ليبيا: حلفاء حفتر يحرضونه على استكمال انقلابه

08 ديسمبر 2019
قصف عنيف يستهدف طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو ليبيا أمام مغامرة دموية جديدة للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي اتجه في الأيام الأخيرة إلى تصعيد حملته العسكرية على العاصمة طرابلس، خصوصاً بعد توقيع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السرّاج اتفاقين، أمني وبحري، مع تركيا قبل أيام، وهو ما يبدو أنه كان دافعاً لحلفاء حفتر إلى تشجيعه على العودة إلى محاولة الحسم العسكري، في ظل مواقف واضحة لدول أوروبية خصوصاً، من الاتفاقين.

ويترافق ذلك مع دعم عسكري واضح من دول عربية وغربية لمليشيات حفتر، أكان بالسلاح، وخصوصاً من مصر والإمارات، أو حتى بالمقاتلين كما في وضع روسيا التي أرسلت المئات من مرتزقة "فاغنر" للقتال إلى جانب المليشيات، بالتوازي مع ما كانت مصادر قد كشفته لـ"العربي الجديد" أخيراً عن تعاون بين حفتر وإسرائيل، وإرسال الأخيرة مسؤولين لتدريب عناصر المليشيات، بما يجعل هذه الأطراف العربية والغربية مسؤولة عن الدماء الليبية، في ظل تجاهلها لقرارات الأمم المتحدة بمنع تسليح الأطراف المتقاتلة، ورفض الاعتراف بحكومة السرّاج حكومةً شرعية وحيدة، في ظل حديث عن تحضيرات إيطالية لإجلاء السرّاج من ليبيا في حال انزلاق الوضع الميداني أكثر. كذلك تغيب كل المؤشرات على حل سياسي قريب، خصوصاً أن مؤتمر برلين الذي سعت السلطات الألمانية إلى عقده في هذا السياق، تأجل ويواجه انتقادات روسية.

وفي جديد التطورات الليبية، تضجّ أرجاء طرابلس منذ أربعة أيام بأصوات المدفعية والأسلحة الثقيلة التي اشتعلت بها جبهات القتال جنوبي العاصمة، ولا سيما في محوري اليرموك والخلاطات، أقرب محاور القتال إلى قلب طرابلس. وأكد المتحدث باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابع للجيش بقيادة حكومة الوفاق، محمد المدني، لـ"العربي الجديد"، أن وحدات الجيش تمكنت من صدّ محاولات مليشيات حفتر للتقدم في محوري الخلاطات واليرموك، مشيراً إلى أن المليشيات استخدمت المدفعية بشكل كثيف وعشوائي. وحول ما أعلنته مليشيات حفتر أمس السبت، من شنّها عمليات قتالية "على تخوم منطقة أبو سليم والطريق الذي يؤدي إلى مناطق الفرناج والهضبة وصلاح الدين"، نفى المدني تلك الأنباء، موضحاً أن مناطق اليرموك والخلاطات هي الأكثر اشتعالاً، وهي مسرح كرّ وفرّ بحكم اشتداد المعارك، لكنه أكد أن مليشيات حفتر لم تتمكن من إحراز أي تقدم يذكر. وأشار المدني إلى أن وحدات الجيش تمكنت خلال الساعات الماضية من "تدمير عدد من الآليات والمدرعات الإماراتية بالهاون والمدفعية الثقيلة"، مؤكداً أن محاور القتال لا تزال تستقبل تعزيزات عسكرية تصل تباعاً لدعم وحدات الجيش في مواقعها.

ورأى الخبير العسكري الليبي، محيي الدين زكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اعتماد المدفعية سلاحاً أساسياً في المعركة هذه الأيام، يشي بأن حفتر يعوّل عليها"، لافتاً إلى أن بصمات مرتزقة فاغنر كانت واضحة باستخدام المدفعية الموجهة والقناصات، كذلك فإن الإمارات حاضرة في أرض المعركة من خلال الطيران المسيّر.

يأتي ذلك فيما أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا أن الجيش الأميركي يعتقد أن دفاعات جوية روسية أسقطت الطائرة الأميركية المسيرة التي فُقدت قرب طرابلس الشهر الماضي. وقال قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، إنه يعتقد أن من كان يدير الدفاعات الجوية في ذلك الوقت "لم يكن يعلم أنها طائرة أميركية مسيّرة عندما أطلق النار عليها". وأضاف تاونسند في بيان لـ"رويترز" من دون أن يخوض في تفاصيل: "لكنه يعلم الآن بالتأكيد ويرفض إعادتها. هو يقول إنه لا يعلم مكانها، لكنني لا أصدق هذا". من جهته، قال المتحدث باسم القيادة الكولونيل كريستوفر كارنز، إن التقييم الأميركي الذي لم يُكشف عنه من قبل يخلص إلى أن من كانوا يديرون الدفاعات الجوية عندما وردت أنباء إسقاط الطائرة المسيّرة يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني كانوا إما متعاقدين عسكريين خاصين من روسيا، أو "الجيش الوطني الليبي" (التابع لحفتر). وأضاف كارنز أن الولايات المتحدة تعتقد أن من كان يدير الدفاعات الجوية أطلق النار على الطائرة الأميركية بعدما "ظن على سبيل الخطأ أنها طائرة مسيّرة للمعارضة". فيما قال مسؤول في حكومة الوفاق الوطني لـ"رويترز" إن مرتزقة روساً هم المسؤولون في ما يبدو. ونقلت وكالة "رويترز" عن متعاقد روسي حالي وآخر سابق إن مليشيات حفتر حصلت على دعم بري من بضع مئات من المتعاقدين العسكريين الخاصين التابعين لمجموعة روسية منذ سبتمبر/ أيلول.


وتسلّط مثل هذه الواقعة الضوء على دور موسكو القوي على نحو متزايد في ليبيا، إذ تتزايد الأنباء عن مشاركة مرتزقة روس في القتال إلى جانب مليشيات حفتر.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية إن الدعم الأجنبي قد يمكّن حفتر من تحقيق مكاسب، حتى وإن لم يستطع حسم المعركة. ونقلت عن مسؤول في إحدى وكالات المخابرات الإيطالية، لم تكشف عن اسمه، أن حفتر "أصبح قادراً تماماً على الفوز في المعركة العسكرية التي قد تكون غير حاسمة". وأوضح المسؤول أن المعركة قد "تطيح حكومة السرّاج حتى من دون السيطرة على طرابلس".
كذلك نقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع الإيطالية أنه وُضعَت خطط إجلاء طارئة، ليس فقط للعاملين في السفارة الإيطالية في طرابلس، بل حتى لرئيس الوزراء الليبي فائز السرّاج نفسه ولأهم المسؤولين في حكومة الوفاق الذين قد يتعرضون للخطر هناك. وقالت تلك المصادر إن "القوات الجوية الإيطالية لديها خطط جاهزة، ولهذا فهي تعمل باستمرار على مراقبة مسرح المعركة حول طرابلس باستخدام الطائرات المسيّرة".

وأشارت الصحيفة نقلاً عن محللين إيطاليين، إلى أن طبيعة الدعم الذي كان يحصل عليه حفتر قد تغيّر، وأدى ذلك إلى تحسين مخططاته العسكرية، "فبالإضافة إلى الدعم المصري والإماراتي، يحظى حفتر الآن بدعم حاسم من قبل مئات من المرتزقة الروس الذين ساهموا بالتأكيد في إسقاط الطائرتين المسيّرتين الأميركية والإيطالية قبل أسبوعين في سماء ليبيا".
وحسب الصحيفة الإيطالية، فإن الروس إلى جانب الجيش المصري ساهموا أيضاً في جعل عملية حفتر العسكرية أكثر واقعية "فمنذ أشهر يقال إن حفتر لا يستطيع السيطرة على عاصمة يسكنها ما يقارب أربعة ملايين نسمة". لكن حفتر، وفقاً للمصادر نفسها، لا يريد السيطرة على طرابلس، بل إطاحة حكومة السرّاج بإجباره على الهروب وتفعيل آلية في الأمم المتحدة لنزع الشرعية عن تلك الحكومة. ووفقاً لما تنقل الصحيفة عن مصادر في المخابرات الإيطالية، إن عدد الروس أقل من ألف عنصر. لكن حسب تقديرات أخرى، يصل عدد هؤلاء إلى ألفي عنصر.
وتقول الصحيفة إن العنصر الحاسم الآن في المعركة القائمة هو السيطرة على المجال الجوي. وأعلنت مليشيات حفتر في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد إسقاط الطائرة الإيطالية المسيّرة في سماء مدينة ترهونة، فرض حظر جوي في سماء طرابلس. وقد يسمح توافر صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات لدى المرتزقة الروس لطائرات حفتر بالتحليق بحرية في سماء العاصمة.

في غضون ذلك، دخلت حيّز التنفيذ أمس مذكرة التفاهم التي أبرمتها تركيا وحكومة السرّاج بشأن تحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر الأبيض المتوسط. ونشرت الجريدة الرسمية للدولة التركية، في عددها الصادر أمس، المصادقة على مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق.

من جهته، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، أن العمل جارٍ على تدشين خط بحري بين تركيا وليبيا، وأن نص الاتفاق المبرم بين البلدين أُرسِل إلى الأمم المتحدة. وقال في كلمة ألقاها أمس خلال اجتماع حزبه "العدالة والتنمية" في إسطنبول، إن تركيا "ستستخدم حقوقها النابعة من القانون البحري الدولي والقانون الدولي في البحر المتوسط حتى النهاية".

سياسياً، يبدو أن مسار مؤتمر برلين لا يزال غير معبَّد، بعد تأجيله أكثر من مرة، ليصبح الموعد المفترض لعقده هو شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. ووجّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الأول الجمعة، انتقادات إلى مؤتمر برلين. وقال من روما: "فاجأني عدم دعوة الأحزاب الليبية ودول الجوار إلى مؤتمر برلين، وهو بالتالي فرصة ضائعة"، مرحباً بـ"مبادرة" المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وأضاف: "آمل أن نحرز تقدماً في المستقبل مع مقاربة أكثر شمولية". وفي وقت سابق أعلن لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو أن "أي طرف له صلة بليبيا وأيضاً بالاتحاد الأفريقي الذي أُبقي بلا سبب بعيداً عن مؤتمر برلين يجب دعوته إليه". وقال لافروف: "الوضع في ليبيا معقد جداً، لأن هناك جهات عديدة دخيلة"، مشيراً إلى "هشاشة الوضع" في البلاد. ووصف لافروف بـ"الشائعات" الأنباء عن وجود مرتزقة روس في ليبيا.

المساهمون