فشلت، ولهذا السبب شكّل الرئيس هادي لجانا مختصة في هذا الشأن. وأثناء مباشرتها لعملها، وجدت أن عدد الأسماء الوهمية يكاد يفوق عدد المقاتلين الحقيقيين الذين يتواجدون في الميدان وجرى استيعابهم".

وذكرت المصادر، أن "الكشوفات التي رُفعت من قيادة اللواء 17 مشاة، تضمّنت 14 ألف فرد من الملتحقين بقوات اللواء، فيما تضمنت كشوفات اللواء 22 ميكا تسعة آلاف اسم، وأربعة آلاف من اللواء 35 مدرع. وهذا العدد من الأسماء المقرر دمجه، يفوق العدد المسموح به لكل لواء، والمحدد من قيادة المحور بـ 3700 فرد".

ووفقاً لهذه المصادر، فإن قادة بعض المجاميع محتفظون بأفرادهم ويتلقون توجيهاتهم من غير قيادات الجيش، إضافة إلى أن بعض فصائل "المقاومة" ترفض عملية الدمج ودخول الجيش، حتى أنها ترفض أن يأتي الدعم المالي والعسكري عبر قيادة المحور، لكونها تريد أن يأتي الدعم إليها مباشرة كما كان يحدث في السابق.

كما أشارت المصادر إلى أن "عملية الدمج قد ترافقت مع العديد من الأخطاء، في تكرار سيناريوهات بناء الجيش في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، من خلال الأسماء الوهمية والترقيات غير القانونية وترسيخ مبدأ الولاءات في صفوف الأفراد. وهو ما غلب على الجيش الطابع السياسي والمناطقي والحزبي، إذ تم دمج كتائب المقاومة، التي غالباً ما تكون محسوبة على طرف سياسي أو فصيل ديني، وضمّها في لواء محدد، يغلب عليه لون سياسي أو مناطقي واحد".



مع العلم أنه تمّ توزيع آلاف الاستمارات على جبهات "المقاومة"، وطلب منها تسجيل الأسماء من دون نزول اللجان لمعاينة الواقع، والتأكد من العدد الفعلي الحاضر والفاعل في الميدان. وهذا ما جعل عملية الدمج تتم بشكل عشوائي ومفتقر لعوامل المصداقية والشفافية، فتمّت إضافة آلاف الأسماء الوهمية التي تنسف الجيش الوطني قبل بنائه. وقد ظهرت ملامح هذا الفشل من خلال تصريح الحكومة الشرعية عن استعدادها لدفع رواتب 200 ألف من الجنود والضباط، "وهو رقم مهول لا يمت للواقع بصلة".

وكشف مصدر سياسي، لـ"العربي الجديد"، أن "بعض القوى السياسية مارست ضغوطاتها على القيادات العليا، ليتم توزيع الرتب العسكرية العليا للتربويين والموجهين وحديثي التخرج من صغار السن والمفتقدين للخبرة العسكرية. وبلغ الأمر حدّ تعيين بعضهم في مناصب قيادة أركان الألوية ورئيس عمليات المحور. وهو ما يشير إلى كارثة مستقبلية داخل تشكيلة الجيش الذي يتم تدميره بشكل ممنهج، تحقيقاً لرغبات بعض الجهات التي تعمل على الاستحواذ على مؤسسة الجيش والأمن".

تتلخص فكرة دمج "المقاومة الشعبية" في الجيش، بضم المجاميع المسلحة التي تشكلت تلقائياً وتصدت لمليشيات الحوثي وقوات صالح الانقلابية، وذلك من خلال ضمها إلى الأولوية العسكرية وتدريبها وتأهيلها، لتصبح عند مستوى التحديات. وجاءت فكرة الدمج بعد أشهر من اندلاع الحرب، في 26 مارس/آذار 2015، إثر تأسيس نواة حقيقية للجيش من بعض الأولوية والوحدات العسكرية وحتى الأفراد الذين قرروا القتال في صف الحكومة الشرعية.

وعكست المساعي الأولية لدمج "المقاومة الشعبية" بالجيش، مخاوف كثيرة، من بينها تسيد المليشيات على حساب وجود الدولة ونفوذ جيشها الذي كان فعلاً يعيش أدنى مستوياته، خصوصاً أن الغالبية العظمى من الجيش اليمني كانت قد قررت الانحياز للمخلوع صالح.

غير أن الهدف الأساسي حسبما رأت قيادات سياسية رفيعة في تعز، لـ"العربي الجديد"، هو "إيجاد جيش قوي يتكفّل بمهام التحرير على طريق إسقاط الانقلاب. وأيضاً وضع إطار قانوني للجماعات المسلحة، حتى لا تصبح البلاد مسرحاً للمليشيات، وحتى ينحصر السلاح في يد الجيش الذي يمثل سلطة الدولة". وأكدت القيادات أن "الفرصة موجودة أخيراً لإنشاء جيش على أسس وطنية، يكون بمنأى عن التجاذبات السياسية. وهي المبادئ التي نصت عليها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والتي أصبحت تشكل الوثيقة الأولى في البلاد".