نجاد يلعب بالنار: تشكيك بأهليته والقضاء الإيراني يستعد للتدخل

27 فبراير 2018
بدأ نجاد يمس بالنظام الإيراني ككل (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

عاد اسم الرئيس المحافظ السابق، والمحسوب على المتشددين، محمود أحمدي نجاد، إلى الواجهة، بعد رسالة بعث بها أخيراً إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، طالبه فيها بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وعزل رئيس السلطة القضائية، صادق آملي لاريجاني، ليرى كثر في الداخل أنه بدأ بدق إسفين في نعش مسيرته السياسية عملياً. فبعد أشهر من التجاهل المتعمد لأي أخبار وتصريحات تصدر على لسانه، منذ قراره بمخالفة نصيحة خامنئي بعدم الترشح إلى الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار الماضي، عادت وسائل الإعلام الإيرانية، وعلى رأسها تلك المحافظة، لتتحدث عما يفعله الرئيس السابق.

هي ليست رسالة جديدة من نوعها، كما أنها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها نجاد تصريحات تطاول السلطة القضائية. فارتفاع حدة التراشق بين الطرفين، بدأ مع الاعتقالات التي طاولت أفراداً في الحكومة السابقة، ومن الدائرة المقربة لنجاد، على خلفية تهم بالاختلاس والفساد بشكل رئيسي، لكنها المرة الأولى التي يغوص فيها نجاد في تفاصيل قد تجره بالفعل نحو اتخاذ قرار قضائي بحقه.

وطالب نجاد المرشد الأعلى بإجراء إصلاحات وتعديلات أساسية في السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأخرى في مؤسسة ومكتب المرشد نفسه، إضافة إلى إصلاحات لسياسات اقتصادية وثقافية وحتى سياسية، معتبراً أن هذه التغييرات باتت ضرورية لتلبية مطالب الشعب واسترجاع مبادئ الثورة الإسلامية. بل وطالب بالمزيد من الحريات ووقف الملاحقة القضائية لشخصيات، تتلخص جريمتها بالنقد والانتقاد للوضع الراهن. وفي ما يرتبط بالانتخابات المبكرة، رأى نجاد أنه يجب أن تجرى دون إشراف وتخطيط لجنة صيانة الدستور أو تدخل الجهات العسكرية والأمنية. وقبل ذلك، انتشر فيديو مصور لنجاد وهو يقف أمام مقر محاكمة مستشاره حميد بقائي، بعد أن منع من حضورها، وهو يصف القضاء بالظالم. وقال حينها إنه "لا توجد أي جهة تتعامل مع الشكاوى المقدمة ضد السلطة القضائية، حتى مرشد الجمهورية الإسلامية". بل وأشار إلى وفاة بعض المعتقلين في السجون، أخيراً، ممن اعتقلوا إثر الاحتجاجات التي خرجت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أو على خلفية تهم بالتجسس.

ورد المتحدث باسم لجنة صيانة الدستور، عباس علي كدخدائي، على رسالة نجاد الأخيرة، بالكشف عن أن هذا الأخير دعاه إلى مكتبه الرئاسي بعد ثلاثة أيام من إجراء الانتخابات الرئاسية في العام 2009، والتي فاز فيها بدورة رئاسية ثانية على منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي، فانطلقت شرارة الحركة الخضراء التي شككت بنزاهة العملية الانتخابية، وبدأ الشرخ يتسع بين نجاد والآخرين منذ ذلك الوقت. وقال كدخدائي إن نجاد طلب منه الإعلان عن تأكيد لجنة صيانة الدستور لصحة الانتخابات، متسائلاً عن سبب كل هذا التأخير؟ فذكر له المتحدث حينها إن على اللجنة أن تنظر في كل الشكاوى المقدمة إليها قبل تأييد ذلك رسمياً.


هذه التصريحات وما جاء في رسالة نجاد فتحت الأعين مجدداً على ما جرى في 2009. وقال الصحافي والناشط الإصلاحي، صادق زيبا كلام، إنه كلما مر الوقت وحصل المزيد من هذه المشادات سيتم الكشف عن المزيد من كواليس ما حصل خلال تلك السنة. ورد آخرون على نجاد كذلك، إذ اعتبرت وكالة "إيسنا"، في تقرير خاص أفردته لرسالته، أنه ترأس البلاد لثماني سنوات، لكن على يبدو فهو غير مطلع على تفاصيل الدستور الإيراني، فالقانون لا يسمح بإجراء انتخابات مبكرة بقرار من المرشد الأعلى، كما أن وفاة، أو عزل الرئيس أو تغيبه عن عمله بسبب المرض أو لدواعٍ أخرى لشهرين، هو ما يؤدي إلى نقل صلاحياته إلى نائبه بموافقة من المرشد، وتقوم لجنة تضم هذا النائب ورئيسي السلطة القضائية والبرلمان بالتحضير لإجراء انتخابات مبكرة في فترة أقصاها 50 يوماً. وحتى عزل الرئيس لا يكون إلا بموافقة الديوان الأعلى بعد قرار برلماني. كما تساءلت "إيسنا"، بقلم حسام الدين قاموس مقدم، عن معنى تأكيد نجاد على ضرورة عدم تدخل صيانة الدستور والأجهزة العسكرية والأمنية في الانتخابات، فهل هذا يعني أن كل الاستحقاقات الانتخابية جرت بتخطيط هؤلاء؟ حسب تعبيره.

الانتقادات والتساؤلات وصلت إلى الساسة ومؤسساتهم، إذ عقد اجتماع دوري لمجمع تشخيص مصلحة النظام، السبت الماضي، دون أن يحضره نجاد، ولا حتى رؤساء السلطات الثلاث. وبحسب صحيفة "جمهوري إسلامي"، فقد أبدى الحاضرون امتعاضاً مما يفعله الرجل، وبعضهم اعتبر أنه فقد الأهلية للبقاء كعضو في هذا المجمع، ومنهم من طالب باتخاذ خطوات قانونية بحقه. وأبدى أمين المجمع، محسن رضائي، أسفه من "وجود شخصيات كانت تتولى مسؤوليات في البلاد، أو أنها ما زالت في مقاعد صنع القرار، ممن يتخذون خطوات خارجة عن إطاري الدين والقانون". وقرأت تصريحاته هذه على أنها موجهة لكل من أحمدي نجاد والرئيس حسن روحاني على حد سواء، فهو من طالب أخيراً بإجراء استفتاء شعبي على قضايا خلافية، معتبراً أنه أمر يسمح به الدستور. وجاء هذا الأمر بعد التظاهرات الاعتراضية التي ردد المحتجون خلالها شعارات طاولت النظام الإسلامي. الجدير بالذكر أن خامنئي  كان قد أصدر في أغسطس/ آب الماضي قراراً بتعيين محمود هاشمي شاهرودي رئيساً للمجمع، خلفاً للراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وسمّى أعضاء المجمع في دورته الجديدة، والتي تستمر عادة لخمس سنوات، ومن بينهم محمود أحمدي نجاد.

من جهته، نقل النائب السابق وأمين حزب المجتمع الإسلامي للمهندسين وأحد الساسة البارزين، محمد رضا باهنر، عن مصادر قضائية تأكيدها أن هناك جهوزية للتعاطي مع نجاد، كونه ارتكب مخالفات بشكل كافٍ، إلا أن التحفظ في اتخاذ الخطوات يستند إلى الظروف الراهنة. وأشار باهنر إلى أن تحركات نجاد بدأت من انتقاد السلطات، لكنه الآن بدأ يمس بالنظام ككل. كما طالب مستشار قائد الحرس الثوري، محمد رضا نقدي، الرئيس السابق بالاعتذار. وقال إن "البعض أخطأ في فهم تصريحات المرشد، الذي اعتبر أخيراً أنه يجب تحقيق العدالة الاجتماعية، وأنه من حق الكل انتقاد المسؤولين، حتى المرشد نفسه". أما نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي مطهري، فردّ على نجاد بالقول إن الإصلاحات التي يطلبها تحتاج إلى تغييرات دستورية، متسائلاً، هو الآخر، عن معنى مطالبته بانتخابات من دون تدخل الجهات التي ذكرها؟ وقال صراحة إن "هذا المطلب يخالف ما جرى في الاستحقاقات السابقة، خصوصاً انتخابات عامي 2005 و2009، اللتين فاز نجاد فيهما. فلو فعلاً كان مطلبه هذا ملّح وضروري فلماذا لم يطرحه خلال تلك السنوات؟"، معتبراً أن انتقاداته للقضاء أتت بعد اعتقال بعض المقربين منه وحسب.

وتطور الحديث ليصف البعض نجاد بالشخصية غير السوية. وقال الصحافي الإصلاحي، عباس عبدي، في مقال كتبه في صحيفة "اعتماد"، إن الرئيس السابق كان يقوم دائماً بأفعال غير متوقعة للفت الأنظار. ورأى أن تسجيل ترشحه للانتخابات الماضية يعني تحول نجاد إلى انتحاري قرر الذهاب، على ما يبدو، إلى آخر الخط، معتبراً أن سياسات صيانة الدستور والقضاء لم تتغير كثيراً عن أيام رئاسته، إلا أن القرارات باتت تطاول نجاد وأعوانه، وهو ما يثير استفزازه. كل هذا يجعل كثراً في الداخل يتوقعون أن تذهب الأمور إلى منحى آخر في التعامل مع الرئيس السابق، بعد أن اعتمد القضاء سياسة ضبط النفس. لكن الناشط السياسي، غلام علي رجائي، يقول إن التعامل مع نجاد بسقف عالٍ قد يكون مكلفاً للغاية في الوقت الراهن، ومن سيقرر القيام بذلك قد يخسر اللعبة بالنهاية. إلا أنه توقع أن تكون مرحلة مجاراة نجاد قد انتهت بالفعل.